في ظل سياسة ضيقة تفصل الوطن بحجم مصالحها ،سيصبح الوطن أسوأ من هذا، وما كان ممكناً اليوم لن ينفع في الغد ؛حتى حكمة أسلافنا لن يكون بمقدورها العمل بعد الآن، كوننا خرجنا عنها ،وأصبحنا نفكر باستباحة دم من كانوا أخوتنا للأمس القريب، حينها لن ينفع الإيمان برب موسى ..! لم يمر عليها سوى أيام ..،لكن ردود الفعل المحلي والدولي حولها فاق عمرها كثيراً، لتصبح أول حكومة يمنية تنال جدلا واسعاً في تاريخ اليمن الحديث؛ بين الموافقة أو الرفض من قبل هذه الأحزاب والجماعات ،لكن هل الموافقة والرفض ناتج من تخوف هذه الأطراف من تأزم الوضع مرة أخرى، أم أن أطماع ومصالح ضيقة تقف خلفها ؟.يقول عبدالسلام محمد ،وهو أحد مهمشي الحديدة، يبلغ من العمر 12 عاماً، التقيته في ساحة الجامعة، حين سألته عن الحكومة الجديدة ،قال:إنها «إتحتاج إلى رجل» ،هكذا تسلل اليأس إلى أطفالنا بعدما دوخت مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة مسامعهم، ويرون مستقبلهم يتشظى بين أيدي الكبار، لم يكن بمقدوري الكلام حينها أمام رأي كبير من فم طفل صغير ترك الدراسة في الصف الأول ،وانتقل للعمل مع والده في خياطة الأحذية، لكن مهنته لم تشغله عن متابعة هموم وطنه، والتحديات المحدقة به. انتظار الدكتور أحمد الصعدي، قال: «لا يمكن القول إن هذه الحكومة ستصنع معجزات، أو أنها ستفشل، الأمر نتركه للانتظار ؛لكن كثيراً من الناس اعتبروها طريقاً للخروج من الوضع الراهن. وأضاف: مشكلة المشاكل في البلد، هي الفساد الذي ينخر في جسم الدولة، ويغيب القانون على أرض الواقع .. ولا يتعلق الأمر بشخص رئيس الحكومة، أو بالوزراء». وتحدث أستاذ الفلسفة في جامعة صنعاء، أنه لا يوجد توفيق بين ما يقوله الناس وما يضمرونه، فالذين شرّعوا القانون بدأوا يعملون خلافاً لما شرّعوا، وهذا عيب نعاني منه في المجتمع اليمني ،سياسيين أو ناس عاديين. مناكفات أستاذ العلوم السياسية ،ناصر الطويل ،قال: إن الحكومة الجديدة ستكون ضحية للمناكفات السياسية، والصراع السياسي القائم بين الجماعات والأحزاب السياسية ..، وأضاف: «أنا مشفق على هذه الحكومة لأنها تعمل في ظروف بالغة الصعوبة». يضيف:ليس العيب بتشكيل الحكومة، لكن العيب في السياق والوضع العام الذي تعمل فيه، كون الوضع الذي تعمل به الحكومة ويعاني من صراعات حادة ،وبالتالي هي تعمل في ظروف استثنائية وغير طبيعية. وأوضح الطويل: غالباً رئاسة الدولة هي التي تدير الأمور وتخرج الكثير من السياسات في الجانب الدستوري، الحكومة دورها يكون دور إخراجي دور تنفيذي في كثير من الأحيان».. يتفق معه الدكتور عمر عبرين في هذه النقطة .يضيف عبرين: أحياناً يتم اختيارها من قبل جميع الأطراف لإرضاء الجميع بقدر الإمكان. طبيعة الرفض تشكيل الحكومة الأخيرة بادرة انتظرها اليمنيون كثيراً ،واستبشروا بها خيراً، كونها ستنهي مرحلة خطيرة من الصراع ،كادت أن تدخل البلد في نفق مظلم؛ لكنهم تفاجأوا حين وقفت الأحزاب والقوى السياسية بين مؤيد ومعارض لها ؛والسؤال الأهم هنا: هل الموافقة أو الرفض من قبل هذه الأحزاب تتم وفقاً للمصلحة الوطنية؟ يقول الدكتور عمر عبرين: هذا يتوقف على ما ستفرزه الأيام اللاحقة، أما من ناحية تمثيل الأحزاب والشخصيات على المستوى الحكومي، يفترض الوصول إلى توافق يرضي جميع الأطراف السياسية حتى نخرج البلد من أزمة حقيقية قد تصل إليها، وما يطرأ من اختلافات ينبغي معالجتها بالحوار الشامل للدولة مع جميع الأطراف، بما فيها الجماعات والأحزاب الأخرى للتوصل إلى رؤية موحدة من أجل المصلحة العامة، أما إذا كانت مصلحة حزبية ضيقة فينبغي على الحزب إعادة النظر في هذا الجانب. انطباق الشروط «النزاهة»،و«الكفاءة»،صفتان طالبت بهما وثيقة السلم والشراكة في الشخصيات الوزارية للحكومة، فهل توفرت مثل هذه الشروط في الحكومة الجديدة ؟وما مدى تواجدها في البيئة اليمنية أصلاً؟ يقول عبرين: في البحث عن الشخصيات التي تنطبق عليها مثل هذه الشروط قد نصل إلى نتيجة، قد نجد الكفاءة، لكن لاتضمن مستوى الحياد، أن تلزم الوزير المعين بعملية الحياد في إطار نسق معين، هذا يتطلب آلية معينية. يضيف: في كثير من الدول العربية أو الأجنبية، عندما يحصل تغيير سياسي لأسباب معينة، قد تكون أزمات أو ثورات أو توافق، تدخل الدولة في مرحلة انتقالية يتم تشكيل الحكومة وفق أطر معينية من ضمنها أن يطرح تشكيلة حكومة من كفاءات مستقلة قدراً من المحايدة ،ويشترط على الأعضاء الداخلين في الحكومة عدم الترشح في أية انتخابات لاحقة نيابية أو محلية ولمدة زمنية قد لاتقل عن 10 سنوات، ويطرح لهذه الحكومة صلاحية إعداد الدستور وصلاحية إعداد قانون انتخابات محايدة ،كون مقننيها يدركون أنهم خارج اللعبة، لذا لن تكون مفصلة على مقاساتهم، وبهذه الطريقة سترضي جميع الأطراف الوطنية ،أما المحاصصة في فترة انتقالية كهذه، فمعناها أن كل طرف يعمل لمصلحته ،ولما يضمن فوزه بالفترة القادمة، وهذا لن يكون لمصلحة الوطن. يقول عبرين: ما يتعلق بنوعية الشخصيات ومستوى تمثيلها، ينبغي في المرحلة اليمنية الراهنة بالتحديد التقريب بين وجهات النظر بحيث أن الحكومة تشمل جميع الأطراف أو تكون خارج جميع الأطياف، وتكون محايدة كمرحلة انتقالية. أنبياء يرى بعض المهتمين، أن الأحزاب السياسية في البلد لم ترتقِ بعد إلى مستوى المسئولية الوطنية التي تقدر مصلحة الوطن على مصلحة الحزب، وهذا جعلنا نصل إلى هذه المساحة الضيقة التي يصعب على الأحزاب نفسها الوقوف عليها اليوم، في ظل هذا التشظي الكبير، لكن هل أدركت الأحزاب أنها السبب في كل ما يحصل للبلد ،وهل تمتلك قليلاً من احترام الذات لتقدم اعتذاراً ولو خجولاً، للمواطن الذي سُحقت كرامته. ويؤكد أحمد الصعدي: لم نسمع عن حزب مارس النقد الذاتي واعترف بالخطأ ،وكأنهم أنبياء ..، كان الناس في 2011 ينتظرون من أحزاب المعارضة أن تقدم كل شيئاً لأنها البديل ،وتمثل نقيضاً لما كان سائداً، وكان يجب من المعارضة السابقة أن يكون لها برنامج؛ لكنها مارست نفس الدور وفي بعض الحالات دور أسوأ، حتى على الصعيد الشخصي للوزراء ،جاءوا بوجوه قديمة تمارس نفس العمل. يضيف: حتى نكون صريحين، الأحزاب السياسية فيها عيب كبير، كونها وليدة هذا الواقع، وتحمل أمراضه، ما حصل أنها اهتمت بمصالحها، ودخلت بمحاصصة ،وصراع على المناصب، وكما بيّنت التجربة الماضية أن كل حزب أخذ له حصته، وبعدين كل الأحزاب عملت محاصصة داخلية، وانشغلت عن هموم الناس، فخرجت عن مسئوليتها، لذا كانت الكارثة». ويرى أستاذ العلاقات العامة في كلية الإعلام، أن مشكلة الرؤية السياسية في اليمن أن كل حزب ينظر إلى نفسه أنه الممثل الوحيد للبلد، لكن لو تم عمل استطلاع ميداني ،لعامة الناس لمعرفة من هم حزبيين، ومن هم غير حزبيين، حينها سيدرك كل حزب أو كل سياسي ،وكل طرف في الدولة مقدار عدد المستقلين والثقل السياسي للمستقلين وللمتحزبين، عندها سيدرك الجميع أين تكمن المصلحة العامة للدولة ،حينها سيقررون العمل لمصلحة المستقلين ،أو الحزبيين فقط، وأضاف، عندها يمكن الوصول إلى نقطة اتفاق مابين الحزبيين والمستقلين، وهي النقطة التي لايختلف عليها اثنان في المصلحة الوطنية العامة، وتبدأ من ترسيخ الأمن في الدولة، وعندما يجمع عليها الكل، ويعمل عليها الجميع لتغطية الأمن، عندها ستعود المصلحة للجميع ،بما في ذلك المواطن العادي المستقل، حينها ستأتي الاستثمارات والمردود الاقتصادي للدولة، وسيتبعها استقرار سياسي بالضرورة. مصالحة يرى الطويل، أن أداء الحكومة سيكون جيداً إذا حدث توافق بين القوى السياسية الرئيسية كلما اتسع أداء الحكومة وتوسعت الأرضية التي تعمل فيها ،وكلما حدث انقسام واستقطاب وصراع، أدى ذلك إلى ضعف الحكومة ووضع الكثير من التحديات والصعوبات أمامها ،والبلد اليوم بحاجة إلى نوع من التوافق السياسي ،حوار وحوار بين مختلف القوى السياسية، ليس هناك ضرر أن نعقد اتفاقاً سياسياً جدياً، وهذا الاتفاق يكون أحد ركائز التوافق والمصالحة، في هذه الحالة ستحظى الحكومة بإسناد سياسي من مختلف القوى والأحزاب السياسية. يقول عبرين: على الدولة بشكلها العام أن تصل إلى نقطة تحل جميع الخلافات؛ لكن طالما وصلنا إلى مرحلة أن الحكومة أعلنت تشكيلها وهناك صعوبات في إرضاء من رفضوا ،وصعوبة في التراجع عن تشكيل الحكومة ،فالحل الوحيد هو الوصول إلى نقطة اتفاق، كتشكيل لجنة خاصة للمصالحة الوطنية الكاملة، كما في البادرة التي طرحها مجلس النواب بغض النظر عن نيتها يضيف: على جميع الأطراف ترك الحكومة في عملها وفي تشكيل أعمالها، والجلوس في نقطة حوار لمصالحة شاملة، للوصول إلى نقاط اتفاق ينبغي من خلالها أما تطعيم الحكومة، أو ترك فرصة لها، لفترة معينة، نعيد النظر فيها لأسباب قد تحفظ ماء الوجه للأطراف كلها، أو في نفس اللحظة نصل إلى نقطة يحدد فيها موعداً لإجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي تصبح مهمة الحكومة الحالية التحضير لانتخابات نزيهة، ومن ثم يتوجب على الجميع القبول بهذه النتائج والالتزام بها أياً كانت. ويرى الصعدي: لا يوجد حلول جاهزة اليوم للوضع الراهن ،لكن يتطلب من الناس اليقظة والتفكير بمسئولية وطنية، تقدم مصلحة البلد على الكل، بحيث أنه لايبقى البعض مدافعين عن مصلحة وزير كونه من جهته، أو من منطقته، أو من انتمائه السياسي، لكن اكتشفنا أننا لم نصبح شعباً موحداً في المثل والرؤى، وهذا ما لاحظه باحثون أجانب سابقاً في اليمن وفي العراق وغيرها، أن المجتمع المتخلف يقف ضد مصالحه، وليس لديه نزعة برجماتية، تقيس النتائج العملية للبرامج والأهداف والأفكار، قبل الوقوف بوجهها، وأعتقد أن هناك صفقات سياسية ،وحسابات للمستقبل من قبل فئات تحسب مصالحها أما الشأن العام مغيب تماماً. في يمن الغد يأمل عبدالسلام أن يعيش بكرامة على تراب هذه الأرض، لا على تراب أرض أخرى، ويتمنى من السياسيين أن يتنازلوا عن كبريائهم قليلاً، ويقدموا بعض التنازلات لهذا الوطن الذي يستحق منا تقديم الكثير والكثير من التضحيات، لا الكثير من الجثث.