ليس خافياً على الرياضيين في بلادنا أن الدكتور عبدالوهاب راوح كان أفضل وزير مرّ على الوزارة الشبابية والرياضية أواخر العقد التسعيني وفي عهده بدأت مرحلة جديدة ومتقدمة للواقع الرياضي اليمني.. فقد سعى إلى تفعيل الاهتمام الرسمي بالشأن الرياضي ونتج عن ذلك إعلان عام 1999م عاماً وطنياً للشباب والرياضة، وتقدم الوزير راوح باستراتيجية تمثل ترجمة عملية وعلمية للاهتمام الحكومي بالحاجات المرتبطة بالشباب انطلاقاً من المبادئ والأساسيات التي تتحكم في صياغة وتنفيذ السياسات الواضحة والمحددة الخاصة بالشباب والنشء لارتباطها بقطاع هام وحيوي وسعياً للتطور واللحاق بدرب الدول المتقدمة مع مراعاة التوازن بين حاجات الشباب وتنمية المجتمع.. وهدفت الاستراتيجية إلى تأمين المكونات الأساسية للبنية التحتية التي من شأنها أن تكفل تحقيق الاستقرار في الأندية وتعمل على النهوض بالرياضة بصورة شاملة.. فبعد دراسات ميدانية واستقراء واطلاع على حال الرياضة والرياضيين في بلادنا عمل الدكتور راوح على تشخيص الأدواء والخلل في الأوضاع التي تمر بها الرياضة والعمل الرياضي القائم حينذاك على الفوضوية والارتجالية وغياب الأداء المؤسسي. وسنسعى في هذا العدد وما يليه لعمل تقييم يلخص أهم ما تم تنفيذه من هذه الاستراتيجية وما تم إهماله منها.. ونسهم في وضع بعض الأولويات للوزير الجديد الأخ رأفت الأكحلي التي كانت الاستراتيجية قد أكدت ضرورة التنفيذ لها مرحلياً وصولاً إلى التطوير المنشود والنهوض بالواقع الرياضي والتخلص من الارتجالية والعشوائية التي كانت ضاربة أطنابها في الشأن الرياضي والشبابي ببلادنا. لماذا صندوق النشء؟! ويمكن التأكيد هنا أن أعظم منجزات حقبة الدكتور عبدالكريم الإرياني رئيس الوزراء وقتها والدكتور عبدالوهاب راوح وزير الشباب والرياضة هو السعي الحثيث للحصول على القرار الجمهوري بقانون رقم (10) لسنة 1996م وتعديله بالقانون رقم (29) لسنة 1996م حيث جاء مورداً إضافياً له عظيم الأثر على الجوانب المالية إضافة إلى ما تخصصه الحكومة من موازنتها السنوية للنشاط الرياضي والأندية والاتحادات الرياضية. وتتلخص الدوافع والأهداف التي استدعت لوضع هذه الاستراتيجية بحسب ما أورده الوزير راوح في الفصل الثالث منها بالآتي: عدم استقرار المكونات الأساسية للبنية التحتية في مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي (في نطاق ما يعرف بالنشاط المدرسي) ففقدت بذلك أهم مصدر لإعداد الكفاءات ممن هم في سن التنشئة التربوية ولدى من يمثلون أغلب أبناء المجتمع. ضعف استقرار القيمة الأدبية لمادة التربية البدنية والفنية والموسيقية ومدرسيها وأوقاته.. وضعف استقرار المدرب الرياضي وكذا ضعف استقرار اللاعب نحو ارتباطاته الرياضية تحت تأثير ارتباطات عائلية ووظيفية ودراسية وصحية واجتماعية.. إضافة إلى ضعف استقرار المواسم الرياضية والشبابية سواء من حيث الانتظام أو الاكتمال أو الشمول ،وكذلك ضعف استقرار برامج التدريب وعدم الاستقرار الإداري والفني والمالي للأندية والاتحادات واللجنة الأولمبية والأطر الشبابية.. كما أنه يوجد ضعف في كفاءة الاعتمادات المالية نحو متطلبات البنية التحتية للعمل الرياضي وضعف حجم العلاقة التعاقدية بين الأطر الرياضية والشبابية والمؤسسات الاقتصادية الأهلية. واختتم الدكتور راوح استعراضه بقوله: وسعياً نحو تأمين الاستقرار المطلوب لهذه التربية في مؤسساتها المعنية تأتي بعض المقترحات في هذه الاستراتيجية التي جاءت وليدة جهود مشتركة من المختصين من قادة العمل الرياضي والشبابي لتمثل بداية الطريق. محورا الاستراتيجية وضعت الاستراتيجية أيضاً نطاقاً لعملها في محورين: الأول محور البنية التحتية والثاني محور النشاط بشقيه برامج المواسم الرياضية والشبابية الثابتة وبرامج إعداد المنتخبات الوطنية الرياضية. واقترح فيما يتعلق بالمحورين أن تكون نسبة المعادلة بينهما 15 % لصالح البنية التحتية و25 % لصالح النشاط بشقيه الرياضي والشبابي وتتولى الخطط التنفيذية تفاصيل تلك البرامج.. وأكدت الاستراتيجية أن مقومات البنية التحتية تتمثل في: الأرض التي تقام عليها الملاعب والصالات المغلقة ومساحة لممارسة المناشط الرياضية وكذا إعداد خطة خاصة بتوثيق أراضي الشباب وتسويرها مع حجز أراضٍ في مراكز المحافظات وفي المدن الثانوية والتجمعات السكنية ذات الكثافة بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية بأراضي وممتلكات الدولة. كما تتمثل أيضاً في تنمية العمالة الفنية المتخصصة المرتبطة أصلاً بوجود المؤسسات التعليمية المتخصصة بالتربية البدنية والرياضية.. وأيضاً تتمثل في: الرياضة والأنشطة المدرسية ويليه التجهيزات والوسائل وكذا التدريب والتأهيل إضافة إلى الأندية والاتحادات.. ومن ثم يأتي أهمية توفير الرياضة للجميع انسجاماً مع الميثاق الدولي للتربية البدنية والرياضية الصادر عن منظمة اليونسكو عام 1978م.. ومن المدخلات أيضاً التكريم والحوافز في مجال الإبداع الرياضي والإنجازات للأبطال الرياضيين والمدربين والحكام وقادة العمل الشبابي بما يؤمن نظاماً موحداً ومؤسسياً.. ومنها أيضاً المكونات المصاحبة والمرتبطة بالرياضة والشباب وتتمثل في الرعاية الطبية والصحية والإعلام الرياضي والشبابي والبحوث العلمية والتثقيف. واشتملت الاستراتيجية فصلاً خامساً عن الرياضة القطاعية ومنها قطاع القوات المسلحة وقطاع قوات الأمن والشرطة وقطاع المعاقين وقطاع الرياضة النسوية.. وفي الفصل السادس تضمن البرامج الشبابية والرياضية التنافسية ويندرج تحتها النشاط الكشفي والمرشدات وفي الفصل السابع الإجراءات التنفيذية والفصل الثامن التوصيات. أمور سبور.. وأخرى تبور وبعد مضي عقد ونصف على وضع الاستراتيجية موضع التنفيذ العملي على الواقع الرياضي فإن التقييم لما نفذ منها بما يتعلق بالمحور الأول وهو البنى التحتية يعد جيداً من حيث الكم لكنه ليس كافياً ولم يكن مؤثراً جداً ليستطيع القائمون على الرياضة التباهي به.. فالبنى التحتية التي جاءت بها بطولة خليجي 20 في محافظتي عدن وأبين لم تكن لتتحقق لولا ضغوطات الحكومات في تلك الدول الخليجية وطبيعة المشاركة اليمنية والواقع السياسي وقتها الذي مثل تحدياً للدولة وليس للوزارة الرياضية والأطر التي تنضوي تحتها. أما في مجال البنى التحتية للمحافظات الأخرى غير أمانة العاصمة فإن ما تم تنفيذه لا يوازي 10 إلى 20 % مما كان مأمولاً مع خضوع المشاريع للعملية الانتقائية القائمة على العلاقات بين الوزراء والمحافظين أو لانتماء الوزراء المتعاقبين على الوزارة إلى محافظات بعينها فتم تيسير تشييد الاستادات الرياضية للمحافظة هذه أو تلك دون معايير.. ناهيك عن أن أندية بعينها أيضاً استثمرت علاقات بعض المسئولين في الدولة لتحوز على مشاريعها في البنى التحتية وحرمان أندية في ذات المحافظات من هذا الحق.. ففي محافظة تعز على وجه خاص لاتزال تعاني نقصاً حاداً في البنى التحتية إذ لا توجد ملاعب خاصة بها تم تشييدها من قبل وزارة الشباب والرياضة منذ تم وضع حجر الأساس للاستاد الرياضي الدولي فيها مطلع الألفية الثالثة.. وبقي ملعب الشهداء هو المحضن لكل الأندية.. التي هي الأخرى تعاني تهميشاً من مسئولي الوزارة وبالذات في قطاع المشاريع.. فجميع أندية تعز بلا ملاعب خاصة بها باستثناء ملعب الصقر الذي يرأسه رجل المال والأعمال شوقي هائل منذ منتصف التسعينيات ويحظى بدعمه وهو محافظ المحافظة حالياً.. وفي إب لم يتحقق للمحافظة السياحية تشييد استادها إلا بعد عقدين من الزمن.. وأما الحديدة فهي إلى الآن بدون استاد رياضي وفي حضرموت لم يتم تنفيذ الاستاد بالشحر إلا بعد اللتيا والتي.. ما يعني أن من لديه صميل الوساطة والمشيخة كانت أموره سبور..والبقية أمورهم تبور. والعديد من البنى التحتية في الأندية اليمنية منعدمة أو غير مكتملة لأن تنفيذ المشاريع كان يتم بطرق ملتوية وبالمحاباة ولايزال هذا القانون معمولاً به في هذا القطاع. استنزاف المليارات بلا تقدم وفي المحور الثاني لم تتمكن معظم الأندية من بسط سيطرتها على ممتلكاتها التي مازالت نهباً للقوى النافذة ويعود ذلك إلى تلكؤ مسئولي صندوق النشء والشباب وفروع الوزارة في تلك المحافظات وأبرزها تعز من حماية أراضي الشباب في بيت الشباب بالحوبان وأراضي نادي الطليعة بذات المنطقة وأراضي نادي أهلي تعز بمنطقة الخزجة بمفرق ماوية.. كما أن هناك بيوتاً للشباب وصالات للألعاب في بعض محافظات الأطراف أو العمق الداخلي في البلاد تم استنزاف الملايين بل المليارات لتشييدها لكنها صارت شققاً سكنية للأشباح بعد هجرها نهائياً وإهمالها من مسئولي الشباب والرياضة في مديريات تلك المحافظات. الأخ وزير الشباب رأفت الأكحلي.. نأمل أن يتم إعادة تقييم الوضع الحالي للرياضة والشباب وبخاصة قطاع المشاريع وصندوق النشء وتفعيل النشاط المدرسي والإعلام الرياضي وهما جزءان هامان من الاستراتيجية.. وسنفرد لهما قراءة تقييمية في الأعداد القادمة إسهاماً منا في وضع بعض المقترحات في الختام للوزير الأكحلي ليعمل على إعادة وضع الأولويات وإقصاء الفاسدين من مواقع إصدار القرارات لأنهم أضروا الرياضة وخربطوا ونهبوا الملايين تحت مظلة القانون وبالذات صندوق النشء الذي لو تم تنفيذ مكونات الاستراتيجية العامة للشباب والرياضة وبالنسبة التي وضعتها 15 % للبنى التحتية و25 % للنشاط الرياضي والشبابي لكان واقع الرياضة اليمنية أرقى مما هو عليه الآن.. إذ إننا نتقدم خطوة واحدة والعالم من حولنا يثب قفزات بمئات الأمتار والكيلومترات نحو الأمام.