وسط العديد من المشاكل المتداخلة التي تعانيها الحياة العامة اليمنية تبرز معاناة الأطفال كواحدة من أهم معضلات البلاد التي تحاول الخروج من بوتقة الإنهيار العام الذي يهددها، ولعل أطفال اليمن من أكثر أطفال دول العالم معاناة, وتتوزع معاناتهم على ظواهر عدة في مقدمتها تهريبهم إلى خارج الحدود بغية التسول والمتاجرة بهم، وكذا سوء التغذية والزج بهم في أتون معارك قبلية وعسكرتهم فضلاً عن ابتعادهم عن التعليم والدراسة.. ولعل الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات شجعت على رفع معدلات ظاهرة تهريب الأطفال إلى الخارج وباتت تشكل قلقاً للأهالي بعد تنامٍ لحالات اختطاف الأطفال وفقدانهم. فقد أحبطت الأجهزة الأمنية في مديرية حرض الحدودية التابعة لمحافظة حجة محاولة تهريب 22 طفلاً من مديرية سارع بمحافظة المحويت إلى خارج الحدود خلال الفترة القريبة الماضية. وقالت السلطة المحلية في محافظة المحويت إن مدير عام الشئون الاجتماعية بالمحافظة تسلم الأطفال الذين تعرضوا لمحاولة التهريب وأنه تم التحفظ على الأطفال من مديرية سارع واستدعاء أولياء أمورهم للإجراءات القانونية، وفقا لما نقله مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية.. الجدير بالإشارة الى أن محافظة المحويت واحدة من المحافظات التي يتعرض أطفالها في عدد من المديريات إلى التهريب، ليجري استخدامهم في أعمال التسول في الخارج، وأعمال أخرى تصادر براءتهم الطفولية، وتؤثر على حياتهم ومستقبلهم. وأكدت نتائج لمسح ميداني نفذته لجنة مشتركة من منظمة اليونيسيف ووزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية والعمل حول ظاهرة تهريب الأطفال اليمنيين، أكدت تنامي الظاهرة في المحافظات الحدودية بين البلدين وقد أشارت اللجنة إلى وجود عصابات منظمة تقوم بهذه العمليات. تعاطف وقالت مسؤولة وحدة عمل الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية منى سالم في وقت سابق أن المتوسط اليومي لعدد الأطفال المتسللين الذين تضبطهم الدوريات على الحدود يصل إلى 50 طفلا يومياً، منوهة إلى أن هناك مؤشرات بأن عدداً غير محدود من الأطفال ينجحون في التسلل دون أن تتمكن قوات حرس الحدود اليمنية من ضبطهم. وأوضحت أن التحقيق والمسح الميداني الذي أجري أخيراً كشفاً عن قيام بعض العصابات بتجميع الأطفال في المناطق الحدودية، بغرض تهريبهم إلى الأراضي السعودية عبر الطرق الجبلية الوعرة، لاستخدامهم في أعمال التسول في حين يقوم بعض أولياء الأمور بالدفع بأبنائهم للتسلل إلى بعض المناطق القريبة من الحدود، بطريقة غير شرعية سعياً منهم للحصول على فرص عمل هناك.. وكشفت أن لجان التحقيق توصلت إلى معلومات تفيد بقيام بعض العصابات باستخدام الأطفال في عمليات تهريب السلع والقات مستغلين بذلك التعاطف الذي تبديه السلطات السعودية مع الأطفال الذين غالباً ما يتم ترحيلهم دون فرض عقوبات عليهم. عصابات منظمة وفي السياق نفسه أوضح التقرير الذي صدر عن لجنة اليونيسيف ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بشأن المسح الميداني للظاهرة أن حوالي 94 % من الأطفال الذين تم التحدث إليهم أكدوا أنهم يتدافعون إلى الأراضي السعودية بسبب وجود فرص عمل في بعض المناطق السعودية القريبة من الحدود اليمنية وأن الكثير منهم يعملون غالباً في رعي المواشي بأجر شهري يصل إلى 300 ريال سعودي. وكشفت الدراسة التي نفذت في 10 مديريات يمنية في محافظتي حجةوالمحويت (البوابتين الرئيسيتين لعبور وتسلل الأطفال إلى السعودية) أن أسر الكثيرين منهم تدفعهم للتسلل إلى السعودية لمحاولة البحث عن عمل هناك بسبب الفقر.. وأكدت أن نسبة الأطفال الذين يتسللون إلى الأراضي السعودية بالتهريب عبر عصابات منظمة، تصل إلى حوالي 3 % من إجمالي عدد الأطفال المتسللين، تساويها نسبة الأطفال الذين يدخلون الأراضي السعودية لغرض التسول.. وأوضحت اللجنة أن الفقر يقف في مقدمة الأسباب التي ساعدت على تنامي ظاهرة النزوح إلى الأراضي السعودية علاوة على شح الخدمات التعليمية والصحية، في تلك المناطق والتي تبين بحسب التقرير أنها تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.. وحذر التقرير من مخاطر عديدة تتهدد الأطفال أثناء محاولتهم الدخول إلى الأراضي السعودية على الحدود بما في ذلك تعرضهم لجرائم قتل وسلب وترويع واغتصاب، من قبل قطاع طرق خلال سيرهم في سلسلة الجبال الوعرة على الحدود والتي تصل فيها المسافة إلى حوالي 30 كيلومترا.. ولفت التقرير إلى قيام منظمة اليونيسيف، أخيرا بإعداد مبنى خصص لاستقبال وإيواء الأطفال والنساء الذين يتم ضبطهم عند محاولة التسلل أو الذين يتم ترحيلهم عبر سلطات الحدود والدوريات الحدودية اليمنية السعودية. على ذات السياق أظهرت دراسة سعودية ميدانية حديثة أن ما يقارب 3500 طفل يمني يقبض عليهم شهرياً من قبل السلطات السعودية المختصة بسبب تهريبهم إلى أراضيها بطرق غير شرعية بغرض العمالة والتسول وخدمات المنازل. وأوضح خبراء اجتماع أن هناك أسباباً رئيسية شجعت على تنامي الظاهرة في مقدمتها الفقر وسوء الحالة المعيشية ومحدودية الدخل لأسر الأطفال ضحايا التهريب بالإضافة إلى انتشار الأمية والبطالة بين هذه الأسر, و ضعف الخدمات الأساسية في المناطق الأكثر فرزا للأطفال ضحايا التهريب ( التعليم – الصحة – الطرقات _ المياه _ الكهرباء) فضلا عن مشاكل العنف والطلاق والتفكك الأسري. نصف أطفال اليمن يعانون سوء التغذية من ناحية أخرى يعاني نصف أطفال اليمن من سوء التغذية ونقص في الأمن الغذائي بحسب تصريحات حكومية مؤكدة.. وقال وزير الزراعة فريد مجور، إن ما يقرب من نصف الأطفال في اليمن يعانون من سوء التغذية، حيث أدت الهجمات المسلحة وندرة المياه، والتغير المناخي إلى تفاقم الاقتتال في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية. وقال مجور أمام مؤتمر للأمم المتحدة الأربعاء قبل الماضي، إن أكثر من نصف سكان اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يعاني 48 بالمئة من الأطفال من سوء التغذية, مشيرا إلى أن حكومته تعرف أن الجوع له تأثير كبير على الصحة والتعليم في كل مرحلة ولا يمكن قبوله.. ويعاني اليمن من نقص في الغذاء، فضلا عن تراجع إنتاج النفط ونضوب المياه، في حين تواجه البلاد ظروفا سياسية واقتصادية معقدة، والذي يعتقد محللون أنه مرتبط بتدهور بيئي، وتزايد جماعات الجوعى والغاضبين ممن لديهم فرص محدودة, ومن المتوقع أن تكون صنعاء أول عاصمة في العالم تنفذ فيها المياه، وفقا لتقديرات روبرت شارب من جامعة الدفاع الوطني في العاصمة الأمريكيةواشنطن. وتدق المنظمات المعنية بالطفولة ناقوس الخطر بسبب تفشي سوء التغذية بين أطفال اليمن، وتعتبر هذه النسبة من أعلى المعدلات العالمية، حيث يعاني نحو مليون طفل من نقص في التغذية في بلد يعيش حوالي 40 % من سكانه في وضع انعدام الأمن الغذائي، ولا يحصلون على وجبات غذائية متكاملة، بحسب برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة.. وتشكل مشكلة سوء التغذية والفقر في اليمن حلقة مفرغة، فالفقر يحتم سوء التغذية ويتسبب في تدهور الظروف المعيشية، وعدم توفير التغذية المناسبة والخدمات الصحية والتعليمية اللازمة يفرض على الأسرة العيش في ظروف اقتصادية وصحية وتعليمية سيئة تؤدي في نهاية المطاف إلى الفقر وسوء التغذية. وحسب برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة فإن اليمن يعاني من واحد من أعلى مستويات سوء التغذية في العالم بين الأطفال، حيث يعاني نحو نصف عدد الأطفال ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات - أي نحو المليونين - من نقص النمو، بينما يعاني نحو مليون من هؤلاء الأطفال من سوء تغذية شديد، في بلد يعيش حوالي 40 بالمئة من سكانه في وضع “انعدام الأمن الغذائي ولا يحصلون على وجبات غذائية متكاملة”، بحسب برنامج الغذاء العالمي.. ومشكلة سوء التغذية لها نتائج أخرى أكثر خطورة، فإلى جانب تأثيرها على صحة الأطفال فهي تؤثر أيضاً على تحصيلهم العلمي، فسوء التغذية إذا لم يعالج خلال السنتين الأولى من عمر الطفل ينجم عنه التقزم، الذي بدوره لا يؤثر فقط على مظهر الطفل البدني الخارجي، بل له تأثير على نمو دماغ الطفل أيضاً. ورغم انتشار نقص الوزن بين الأطفال وظاهرة التقزم في اليمن، إلا أنه لا يتم النظر إلى ذلك كمشكلة. وحسب مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية “أوشا” فإن واحدا من بين كل خمسة أطفال في اليمن يعانون من نقص الوزن. وقالت ماريا كاليفيس، المديرة الإقليمية لليونيسف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “سوء التغذية أمر يمكن الوقاية منه، ولذا فإن التقاعس عن التصدي له أمر غير مقبول، وأضافت “إن النزاعات والفقر والجفاف، إضافة إلى الاضطرابات الحاصلة في البلاد منذ الأعوام الماضية وارتفاع أسعار الغذاء والوقود وانهيار الخدمات الاجتماعية، كلها عوامل تهدد صحة الأطفال وبقائهم”. وأوضحت اليونيسف أن اليمن ثاني دولة في العالم بعد أفغانستان من حيث ارتفاع معدل سوء التغذية المزمن بين الأطفال، إذ تصل نسبة النمو المتعثر فيها إلى 58 %، ويعاني حوالي 30 % من الأطفال في بعض المناطق من سوء التغذية الحاد، وهي نسبة تعادل ما يشهده جنوبالصومال حالياً، وتصل إلى ضعف الحدود المعترف بها دولياً، والتي تنذر بوجود حالة طوارئ.. وأضافت المسؤولة الدولية أن سوء التغذية، إضافة إلى تردي الخدمات الصحية، هو السبب الرئيسي وراء معظم حالات الوفيات لنحو 74 طفلاً من بين 2500 طفل مصابين بالحصبة، إثر تفشي هذا المرض في الآونة الأخيرة وفقاً لأرقام رسمية.. وذكرَت أن اليمن يعاني من وجود واحد من أعلى معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تصل إلى 77 وفاة لكل 1000 ولادة حية، وهذا يعني أن 69 ألف طفل يموتون سنوياً قبل بلوغهم سن الخامسة. وقالت كاليفيس: “الآن وأكثر من أي وقت مضى لا بد من تجديد التزامنا بتحقيق مستقبل أفضل وأكثر أمناً لأطفال اليمن، ومع استعداد اليمن لبدء مرحلة جديدة يجب وضع الأطفال في صدارة الأجندة السياسية للبلاد، لضمان توفير احتياجاتهم وحفظ حقوقهم”. ثلث الأطفال لا يستطيعون التعليم ودق تقرير أممي ناقوس الخطر في قضية التعليم في اليمن وما يعانيه هذا القطاع من اختلالات تتعلق بالتسرب المدرسي ونقص الخدمات التعليمية في البلاد. ويعيش في اليمن مليونا طفل من دون تعليم من أصل ستة ملايين وفق تقرير للأمم المتحدة.. وخلفت الأزمة السياسية التي تعصف باليمن منذ عام 2011 آثار اقتصادية كبيرة على قطاعات خدمية واسعة منها التعليم الذي تم تخفيض موازناته, ووفق التقرير الدولي الذي أصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائي فإن ثلث الأطفال في سن التعليم في اليمن لا يستطيعون الحصول على فرص الدراسة، وأن نحو مليونين من أصل ستة ملايين طفل في سن الدراسة حالياً من دون تعليم.. ودفعت هذه الأوضاع الأطفال إلى البحث عن فرص عمل لا تتناسب مع أعمارهم، أو التسول في الشوارع أحياناً. وهي ظاهرة تتسع دائرتها, وحيال تلك الأوضاع فإن الحكومة اليمنية معنية باتخاذ تدابير سريعة لمواجهة ظاهرة التسرب التعليمي وتحسين الخدمات التعليمية ورفع موازناته. الاستغلال الجنسي واتهمت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف)، تنظيم القاعدة باستغلال الأطفال جنسياً في اليمن، لافتة في تقرير أصدرته في مايو الماضي إلى رصد حالات في جنوب البلاد. وقالت المنظمة إن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب أجبر العام 2012 نحو 100 فتاة يمنية لا يتجاوز عمر بعضهن 13 عاماً، على الزواج من مقاتليه في محافظة أبين.. وأورد التقرير أن “الفتيات والفتيان يتعرضون للعنف الجنسي في أوضاع النزاع في اليمن”. وأضاف أن “أحد أشكال هذا العنف هو الزواج القسري الذي طاول نحو 100 فتاة في محافظة أبين وحدها من قياديين ومقاتلين” في القاعدة. وتابع أنه “تم تأكيد سبع حالات من الزواج القسري لفتيات تقل أعمارهن عن 13 عاما”. ولفت التقرير أيضاً إلى أن “فتاتين قدمتا كهدية” إلى عناصر في القاعدة من جانب أشقائهم الذين انضموا لتوهم إلى صفوف التنظيم.. وفي حالات أخرى، دفع مقاتلون ديات تصل قيمتها إلى 5 آلاف دولار لعائلات لا يتجاوز مدخولها الشهري 12 دولارا للزواج من فتيات. وأوضح تقرير اليونيسيف أن غالبية الفتيات اللواتي زوجن قسراً في محافظة أبين، علماً بأن بعضهن رزقن أطفالاً، وجدن أنفسهن وحيدات بعد فرار أزواجهن من مقاتلي القاعدة، حين استعاد الجيش السيطرة في يونيو 2012 على المنطقة. مئات الأطفال يزج بهم في الصراعات المسلحة واتسعت ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة منذ ثلاثة أعوام ما تسبب بمقتل وإصابة مئات الأطفال، وأدرجت الأممالمتحدة أربع جهات يمنية على قائمة العار الدولية لمن يجندون ويستخدمون الأطفال في أعمال القتال.. فالأطفال، الذين يحملون السلاح، يؤخذون إلى لعبة الموت من دون خيارٍ أو فرصة للبحث عن طريق آخر للمستقبل ينتصرون فيه على القتل , كما أن مئات الأطفال يزج بهم في الصراعات المسلحة هنا وهناك يتعلمون كيف يقتلون ويموتون قبل أن يتعلموا كيف يعيشون.. ويؤكد أحمد القرشي، رئيس منظمة “سياج” لحماية الطفولة أن “تجنيد الأطفال في اليمن مسألة منتشرة بشكل كبير جداً في القوات النظامية وفي غير النظامية مع الجماعات المسلحة ومع الجماعات الإرهابية ومع الجماعات القبلية.. الكل يجند الأطفال بدون استثناء, فانتشار السلاحِ وثقافة تمجيد القتال يوفران بيئة مناسبة للزجِ بالأطفال في النزاعات المسلحة. وألزمت مخرجات الحوار الوطني السلطات بسن قوانين تحرم وتجرم تجنيد الأطفال لكن الواقع المثخن بالصراعات وضعف دور الدولة يحاصر أطفال اليمن بمتاريس القتال ويضع في طريقهم ألغام الكراهية والثأر. كما أن ظاهرة تجنيد الأطفال في البلاد مرشحة للتفاقمِ إذا استمر تراجع مشروعِ الدولة لصالحِ الجماعات المسلحة وقائمةُ العار الدولية قد لا تشكل فرقاً بين أطراف يسعون بالسلاحِ إلى فرض مشاريعهم على المجتمع.