جسّدت المرأة التهامية على مر التاريخ حضوراً فاعلاً في كافة المجالات الحياتية وحقّقت تقدّماً ثقافياً واجتماعياً وسياسياً؛ حيث برزت بشكل واضح في المحافل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضربت أروع الأمثلة في تحمُّل المسؤولية ومواجهة متطلّبات الحياة الصعبة والظروف القاسية، وأثبتت المرأة التهامية جدارة عالية في إبراز تواجدها حتى أصبحت اليوم قادرة على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية ورسم ملامح المستقبل الجديد للدولة المدنية الحديثة، ورغم هذه الجهود التي تبذلها المرأة التهامية في رسم ملامح المستقبل الجديد وصياغة الدستور الجديد وبناء الدولة المدنية الحديثة إلى جانب أخيها الرجل؛ تقف عدّة عقبات في طريق عمل المرأة التهامية، بدءاً من تهميشها وعدم القبول برأيها وقلّة الوعي بدورها إلى جانب تجاهل القوانين والدساتير لدورها والممارسات المؤسّسية التمييزية ضد المرأة..!!. الاستطلاع التالي ناقش هذه القضية ووضعها على طاولة عدد من المسؤولين وقياديات في إقليم «تهامة» وحقوقيات وناشطات، وخرجنا بما يلي: ضرورة تضمينها في الدستور البداية كانت مع الوكيل المساعد لمحافظة الحديدة حيدرة ناصر الجحماء الذي قال: مخرجات الحوار الوطني تضمّنت جميعها ضرورة إعطاء المرأة كافة حقوقها دون أي انتقاص، ولعل حقوق المرأة ستكون حبراً على ورق إذا لم يتم تضمينها الدستور الجديد وإشراك المرأة في صياغته. وأضاف: والمرأة لعبت دوراً مهمّاً في كافة مناحي الحياة وهي شريك أساسي في عملية البناء والتنمية، ولا ننسى أنها شاركت في الثورة والحوار الوطني وأصبحت جزءاً لا يتجزّأ من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. دسترة الحقوق أما رئيسة «مؤسّسة بنات الحديدة» داليا قاسم، فدعت بدورها إلى إشراك المرأة في جميع الهيئات الإدارية والمؤسّسات الحكومية وعدم حصر نشاطها في مجالات معيّنة وتمكينها للوصول إلى مواقع صنع القرار ودسترة تلك الحقوق في الدستور الجديد بما يضمن حصولها على حقّها دون أي انتقاص أو التفاف. وتضيف داليا قاسم: الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أن عدد النساء في إقليم تهامة يمثّل 51 % من عدد السكان، وهذا لا يدع مجالاً للشك أن المرأة التهامية لها حضورها الفاعل، ويجب على فقهاء ولجنة صياغة الدستور الجديد بلورة دور المرأة التهامية وبما يضمن تواجدها القوي في مختلف الجوانب السياسية والتنموية والفكرية، والمشاركة الفاعلة في بناء اليمن الجديد، ومشاركة المرأة إلى جانب أخيها الرجل للنهوض بالإقليم كون إقليم تهامة من الأقاليم الأشد فقراً. حضور المرأة التهامية ستكون حاضرة وبقوة، هذا ما تراه الأخت مريم ثابت والتي قالت: المرأة التهامية ستكون حاضرة هذه المرة وربما أفضل من ذي قبل بعد أن تمخّض مؤتمر الحوار الوطني عن توصيات داعمة للمرأة وبما يضمن لها حقوقها دون أي انتقاص أو مساومة من قبل الحكومة والأحزاب. وأشارت مريم إلى أن المرأة ما كان لها أن تحصل على هذه المكاسب التي حصلت عليها بفضل التغييرات التي أفرزتها ثورة 26 سبتمبر المباركة 1962م، وبفضل مخرجات الحوار الوطني ستتحقّق للمرأة الكثير من المكاسب الأخرى وعلى رأسها حق المرأة بالتمثيل في مختلف هيئات الدولة وبنسبة لا تقل عن 30 % الأمر الذي يتوجّب على المرأة التهامية دعم مخرجات الحوار الوطني ورفد اللجنة المكلّفة بصياغة الدستور بالمقترحات التي تمكّنها من أداء رسالتها والمساهمة بنصيب وافر في صياغة الدستور القادم وتثبيت كافة حقوقها التي أقرّها مؤتمر الحوار الوطني في الدستور القادم. ونبّهت إلى أن المشاركين في مشروع مشاركة المرأة بإقليم تهامة في صياغة الدستور والتي عقدت في مدينة الحديدة مؤخراً؛ أكدوا ضرورة وضع ضمانات دستورية تكفل إدماج المرأة في مختلف مجالات العمل، وإلزام المؤسّسة التشريعية باستيعاب وتوطين النصوص الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في منظومة ومصفوفة القوانين اليمنية، وإيجاد نص قانوني يكفل حصول المرأة على حقوقها. مطالبنا واضحة “مطالبنا واضحة” هكذا ترى الناشطة الحقوقية سميرة بلح والتي قالت: مطالبنا كانت واضحة، ورفعنا أصواتنا بها سواء في المؤتمرات المحلّية أم العالمية منها، وكانت أول المطالب إثبات الحقوق وحماية الحريات من خلال إيجاد باب في الدستور خاص بالحقوق والحريات. واستطردت بلح بالقول: إضافة إلى ذلك طالبنا بضمان حقوق المرأة دستورياً من خلال إيجاد نصوص دستورية واضحة توضح أدنى نسبة لمشاركة المرأة في السُلطات الثلاث وضرورة مساواة الجنسين أمام القانون حتى تعرف المرأة ما لها وما عليها، وعلى ضرورة أن يتضمّن الدستور الجديد تعديل بعض مواد الدستور بحيث تكون أكثر وضوحاً فيما يتعلّق بحقوق المرأة والدفع قدماً بحقوق النساء، وإلزام الدولة بكافة الاستحقاقات الدستورية والقانونية المتعلّقة بتمثيل النساء وفق 30 % كحد أدنى وبما يضمن مشاركة المرأة على كافة المستويات. وزادت: إضافةً إلى ذلك طالبنا بإيجاد ضوابط ومعايير شغل المناصب والوظائف العليا، وتشكيل اللجان، والتأكيد على احترام خصوصية المرأة من خلال إنشاء محاكم خاصّة بقضايا الأسرة؛ مع ضرورة تحديد سن الزواج بحد أدنى 18 سنة، وكفالة حق المرأة في التعليم العالي، ومراعاة احتياجات المرأة العاملة، إلا أن النساء تراها مطالب ضرورية لابد من الأخذ بها؛ وفي حالة عدم الأخذ بهذه المطالب المشروعة للمرأة التهامية وعدم القبول بها مع استبعاد هذا الاحتمال سنرجع إلى أوليات العمل من مخرجات الحوار والمواثيق التي وقّعت عليها الجمهورية اليمنية وتعتبر ملزمة قانوناً بها وركائز المبادرة من اتفاقية بكين وتوصيات الأممالمتحدة والدول العشر الراعية للمبادرة، ولا شك أن كثيراً من فئات الشعب المثقّفة والواعية وحتى المواطن البسيط يدركون أهمية هذه النقاط لما فيه ضمان مستقبل بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم وأمهاتهم في عالم يشتد ضراوة كل يوم، ولن نتهاون في هذا الأمر جميعاً. حقوق المرأة في دستور الوحدة و إذا ما تطرّقنا إلى حقوق المرأة في دستور الوحدة اليمنية لعام 1990م وتعديلاته، تقول المستشارة القانونية إيمان شايف الخطيب، رئيسة الشعبة القانونية في المكتب القانوني بمجلس النواب: شهدت الجمهورية اليمنية منذ قيام الوحدة تحوّلات جذرية في كافة المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية عندما أخذت خيار التعدّدية السياسية والحزبية القائم على المشاركة السياسية، وقد تشكّلت أسس الحكم على مفاهيم الديمقراطية وتمكين المجتمع المدني، والسعي إلى تعزيز دور المرأة في كافة المجالات وفي مقدّمتها المجال السياسي؛ وقد كان لهذا التحوّل نحو الديمقراطية تأثير إيجابي على قضايا حقوق الإنسان والحرّيات العامة، وتعزيز المشاركة الشعبية لكافة فئات المجتمع في الحياة العامة وفي إدارة شؤونهم. لكن مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية شهدت تطوّراً ملموساً في مجال تحديث القوانين والتشريعات التي تضمّنت نصوصاً واضحة تؤكد حق المرأة بالعمل السياسي في مختلف مجالاته، كما عكست الكثير من نصوص الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والتي صادقت عليها اليمن، فالدستور أكد مسألة تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين في مختلف مجالات الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتكفل الدولة لكل مواطن دون تمييز بين الرجال والنساء حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية انطلاقاً من قاعدة أساسية تحدّد مفهوم المواطنة وتؤسّسه وفقاً لعملية متساوية بين أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً. وأضافت: ويمكن رصد النصوص الدستورية دستور 1990م التي منحت المرأة حقوقاً في كافة المجالات وهي كالتالي: من المادة (4) من الدستور تنصُّ على: أن الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعن طريق المجالس المحلّية المنتخبة. والمادة (4): تؤكد أن السلطة مالكها ومصدرها الشعب الذي تمتّع بحق ممارسة حقوقه السياسية، وهذا يعني الرجال والنساء على السواء دون أي تمييز. والمادة (41): تشير إلى أن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، أي أن الحق بالتصويت في الانتخابات يدخل ضمن الحقوق العامة للمواطنين، والنص الدستوري رقم (41) لا يفرّق بين الرجل والمرأة فيما يتعلّق بحق الانتخابات. والمادة (43): نصّت على أن للمواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء. والمادة (42): أعطت لكل مواطن الحق بالإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتلك النصوص تؤكد بشكل واضح أنه توجد مساواة بين الرجال والنساء باليمن دون تمييز في ممارسة حق الانتخابات. المادة (24): أكدت أن تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. المادة (26): نصّت على أن الأسرة أساس المجتمع. المادة (30): تحمي الدولة الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب. المادة (31): النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله الشريعة وينص عليه القانون. المادة (32): التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، أركان أساسية لبناء المجتمع وتقدّمه. المادة (58): أعطت الحق للمرأة بالتجمُّع والتنظيم والمشاركة في الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات غير الحكومية، حيث نصّت المادة على التالي: «للمواطنين في عموم الجمهورية بما لا يتعارض مع نصوص الدستور الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً، والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم أهداف الدستور، وتضمن الدولة هذا الحق، كما تتخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكّن المواطنين من ممارسته وتضمن كافة الحريّات للمؤسّسات والمنظمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية». فجوة وتمكين تجميلي وزادت الخطيب: وعلى الرغم من النص الدستوري والتشريعي على حقوق المرأة؛ إلا أنه لاتزال هناك فجوة بين المجال القانوني التشريعي والممارسات العملية، كما يمكن القول إنه لاتزال هناك ازدواجية في الخطاب الرسمي وعدم جدّية الدولة في تمكين المرأة من ممارسة دورها السياسي المنصوص عليه في الدستور والقوانين، بمعنى أن سند التشريع للمرأة كان ولايزال يصطدم بقوّة الموروث الاجتماعي والثقافي والذي تقف الدولة صامتة أمامه بل وتقوّيه وتعيد إنتاجه. فالمرأة اليمنية تعيش في سياقين اجتماعيين متضادين؛ الأول سياق تقليدي يعتمد الموروث الاجتماعي والثقافي، والثاني سياق حديث، أو بصدد تحوّله إلى الحداثة يدعو إلى المساواة بين الجنسين، وفي إطار بنية اجتماعية تقليدية تنكر وجود المرأة في المجال العام؛ فهي لذلك تضمن أدوارها سياسياً وبتحسن قيمة أدوارها اقتصادياً واجتماعياً، والتمكين السياسي السائد حالياً في اليمن تمكين تجميلي تُستخدم المرأة كواجهة ديمقراطية وتحديث مظهري..!!. ولتمكين المرأة من حقها الدستوري وخاصة في مجال المشاركة السياسية ووصولها إلى مواقع صنع القرار وتحقيق تكافؤ الفرص في كافة المجالات؛ يتطلب ذلك إعادة صياغة بعض نصوص الدستور وإنتاج دستور يضمن تحقيق المواطنة المتساوية وتجسيد مبدأ المساواة في تعامل الدولة مع مواطنيها، وعلى الدولة حماية حقوق مواطنيها، وتضع التشريعات وتتخذ الإجراءات التي من شأنها منع أي انتهاك، وحماية الفئات الضعيفة من المواطنين.