جهاد الخازن عندي قصة سبق أن رويتها قبل 30 سنة، وأعيد روايتها اليوم لأنها تتفق مع موضوع مقالي، ففي عام 1982، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا وإنزال قوات دولية، بينها أميركية وفرنسية في لبنان، كان الخبر اللبناني جزءاً أساسياً من المؤتمر الصحافي اليومي للناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن حيث أقمتُ في تلك الأيام. وجاء تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 ما أسفر عن مقتل 241 أميركياً و58 فرنسياً، وانسحبت القوات الدولية، وبدأ الخبر اللبناني يتراجع تدريجياً في مؤتمر الناطق باسم الخارجية حتى جاء يوم لم ترد فيه أية إشارة إلى لبنان وأخباره. كنا ثلاثة صحافيين عرب أو أربعة ووقفنا عند باب الخروج وسألنا الناطق عن لبنان. وهو ردَّ: لبنان؟ مَنْ هي؟ ليس اللبناني وحده، وإنما كل عربي، يعتقد أنه هبة الله إلى العالم وأن شعوب الشرق والغرب تفيق على ذكره وتنام. عندي صدمة للعربان من مستوى صدمتنا بلبنان في بلاد الأميركان، فقد قرأت أرقاماً عن الموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا عام 2012 تظهِر أن العربان خارج الحسبان، يا عم حميدان، فهم ليسوا آخر ما سأل عنه الناس، وإنما تظهِر الأرقام مئات ملايين الدخول على ويكيبيديا من دون أي سؤال عن العرب، أو ذلك الديك المغرور الذي يعتقد أن الشمس تُشرق لتسمع صياحه. الإنكليزية هي الطاغية في الدخول على ويكيبيديا حتى أن الرقم 10 وهو الكتاب «ألعاب الجوع» عن وضع فقر مدقع في أميركا المستقبل سجَّل 18.431.626 طلباً، ما يزيد أضعافاً على مجموع المواقع العشرة الأولى بالعربية. وفي قائمة اللغة الإنكليزية، كأكثر لغات الأرض بما فيها العربية، نقرأ طلب مواقع إلكترونية أخرى من نوع غوغل وفايسبوك ويوتيوب، وأفلام وبرامج تلفزيونية. العرب لم يكونوا في وارد مستعملي ويكيبيديا باللغة الإنكليزية أو أي لغة أخرى، فهؤلاء وجدوا أشياء أهم مثل فرقة «وان دايركشن» وهم خمسة مغنين إنكليز، احتلوا الموقع الرابع بالإنكليزية، كما فعلوا في لغات عدة، ومثلهم الفيلم «50 ظلاً للرمادي» وأفلام أخرى. بل إنهم اهتموا بقبيلة مايا وتوقعها نهاية العالم في 21/12/2012 وأهملونا. رصدت بكل اللغات أول عشرة طلبات دخول على ويكيبيديا، وأول مئة طلب بالعربية، ولم أفهم الياباني والصيني والعبري المكتوب بتلك اللغات، إلا أنني قرأت ما يكفي لصدم الغرور العربي مرة أخرى، فأكبر بلد مسلم في العالم وهو إندونيسيا اختار مواقع التواصل الاجتماعي وأفلاماً محلية. أما تركيا حيث الحكم الإسلامي نموذج راقٍ قصرت عنه الأنظمة الإسلامية العربية فقد اختار الناطقون بلغتها أتاتورك وأفلاماً، بل لاعب الكرة رينالدو، ونسوا جيرانهم العرب. ويظل ما سبق أفضل من أول عشرة اختيارات إيرانية، فالإيرانيون تحت حصار وعقوبات، والقائمة تبدأ بتهران (بالتاء لا الطاء) وإيران ونوروز ثم تكمل بأربعة مواقع جنسية لن أحاول شرحها خشية الخطأ، ثم لأن الكلمات قبيحة ولا تُنشر عادة في الإعلام العربي. الإيطاليون شملت اهتماماتهم لاعب الكرة ليونيل ميسي، وفريق جوفنتس، والنروج جعلت المغني المراهق جستن بيبير في المركز السابع، ورفعته الدنمارك إلى المركز السادس. والإنكليز اهتموا بفرقة «وان دايركشن» التي رفعت أداء شركة سوني في الولاياتالمتحدة. ووجدت اهتماماً عاماً بالألعاب الأولمبية وبطولة أوروبا في كرة القدم. قائمة المئة العربية ضمت كل شيء، الدين والدنيا، شخصيات تاريخية مثل الفاروق عمر، كانت موضوع مسلسلات تلفزيونية، والدكتور محمد مرسي وخصومه في الانتخابات، وكاظم الساهر وأحمد شوقي ومثلث برمودا. وكان هناك حب (88) وجنس (95)، ما يعني أننا أقل اهتماماً بهذه الأمور من المكبوتين الإيرانيين. غير أن النقطة الأهم، بكل اللغات غير العربية، أن ألف شيء مهم، ولكن العرب ليسوا بينها.