أثرت الأزمة السورية بشكل سلبي في صناعة الحلويات التي تشتهر بها دمشق منذ القدم، وأوقفت معامل عدة إنتاجها فيما يجاهد البعض الآخر محاولاً الصمود رغم ارتفاع الأسعار ومخاطر أمنية قد يتعرّض لها التجار أثناء تنقلاتهم. دمشق: يعرّض أبو إياد نفسه للخطر كل يوم جمعة، عندما يتوجّه إلى مصنعه في المعضمية في ريف دمشق، حيث تدور منذ أسابيع طويلة معارك دامية، من أجل تصنيع حلوى البرازق، التي تشتهر بها سوريا، وقد أبقاه مفتوحًا في وقت أوقفت مصانع كثيرة عملها في المنطقة. يقول أبو إياد، مالك متجر "حلويات المهنَّا"، الواقع في حي المزة الراقي في وسط دمشق، "كل رحلة أقوم بها إلى هناك تمثل بحد نفسها مخاطرة، فقد أتعرّض للخطف أو القتل". ليس هذا كلامًا عن عبث، فالمعضمية الواقعة في جنوب غرب العاصمة تتعرّض للقصف بشكل منتظم، كما تشهد معارك عنيفة بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين. ولم يعد بإمكان الدمشقيين، المعروفين بتذوقهم الطعام والحلويات على أنواعها، التلذذ بذلك بسبب النزاع الدامي، الذي أقفل معظم المصانع المنتجة للشوكولا والحلويات الموجودة في ريف العاصمة، حيث المعارك على أشدها. يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار السلع وتركيز السكان على الاهتمام بتأمين الطعام والوقود من أجل التدفئة في طقس الشتاء القارس. وقلَّص مصنع "غراوي" للشوكولا في دمشق، وهو الأكثر شهرة، من تشكيلة منتجاته. كما استبدل المشمش اللازم لحلوى "الملوكي" المصنوعة من عجينة الفستق، بالبرتقال. وقام غراوي بإغلاق مصنعه في بلدة حمورية الواقعة في جنوب شرق العاصمة، والتي دمّرتها الحرب، ليحصر إنتاجه في مشغل صغير في العاصمة. وقال أحد موظفيه "ما زلنا نزوّد الزبائن بمنتجاتنا. صحيح أن المبيعات انخفضت، إلا أن دمشق لن تكون دمشق التي نعرفها من دون حلوياتها". وارتفعت أسعار الحلويات بشكل كبير، إذ بات سعر الكيلوغرام من الشوكولا المرّ عند غراوي يساوي 3800 ليرة سورية (38 دولارًا، بسعر السوق السوداء)، بعدما كان يتراوح بين 2600 و3200 ليرة (32 دولارًا). علمًا أن أسعار الشوكولا في محال أخرى أقل من ذلك، لكنها ارتفعت نسبيًا عمّا كانت عليه من قبل. ويعجز العديد من السوريين الذين انخفضت قدرتهم الشرائية بسبب ارتفاع نسبة التضخم إلى 65 بالمئة في عام 2012، عن شراء هذه المادة الاستهلاكية غير الأساسية. يقول مهندس في مخزن غراوي إنه "خفض من استهلاكه للشوكولا والحلويات" بسبب الأزمة المستمرة في البلاد منذ 22 شهرًا. وتخلو الرفوف من الحلويات في محل "سميراميس" الشهير للحلويات الشرقية في حي الشعلان التجاري، فالمعمل الموجود في منطقة الصبورة (13 كلم شمال غرب دمشق) "مغلق منذ خمسة أيام بسبب عدم توافر دقيق الذرة والمازوت"، حسبما قال أحد الموظفين لوكالة فرانس برس. وأضاف "أعتقد أن المعمل سيعاود إنتاجه خلال عشرة أيام" إن توافرت المواد الأولية من جديد. وتشتهر العاصمة السورية بحلوياتها، وفي كتاب "ألف ليلة وليلة"، غالبًا ما يرد ذكر ووصف أصناف مختلفة من الحلويات يسيل لها اللعاب. ويشكو أبو صلاح، الذي يملك متجر "الصديق للحلويات" في شارع 29 أيار في مركز المدينة، من انخفاض إنتاجه "منذ بداية الأحداث بنسبة 90 بالمئة"، لأنه كان يبيع معظم إنتاجه "إلى الأجانب الذين غادروا الآن البلاد". في حي المرجة الشعبي، يسود الوجوم متاجر الحلويات العديدة المنتشرة في الساحة رغم استمرارها في بيع البرازق. ويقول معتز بارودي، صاحب متجر "أمينة" للحلويات "في العام 2012، انخفض إنتاجنا بسبب الوضع السياسي وارتفاع أسعار المواد الأولية، كالسمسم والدهون النباتية". تتماهى صورة المدينة مع حال حلوياتها، فيبدو عليها الإحباط وفقر الحال، بسبب إغلاق الكثير من المصانع أبوابه. كما تغرق غالبًا في الظلام بسبب التقنين في التيار الكهربائي، وترتعش بردًا بسبب نقص المازوت اللازم للتدفئة. يؤكد الخياط هشام أن أولوياته تغيرت "فلم أعد أشتري الفاكهة ولا الحلويات، بل أمضي وقتي أبحث عن المازوت والغاز والسكر والأرز".