السبت 02 فبراير 2013 01:23 صباحاً -1- الزمان: الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق صباح يوم من أيام شهر إبريل 2013 .. المكان: صنعاء، القاعة الكبرى لمؤتمرالحوار الوطني .. كل كاميرات الصحافة المحلية والعربية والدولية تتجه إلى البوابة الرئيسة لقاعة مؤتمر الحوار الوطني. ففي هذه اللحظات يدخل الوفد الممثل للحراك الجنوبي وقياداته المعروفة متوشحين أجمعين بأعلام الجنوب بمثلثه الأزرق المميز، مصحوباً بتصفيق حاد وطويل من حاضري المؤتمر من كل القوى السياسية والإجتماعية المحلية وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وأعضاء مجلس الأمن الدولي وممثلي الدول الصديقة. كان الجو في القاعة متوترا قبل لحظات إذ تأخر ممثلي الحراك الجنوبي حوالي عشرة دقائق عن الموعد المحدد وقد أثيرت تحليلات وتكهنات كثيرة قبل ذلك بأسابيع حول عدم مشاركة الحراك الجنوبي للحوار الوطني. لكن الإهتمام الدولي والإقليمي الكبيرين بنجاح المؤتمر جعل الحراك الجنوبي ومتحصنا بسلميته الثورية يحزم أمره نحو المشاركة والتي ستتيح للقضية الجنوبية منبرا عظيما تسمعه جميع الأمم. فلم يكن الجنوبيون والذين حدثت لهم تعرية شاملة لإمكانياتهم المادية والمعنوية بعد حرب 1994 أن يحلموا بهكذا منبر يتيح لهم أن يكون رقما مهما في المعادلات الإستراتيجية الإقليمية والدولية من أجل إحلال الأمن والسلام على البلاد والعالم. حتى صنعاء، بدت في هذا اليوم مدينة لإرادة السلام والأمن أكثر منها مدينة تتنازعها العصابات القبلية. الفرحة كانت عارمة على جميع الحضور، أصدقاءا وخصوما، فبحضور ممثلي الحراك الجنوبي اكتمل نصاب المؤتمر، فلا يمكن اعتماد أي قرار إلاّ بموافقة 90% من المشاركين ونصيب الحراك الجنوبي حوالي 85 مقعد أي حوالي 15% من المجموع الكلي للمقاعد ال 565 مما يجعله كتلة معطلة لأي قرار يتخذ بالإضافة إلى أن عدد أبناء الجنوب يصل إلى 50% من المقاعد كما اشترطت اللجنة الفنية لأعمال المؤتمر. -2- الزمان: صيف 2013، بعد شهر ونصف من انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني .. المكان: عدن، ساحة العروض بخورمكسر .. احتفالات لحشود مليونية لا يبدو لها نهاية واستقبالات اسطورية للوفد الممثل لقوى الحراك الجنوبي. فقد نجح الحراك الجنوبي من تحقيق اهدافه من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني والتي كانت محل شك ورفض كبيرين في السابق وذلك بانتزاع اعتراف دولي كامل بالقضية الجنوبية في جانبيها الحقوقي والسياسي. ففي الجانب الحقوقي، تمت "قوننة" المساواة مع أبناء الشمال والنص عليها دستوريا في العمل والرواتب كما تم تشكيل هيئة حكومية برقابة دولية للنظر في موضوع نهب الأراضي الجنوبي وتصحيح أوضاع المتضررين من حرب 1994. حقيقةً، لم يكن ذلك مبعث الفرح العارم الذي اجتاح حشود ساحة العروض بخورمكسر فترميم الآلام لم يعد يشغل الجنوبيين بقدر ما يشغلهم تطلعاتهم وآمالاهم. ففي الجانب السياسي، استطاع الحراك الجنوبي بمشاركته في الحوار الوطني الحصول على إعلان البلاد جمهورية اتحادية من إقليمين، شمالي وجنوبي على أن يتم استفتاء تقرير المصير للأقليم الجنوبي بعد خمس سنوات وبرعاية دولية. -3- الزمان: صيف 2018 .. المكان: عدن/المكلا/عتق/ الضالع/ الغيظة/ زنجبار/ الحوطة ... عرس وألعاب نارية في كل مكان على امتداد ساحل بحر العرب احتفالا بنتائج استفتاء تقرير المصير والتي افضت إلى رغبة الإقليم الجنوبي لجمهورية اليمن الإتحادية في الإستقلال بنسبة 94% ويعلن الإقليم الجنوبي رسميا جمهورية ذات نظام ديمقراطي ولتعتبر أحدث دولة تنضم إلى منظمة الأممالمتحدة. استطاع الإقليم الجنوبي خلال الخمس سنوات الماضية وبمساعدة دولية القيام بعملية واسعة لبناء القدرات (شملت الإقليمين حقيقةً) في جميع المجالات التعليمية والصحية والبيئية والإقتصادية والإدارة الحكومية مما جعل البلاد مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى للقيام بدورها في المجتمع الدولي بعد القضاء المبرم على التهديدات الأمنية خلال السنوات الماضية وبناء ألوية عسكرية جنوبية قادرة على حماية الحدود البرية والبحرية للإقليم الجنوبي وذلك كما نصَت عليه نتائج الحوار الوطني في عام 2013. -4- الزمان:عام 2018، بعد شهرين من استفتاء تقرير المصير لشعب الجنوب وقيام الدولة .. المكان: مطار الريان الدولي، المكلا .. واقفا في الطابور الخاص بالمواطنين الجنوبيين لتدقيق جوازاتهم بعد اغتراب طويل في المهجر. أحاول أن أقضي الوقت بالإستماع لفيروز عبر جهازي الجديد وهو الجيل ال 23 من أجهزة سامسونج الجبارة والتي تتيح لي أن أرى فيروز مجسدة أمامي بالأبعاد الثلاثة أحملها على كفي مستمتعا بغنائها والكلمات التي تقول: "سنرجع مهما يمر الزمان وتنئى المسافات ما بيننا فيا قلب مهلا ولا ترتمي على درب عودتنا فلا يعز علينا غدا ان تعود رفوف الطيور ونحن هنا....". فتحتُ نافذة في حسابي على التويتر بينما كانت فيروز تغني، وكتبتُ: انتهى حلم جنوبي وبدأ حلم جنوبي جديد.