"ديفيد دبليو.ليش" .. الباحث فى شئون الشرق الأوسط لم يتحدث عن مجرد احتمالية أو شىء متوقع بل تجاوز كل التكهنات والاحتمالات والرؤى كى يخرج على الجميع بكتابه الذى يقر عنوانه بسقوط نظام "الأسد" فى سوريا والذى –حتى يومنا هذا- مازال قائماً وحاكماً للدولة السورية، وكنتيجة لهذا العنوان الصادم، والذى أحرى به أن يكون عنواناً لخبر فى جريدة أو"مانشيت" رئيسى على الصفحات الأولى للصحف، بدأ "ديفيد" كتابه بتفسير معنى كلمة "سقوط" التى تتصدر غلاف كتابه فقال "إن بيت الأسد الذى حكم سوريا لأكثر من 40 عاماً قد سقط فعلياً كحاكم حقيقى للبلاد، فقد تحول الأسد إلى مأساة حياتية وطاغية حقيقى فاقد للسيطرة الكاملة على سوريا بعد أن عاقبته الثورة –التى كانت سلمية- بممارسة العنف ضد نظامه كرد فعل على قمعه لهم". حينما تحدث "كوفى عنان" فى أحد لقاءاته بعدما تم اختياره كمبعوث لحل الأزمة فى سوريا، قال إنه، لا يرى أى حل عسكرى للأزمة فى سوريا، فاللوحة فى سوريا لا يمكن أن تكتمل إلا بضم جميع الألوان لها، لذا فلن تستقر الأوضاع ولن تنتهى الأزمة بانتصار فصيل على بقيّة الفصائل ولن تتضح الصورة إلا بتسوية الأوضاع بين جميع الأطراف، فالأمر فى سوريا ليس سهلاً والصورة ليست بسيطة بل هى متداخلة ومتشابكة، نظراً لتعدد عناصرها بين "سنى، شيعى، علوى، مسيحى، كردى، درزى" على أقل تقدير. ونظراً لتلك الصورة المتشابكة التى أوضحها الأمين العام السابق للأمم المتحدة فقد أوضح الكاتب هنا أن الحل الأمنى منذ بداية الانتفاضة فى سوريا لم يكن أبداً هو الأسلوب المناسب لاحتواء الأزمة ولكن ربما نظراً لعدم توقع نظام الأسد أن الأمور سوف تتفاقم بهذا الشكل فقد اتخذ الطريق الأسهل بالنسبة له وهو قمع المعارضة بهذا الشكل ليخرسها لعقود وربما إلى الأبد. كما علّق الصحفى الأمريكى "أندرو روزينبوم" فى صحيفة نيويورك الأدبية خلال تحليله للكتاب أن "عناصر اللوحة" التى ذكرها "عنان" عليها تحدٍ كبير فى بناء نظام حكم مستقر لسوريا لا يحدث تحت ظله أى نزاع ناتج عن انفراد أحد الفصائل بإدارة البلاد، كما أوضح أن هذا الأمر ضرورياً ليس فقط فى الشأن السورى، ولكنه يمتد إلى الشأن اللبنانى أيضاً، "عنان" الذى قد تم تقويض كل محاولاته عن طريق روسياوالصين قد اعترف فى النهاية أنه لا يفهم جميع أسباب تلك المواقف الدولية المتباينة تجاه الأزمة فى سوريا. كما أنه من الواضح أن الكاتب لم يرد أن يبدو منحازاً إلى أحد الجوانب –وهو جانب المعارضة- أو أنه يريد إيضاح الصورة الكاملة فقد قال إن بشار الأسد (غير منفصل عن نظامه) قد أوقع نفسه تحت أصابع الاتهام بجرائم إبادة جماعية ولكن وبالرغم من ذلك فالجميع يرى الدعم الغربى لفصائل بعينها فى المعارضة لنظام الأسد، والذى وضع له الكاتب عدة احتمالات منها إرادة الغرب لوقف العنف عن طريق نصرة الطرف المعتدى عليه (من وجهة نظرهم) أو نتيجة لسياسات نظام الأسد من أساسها تجاه القضايا الدولية المختلفة والتى تصطدم كثيراً مع سياسات الغرب. ومن خلال صفحات كتابه يطرح "ليش" عدة حلول ممكنة لضمان إنهاء الأزمة فى سوريا أو على أقل تقدير تقليل حدة الأزمة وطرح ذلك الصراع الدامى من الأرض المبتلة بالدماء إلى المائدة الغارقة فى الأوراق والأطروحات والاتفاقيات. و–كباحث أمريكى- فمن الواضح أن "ليش" لم يستطع أن يمنع نفسه من التحدث بشأن ما أسماه "التحالف السورى الإيرانى" والذى أرجع له تصاعد العنف وانفجار الأمور بسوريا، كما أضاف إلى إيرانروسياوالصين كدول داعمة لنظام الأسد وهو الأمر الذى أراد إيضاحه على طريقته فأضاف قائلاً: "فى حقيقة الأمر أن روسيا، الصينوإيران، وهم الدول الداعمة لنظام الأسد فى سوريا، لا يقدمون يد العون للنظام البعثى فى حد ذاته بل هم يدعمون استثماراتهم (الثقيلة) على حد وصفه، والتى يطرحونها فى سوق العمل فى سوريا." ومن خلال صفحات كتاب "سوريا، سقوط بيت الأسد" يظهر لنا الكاتب والباحث "ديفيد ليش" رؤيته كشخص قضى عمره فى دراسة شئون الشرق وقضاياه ربما لمجرد الشغف بذلك فقط أو لأسباب أخرى منها تقديم الرؤية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط من خلال محاضراته وكتبه وأبحاثه ولكن على كل الأحوال فإن كتابه هذا قد قدم إحدى الرؤى لما يحدث فى سوريا وطرحها بين أياد وأعين المهتمين بالشأن حول العالم.