المدينة التي لن تركع    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    شرطة مأرب تضبط كمية من مادة الحشيش قادمة من مناطق المليشيا    تعزيزات مرتبات شهر يونيو 2025    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    السامعي: تعز ليست بحاجة لشعارات مذهبية    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    إعلان قضائي    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    ألغام في طريق الكرامة    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلاح الأقوياء ... 1 - 3
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 02 - 2012

يقول المفكّر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي: "يشعر الجميع بالقلق إزاء وقف الإرهاب . حسن، هناك طريقة بسيطة في الواقع وهي: توقّف عن المشاركة فيه"، وفي مكان آخر يقول: "إنّ القتل الوحشيّ بحق المدنيين الأبرياء هو إرهاب" .
في الحقيقة ينطبق كلام تشومسكي على الممارسات الأمريكية، التي تحارب تحت مسمّى إحلال الديمقراطية والحرية في دول العالم الثالث من جهة، وتحت مسمّى محاربة الإرهاب من جهة أخرى، وفي الحالتين، غايتها تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها الاستراتيجية في العالم . وما يفنّد إدعاءاتها هو أن الطريق الذي تسلكه إلى تحقيق هذه المصالح يكون على بحر من دماء الأبرياء، خاصة في العالم العربي والإسلامي، الذي بات في المنظومة الإعلامية الغربية مرتعاً للإرهاب . كما أن كلّ أحاديثها عن دعم ثورات الشعوب العربية لاينبع من إيمانها بحق هذه الشعوب في الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية، فهذا آخر ما تتمناه لهذه المنطقة الاستراتيجية، بل تأتي لتخدم علاقتها مع الأنظمة الجديدة، حفاظاً على مصالحها ومصالح الكيان "الإسرائيلي" .
نطّلع في هذا الكتاب على أفكار ثلاثة عشر من المفكرين والأكاديميين البارزين على مستوى العالم عبر حوارات قيمة حول شكل الإرهاب الذي تمارسه الولايات المتحدة في العديد من دول العالم بأساليب مختلفة .
ويكشف لنا الكتاب عن بعض الجوانب المظلمة من الممارسات العنيفة لأمريكا، منها الانتهاكات التي قامت بها في العراق وأفغانستان ودول أمريكا الجنوبية، إضافة إلى إعطاء فكرة عن الأماكن السرية التي تقوم فيها بتعذيب السجناء، وتسليط الضوء على منظمات إجرامية تقوم بالتخريب في نقاط معينة من العالم، لخدمة المصالح الغربية، وتحديداً الأمريكية .
الكتاب صادر عن دار "بلوتوبرس" البريطانية ،2013 ويقع في 246 صفحة من القطع المتوسط .
يجري الكاتبان ثلاثة عشر حواراً مع أهم الأكاديميين والمحللين، يستكشفان وجهات نظرهم بشأن العديد من القضايا، على رأسها تحليل الإرهاب الذي تمارسه الولايات المتحدة، كما شملت الحوارات عدداً من الموضوعات السياسية والاجتماعية والفلسفية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية .
كل أكاديمي من هؤلاء يتحدث عن تجربته الشخصية ومواقفه من الولايات المتحدة، والأسباب التي جعلته يتخذ مواقف ضد الممارسات الأمريكية في العديد من مناطق العالم، إضافة إلى مناقشة أعماله الأكاديمية والكتابية والصحفية .
فصول الكتاب مصنفة وفق الموضوع، من الفصل الثاني إلى الخامس، يحاول الكتاب توضيح مفهوم إرهاب الدولة، واستكشاف أنماط معينة من الالتزام القانوني والأخلاقي، التي ربما تؤثّر كشكل من معايير الحكم في السياسة الأمريكية . أما من الفصل السادس حتى الثامن فيعاين كيفية إنتاج الحديث السائد عن الإرهاب في النطاق العام عبر كل من التمثيل الإعلامي والبحث الأكاديمي . والفصلان التاسع والعاشر يركزان على الحوافز الأساسية وراء إرهاب الدولة الأمريكي، ويظهر كيف أن الحديث العام يخفي أهدافاً اقتصادية . أما الفصول الأربع الأخيرة فهي دراسات تظهر في تفصيل أكبر طبيعة وتأثير التدخلات الأمريكية بشكل خاص في المناطق الجغرافية .
أجرى الكاتبان هذه الحوارات عبر عدد من الأشكال، إما وجهاً لوجه، أو عبر البريد الإلكتروني، أو الهاتف، وجميعها حدثت وأجريت بين عامي 2010 و2012 وتم تحديث بعضها وتعديلها في الفترة الأولى من 2012 .
سلاح الأقوياء
يشير الكاتبان في المقدمة المطوّلة إلى أن الإرهاب من غير شك يمكن أن يكون تكتيك الضعفاء، إلا أنه ليس شكلاً سائداً، ناهيك عن تعريفه بحد ذاته، وكيف يتم النظر إليه، حيث تختلف الرؤية بين الدول والأفراد والمؤسسات، فعلى سبيل المثال، الخارجية الأمريكية تقدر أن عدد الضحايا من القتلى على المستوى العالمي نتيجة "الإرهاب المتعدد الجنسيات" بين عامي 1975 و2003 بلغ ،13971 في حين يعلن الاتحاد الوطني الأمريكي لدراسة الإرهاب والاستجابات للإرهاب (ستارت) أن قاعدة البيانات في ما يخص الإرهاب العالمي تشير إلى أن 3292 من الوفيات بسبب الحوادث الإرهابية الدولية والمحلية في الولايات المتحدة من 1997 حتى 2007 . ولاشك في أن أغلبها كانت نتيجة الأحداث الإرهابية في 11/9 عام 2001 . أما على جانب آخر، ربما بعيد قليلاً، فقد قتل من عام 1975 إلى 1999 في تيمور الشرقية جراء القمع الإندونيسي بدعم أمريكي نحو 200 ألف شخص، ما يضاهي ربع السكان، وفي هذين المثالين تختلف الرؤية إلى مفهوم الإرهاب، حيث الولايات المتحدة لا تعتبر ما دعمته من أعمال القتل الممنهج في تيمور الشرقية شكلاً من الإرهاب، رغم أن عدد الضحايا يتجاوز بالآلاف ممن راح ضحية الإرهاب في الولايات المتحدة .
ويبين الكاتبان أنه بالمحصلة يمكن "للأقوياء" أن يمارسوا الإرهاب بحق السكان على إطار أوسع من المجموعات الإرهابية الأضعف التي تشكل ما يشبه دولة، ونادراً ما تتم مناقشة ذلك على الإطلاق بالطريقة التي تتم بها مناقشة الإرهاب بمفهومه العام في الأوساط العامة .
يحاول الكتاب معالجة اختلال التوازن حول ما يعرض عن أشكال الإرهاب المختلفة . وهذا يعني في التعابير الأكاديمية أن الكاتبين يتخذان موقفاً صارماً من الدراسات السائدة التي تتناول الإرهاب، الذي يستهدف بشكل حصري الدول الديمقراطية الليبرالية على يد المجموعات التي تشكل "شبه دولة" أو "الدول المخادعة" .
يتناول الكاتبان بمنهج نقدي أكثر الدراسات التي تتناول الإرهاب، حيث يتحدّيان الأفكار السائدة عنه، وذلك بعرضه وإثباته في الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، التي تدّعي أنها تقود العالم الحر، تعتبر من أكثر من دعم وارتكب الأعمال الإرهابية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية . ومن الواضح مما يناقشه الكاتبان أن مثل هذا الزعم يمكن أن يثير أسئلة من قبيل: ماذا نعني بالإرهاب؟ أي عمل يصنف على أنه عمل إرهابي؟ كيف كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن الأعمال الإرهابية المختلفة في مناطق متعددة من العالم؟ ما هي العوائق القانونية والأخلاقية؟ هل تملك الولايات المتحدة سبباً كافياً للقيام بالإرهاب ودعمه؟ كيف يمكن للشعب الأمريكي أن يفهم مثل هذه الأفعال؟
من خلال قراءة الكتاب، يتضح للقارئ أن سلسلة الحوارات التي أجراها الكاتبان تجيب عن هذه الأسئلة بشكل عام، خاصة أنها مع علماء وأكاديميين بارزين في حقول متعددة مثل السياسة والقانون والفلسفة والاقتصاد، والنظرية الاجتماعية .
ضبابيّة التعريف
يناقش الكاتبان تعريف الإرهاب في الولايات المتحدة بحسب وزارة الخارجية الأمريكة وال"سي آي إيه" وال"إف بي"، الذي يجده تعريفاً جيداً، إلا أنه لا يتعامل مع إرهاب الدولة، ويتساءلان عن سبب التركيز على الإرهاب في المقام الأول، وليس على جرائم الحرب أو الإبادات الجماعية .
في رأيهما، تحمل كلمة "الإرهاب" أهمية بلاغية استثنائية، بشكل خاص، في الولايات المتحدة . ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في عام 1983 "الحرب على الإرهاب"، أصبح هذا الأمر محورياً في صورة أمريكا الذاتية، حيث سمحت بتعريف نفسها في وجه أعدائها .
يبين الكاتبان أن الإرهاب موضوع في غاية الأهمية، إذ له أهداف لا تقتصر على القتل والتشويه، بل حقيقة أن مثل هذه الأفعال مرتبطة بشكل غير قابل للنقض مع استراتيجية أوسع، وتنفيذ أجندات على المستوى الدولي، يحاولان من خلال هذه الحوارات العميقة في محتواها أن يعرضا اتجاهاً عاماً في السياسة الخارجية الأمريكية، ويناقشان أن الإرهاب يستعرض الخيط العام الذي يجري عبر سلسة عريضة من المعايير التدميرية والإلزامية التي تستخدم بموجب ظروف متنوعة .
ويرى الكاتبان أن مثل هذه المناقشة تتطلب وضوحاً معيناً حول معنى الإرهاب كما يفهمانه، ولا يشعران بأنه من الضروري أن يتحرّيا الدقة في ذلك، بل يركزان على ضرورة التفكير في المؤشرات أو العوامل التي يمكن أن تكون محورية لهذا المبدأ الذي يمكن أن تقسيمه ضمن جمل متواصلة إلى: "(أ) استخدام العنف المتعمّد والتهديد المعقول له (ب) الموجه للمدنيين (ج) بغرض التسبّب بإشاعة خوف على مستوى عريض بين جمهور يعتدى الضحية أو الضحايا المحددين بشكل مباشر (د) لتحقيق أهداف سياسية" . مع هذه المؤشرات أو العوامل، يمكن، على الأقل، أن يظهر أن أي فعل يتسم بهذا الطابع يمكن اعتباره على أنه من الأعمال الإرهابية .
الهيمنة السريعة
يبدأ الكاتبان مع الحرب، على الرغم من أنها ليست إرهاباً، (ذلك أنها ليست بالضرورة أن تستهدف المدنيين لكي تسبب ذعراً واسع المدى) . لكن، في الحقيقة، يمكن استخدام الإرهاب في الحرب، إلى درجة يمكن أن يكون هدفاً عسكرياً علنياً، على سبيل المثال، استخدام مبدأ "الصدمة والرعب" من خلال "الهيمنة السريعة"، الذي اشتهر الجيش الأمريكي باستخدامه أثناء غزو العراق عام 2003 .
حسبما يبين الكاتبان فإن مبتكري هذا المبدأ يوضحان أن "هدف الهيمنة السريعة هو تدمير وإرباك الإرادة عند العدو، الذي لن يكون أمامه أي بديل باستثناء قبول أهدافنا (الولايات المتحدة) الاستراتيجية أو العسكرية" . وهذا يعني أن "التأثيرات المعنوية والسيكولوجية، إضافة إلى المادية والملموسة تتحقق ما بعد تدمير قوى العدو، وأن دعم البنية التحتية العسكرية سوف يتحقق أيضاً" .
ويجد الكاتبان أن "العدو" ليس فقط القيادة العسكرية أوالسياسية للدولة المستهدفة، بل هم السكان المدنيون أيضاً، الذين يجبرون خلال رؤية عرض مرعب لأسلحة التدمير الشامل على قبول التغيير السياسي . علاوة على ذلك، تعتبر التهديدات مهمة بمافيه الكفاية لطلب "الهيمنة السريعة"، وهي ليست فقط اعتداءات عسكرية وأسلحة التدمير الشامل، بل أفعال . . تعرّض الوصول إلى السوق الحرة عرضة للخطر" . وهذا الأمر يفرض على كل دولة بشكل فعال التعهد بإعادة هيكلة اقتصادية لدعم المصالح الأمريكية وحمايتها .
ويشيران إلى أن إحدى العوامل "الجيدة" "للهيمنة السريعة" هي إصرارها على أن إصابة المدنيين أمر غير مرغوب فيه، لكنهما يجدان أن هذا الإدعاء باطل، بعيد عن المنطق والواقع . على الرغم من أن الوثيقة كانت تلمح بشكل مستمر إلى أهمية التقليل من "الأضرار البشرية" والحاجة إلى الدقة في تحديد الأهداف المتزايدة خلال الهجمات . ومع ذلك، بينما وصفت هذه "الأضرار البشرية" على أنها غير مقصودة، إلا أنها بشكل تقريبي بدت كأمر حتمي .
ويؤكد الكاتبان حقيقة أنه مهما تكن الهجمات دقيقة، يبقى التأثير الجانبي (نشر الفزع بين المدنيين) أمراً مرحباً به، ويعد بحسب المنظّر في قضايا الإرهاب روث بليكلي على أنه نوع من إرهاب الدولة، والكاتبان بدورهما يصران على أن هدف "الهيمنة السريعة" هو الهجوم على المدنيين والبنية التحتية لهم .
ضحايا الحروب الأمريكية
لا يعتبر الكاتبان أن مجرد التصريح بالرغبة في تقليل عدد إصابات المدنيين يعني أن يتم تنفيذ ذلك على أرض الواقع، ووضعه قيد التطبيق، فالتقديرات رغم تحفظها في ما يتعلق بعدد الضحايا المدنيين أثناء غزو العراق بلغت الآلاف . وازداد عدد الضحايا زمن الاحتلال، خاصة في حالات الحصار والهجمات الشديدة على مدينة الفلوجة، التي كانت أكبر دليل على أن حياة البشر لا قيمة لها .
ويشير الكاتبان إلى ماوصفه الصحفي وشاهد العيان ضاهر جميل إلى بعض من التكتيكات التي استخدمها الأمريكيون، مفاد كلامه على سبيل المثال، أنهم استخدموا الأسلحة المحظورة (الفوسفور الأبيض، القنابل العنقودية، ذخائر اليورانيوم المنضّب)، إضافة إلى الاستهداف المقصود للطواقم الطبية، وسيارات الإسعاف، والمشافي والعيادات الطبية، فضلاً عن الاستهداف المقصود للمدنيين، وهذا الأمر دفع إلى بلوغ عدد الضحايا إلى 4000 - 6000 مدني، وتدمير ما يقرب من 70% من كل الأبنية . وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد تعهدت بأخذ الحيطة والحذر أكثر عند شن العمليات، خاصة بعد أن أثير الكثير من الجدل بشأن استهداف حفلة زفاف في أفغانستان، إلا أن الكاتبان يشيران إلى تصريحات جون برينان، مستشار باراك أوباما في مكافحة الإرهاب، الذي صرّح بأنه لأكثر من عام من تحليق الطائرات من غير طيار في سماء باكستان، ليس هناك من ضرر بشري واحد نتيجة للبراعة الاستثنائية، والدقة، والقدرات التي يملكونها . إلا أن الكاتبان يشيران إلى أن هذا التصريح يتناقض مع تقرير صادر عن مكتب الصحافة الاستقصائية، الذي يقدر أنه في السنوات الثلاث الأولى من ولاية أوباما الأولى، قتل ما بين 282 و535 مدنياً، بينهم 60 طفلاً، نتيجة 260 هجمة من هجمات الطائرات من دون طيار . فخلال حادثة واحدة، قامت القوات الأمريكية باستهداف أحد عناصر طالبان لاستقطاب أحد القياديين إلى جنازته، التي حضرها أكثر من 5000 مشيّع، وخلال مراسم التشييع تم قصفهم بطائرة من دون طيار أودت بحياة 45 شخصاً، فضلاً عن عشرات الجرحى، ورغم ذلك لم تصب الهدف المطلوب .
كما يعلق الكاتبان على سياسة الدبلوماسية القاسية التي تنتهجها الولايات المتحدة، خاصة عندما صرحت هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية 2008: "أعتقد أنك تحاول أن تفهم كيف تحرك الممثلين السيئين في الاتجاه الذي تفضله، بهدف تجنب نتائج مريعة" ويعلق الكاتبان قائلين: "من الواضح أن مليون قتيل ليس مريعاً بمافيه الكفاية" بالنسبة للأمريكيين .
لماذا الإرهاب؟
يشير الكاتبان إلى أن الولايات المتحدة استخدمت الإرهاب لتحقق أهداف سياستها الخارجية عبر الدعم من الدول الإرهابية الأخرى . وخلال الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة الأنظمة الديكتاتورية من الجناح اليميني كمتاريس ضد اللاستقرار السياسي والثورات، ولذلك تلقت مساعدة كبيرة على الرغم من ممارساتهم غير الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان الصادمة .
واعتمدت إدارة نيكسون بشكل خاص على الحكام المستبدين عندما أصبح واضحاً أن أسلوب التعامل مع الفيتنام حقق تدخلات عسكرية إشكالية أكثر . ويشير الكاتبان إلى ما سمي فيما بعد ب"مبدأ نيكسون"، حيث الولايات المتحدة تقدّم الدعم الاقتصادي والعسكري لدولة معينة، ويتوجب على حكومات هذه الدول أن تضطلع بالمسؤولية الكاملة لأجل الدفاع عنهم من دون الاعتماد على القوات الأمريكية، وكانت زيارة نيكسون إلى جاكرتا عام ،1969 التي أثنى فيها على الجنرال سوهارتو، لما قام به من جلب استقرار اقتصادي وسياسي إلى إندونيسيا، خير مثال على السياسة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت . ويؤكدان إلى أن هذا الاستقرار جاء على حساب دم أكثر من 5000 شخص، إضافة إلى 750 ألف معتقل في أقل من سنة .
ويعرض الكاتبان تقريراً نشر في عام 1968 لوكالة المخابرات المركزية (السي آيه إي)، يفيد أن المجازر التي ارتكبت في القرن العشرين تعد من أسوأ عمليات القتل الجماعي، حيث عمليات القمع السوفييتي عام ،1930 وأعمال القتل النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وحمامات الدم الماوية في أوائل الخمسينات من القرن المنصرم . ويشير الكاتبان إلى أن إدارة نيكسون لم تأتِ إلى جاكرتا لتناقش أعمال القتل الجماعي، بل كان الأمر في الحقيقة أن الولايات المتحدة كانت قد رحبت بعمليات تطهير الحزب الشيوعي الإندونيسي، وشاركت في حمامات الدم بإندونيسيا من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية حول الشيوعيين وإمداد قوات سوهارتو بالأسلحة والمعدات المتقدمة لمساعدته في عمليات القتل الممنهج .
الأمر ذاته حدث في السلفادور كما يشيران، حينما ساعدت المعونة العسكرية الأمريكية القوات المسلحة وفرق الموت من الجناح اليميني على هزيمة جبهة فاربوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN)، التي كانت متشكلة من خمس قوى للمعارضة . وصحيح أن الجبهة تلقت الدعم من كوبا ونيكاراغوا، إلا أن الدعم الأمريكي الهائل (6 مليارات دولار) الذي تدفق على السلفادور، البلد الصغير، كان يعني أنه من المستحيل أن تنتصر القوات الفدائية، وقتل حينها ما يقدر ب75 ألف شخص بين 1980 و،1991 وكان يتحمل مسؤولية 95% من أولئك القتلى الجيش السلفادوري وفرق الموت التابعة للحكومة .
وفي توضيح الكاتبين لهذا الأمر، يشيران إلى أن برامج المساعدة العسكرية الأمريكية حوّلت بين عامي 1950 و1979 ما يبلغ 3 .107 مليار دولار في ما يتعلق بالمعدات والخدمات إلى القوى الصديقة، إضافة إلى 121 مليون دولار من مبيعات الأسلحة . ويتساءل الكاتبان: "هل شجعت تحويلات الأسلحة هذه النشاطات الإرهابية على مستوى الدولة في تلك البلدان؟ هل يمكن أن يقال إنه من دون تحويلات الأسلحة هذه، لما حدث الإرهاب على مستوى الدولة أو كان ليحدث بمستوى أقل بكثير؟" .
ويجدان أن الولايات المتحدة دعمت إرهاب الدولة، ولابد أن تقع المسؤولية الأساسية على الدولة التي تمارس الإرهاب . ففي رأيهما أنه من غير شك أن من يتواطأ في الجريمة هو مجرم، إلا أن سوهارتو وبينوشيه لابد أن يتحملا المسؤولية على الرعب الذي لايمكن تخيله ومارسه كل منهما على شعبه في إندونيسيا وتشيلي .
ويؤكدان في النهاية أن هذا الشكل من الدعم لايخدم سوى أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، ويشيران إلى أنه على الرغم من نفوذها العالمي وسيطرتها على أهم المؤسسات المالية في العالم، إلا أنها أحياناً تواجه صعوبات حقيقية وخطرة في تنفيذ أجنداتها، كما في العراق وأفغانستان .
في الحلقة المقبلة من عرض هذا الكتاب، نقرأ أهم ما استخلصناه من الحوارات المشوقة والقيّمة مع ثلاثة عشر مفكراً بارزاً على المستوى العالمي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.