في خريف ،2009 فوجئ العالم بإعلان لجنة نوبل النرويجية منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما - الذي لم يكن قد مضى عليه في البيت الأبيض سوى تسعة أشهر - جائزة نوبل للسلام، تقديراً على "جهوده الاستثنائية لتثبيت الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب" . ولكن مع بدء الولاية الثانية لأوباما أصبح من الشائع أن تستخدم وسائل الإعلام، خصوصاً في الولاياتالمتحدة ذاتها، تعابير من مثل "الرئيس المحارب"، أو حتى "الملك المحارب"، للتحدث عن "الحرب الدائمة" التي يخوضها الرئيس الأمريكي، وعن سياساته "الإمبراطورية" . في موقع مجلة "ذي بروغريسيف" (التقدمي) الأمريكية، كتب رئيس التحرير ماثيو روثشيلد مقالاً حول "أخطار" السلطة التي منحها أوباما لنفسه من أجل شن حرب في الفضاء الإلكتروني، قال فيه: عندما كان آباؤنا المؤسسون بصدد وضع مسودة الدستور، حرصوا على منح سلطات شن الحرب إلى الكونغرس، وليس إلى الرئيس . لقد أدركوا أنه إذا كان بإمكان الرئيس أن يشن الحرب من تلقاء نفسه، فلن يكون مختلفاً عن ملك . وأدركوا أيضاً، كما قال جيمس ماديسون (الذي يوصف ب "أبي الدستور" والذي أصبح في ما بعد الرئيس الرابع)، إن مثل هذه السلطة "ستكون إغراء أقوى من أن يقاوم" بالنسبة لشخص واحد . ولهذا عهدوا بسلطة إعلان الحرب إلى الكونغرس، ولكن منذ الحرب العالمية الثانية، كان رئيس تلو ا لآخر يغتصب هذه السلطة . وآخر مغتصب هو الرئيس أوباما، الذي فعل ذلك في ليبيا، وفي حرب الطائرات بلا طيار، والذي يستعد الآن لأن يفعل ذلك في الفضاء الإلكتروني . وحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، قررت إدارة أوباما أن الرئيس لديه سلطة لش هجمات إلكترونية وقائية . وهذا انتزاع للسلطة غير ديمقراطي إطلاقاً، وخطر جداً، فعندما يقرر الرئيس، وحده، متى تبدأ الولاياتالمتحدة عملاً حربياً، لن تكون هناك ضوابط وموازين . وهذا الموقف الهجومي الجديد سيؤديي إلى سباق تسلح في الفضاء الإلكتروني . فالولاياتالمتحدة سبق أن استخدمت أسلحة إلكترونية ضد إيران، ولهذا فإن دولاً عدة أخرى سوف تفترض أن الحرب الإلكترونية هي أداة مقبولة، فتستخدمها هي أيضاً . إمبراطورية أوباما في موقع صحيفة "يو إس إيه توداي"، تساءل المخرج والمنتج السينمائي اوليفر ستون وبروفيسور التاريخ بيتر كوزنيك عما إذا كانت أمريكا أوباما قد عمقت التزامها بالسيادة العالمية، وكتبا في مقال يقولان: في يناير/ كانون الثاني ،2003 كانت عناوين رئيسة في الصحف، مثل "إمبراطورية أمريكية: تقبلوا الواقع"، تبدو شائعة . ففي أعقاب هجمات سبتمبر/ أيلول ،2001 كانت الولاياتالمتحدة قد غزت أفغانستان، وتوشك أن تغزو العراق في عز "حرب عالمية على الإرهاب" ومنذ ذلك الحين، تقبل العديد من الأمريكيين بالفعل تعبير إمبراطورية أمريكية، ولكن أكثر من يخيب الآمال بينهم هو الرئيس أوباما، الذي دان في الماضي الأعمال الفظيعة للامبراطورية، من التعذيب وحتى السجن الدائم من دون محاكمة، ولكنه يبدأ الآن ولايته الثانية كوريث للاستراتيجية الإمبراطورية لجورج بوش . وإذا كان أوباما قد التزام بعضاً من وعوده الكبرى، مثل سحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أنه كان في الوقت ذاته يعمق التزامه بالامبراطورية، فقد تجاهل التحذيرات من السقوط في المستنقع الأفغاني . وزاد عدد القوات الأمريكية هناك ثلاثة أضعاف، بحيث أنفقت الولاياتالمتحدة في العام 2011 نحو 110 مليارات دولار على العمليات العسكرية . وحتى بعد إعلان الرئيس عن الانسحاب المزمع من أفغانستان في ،2014 لم تتضح استراتيجيته على المدى البعيد في هذا البلد . وفي أماكن أخرى، سرعان ما أصبح أوباما المحارب الأول في العالم باستخدام الطائرات بلا طيار، حيث استخدم هذه الطائرات في أول تسعة أشهر ونصف الشهر من ولايته الأولى أكثر مما استخدمها بوش في السنوات الثلاث السابقة، وكانت النتائج متضاربة: فقد نجح في قتل معظم القياديين في تنظيم "القاعدة"، إلا أن هذه الهجمات غذت تجنيد مقاتلين في صفوف "الجهاديين" وفي اليمن مثلاً، كان أعضاء "القاعدة" يعدون 300 عندما بدأ أوباما حملته الجوية، ولكن هذا العدد ارتفع الآن إلى 1000 . وادعى أوباما لنفسه حق قتل أي شخص يعتبره تهديداً لمصالح الولاياتالمتحدة من دون إجراءات قضائية مسبقة، جاعلاً من نفسه القاضي، والمحلف، والجلاد . وقد كان يشرف شخصياً على اختيار الأفراد الذين ينبغي استهدافهم، والذين تدرج أسماؤهم على "قوائم قتل" . وفي كثير من الأحيان، كانت جهوده لتوسيع الدور الإمبراطوري لأمريكا تختفي وراء دعوات الجمهوريين لكي يذهب إلى أبعد في هذا الاتجاه . وهكذا تشدد أوباما تجاه إيران، وواصل فرض عقوبات أقسى فأقسى عليها، وهدد بعمل عسكري إذا استمرت في برنامج تسليح نووي كانت أجهزة الاستخبارات تقول دائماً أنها تخلت عنه منذ ،2003 في حين أنه كان ليناً تجاه "إسرائيل"، التي قوض تصلب حكومتها واستمرارها في توسيع الاستيطان آفاق حل دولتين . وفي آسيا، تتحول الولاياتالمتحدة نحو دور مجابهة، في إطار استراتيجية أطلق عليها اسم "الانعطاف" باتجاه آسيا، وتشمل خطوات تهدف إلى تطويق الصين، ما يذكّر بصورة مقلقة بالجهود لاحتواء الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة . وبدلاً من اتباع سياسة التزام بناء تجاه الصيفي، شرعت الولاياتالمتحدة في عسكرة المنطقة من خلال مبيعات أسلحة، والقيام بعمليات بحرية مشتركة، وتقوية تحالفات عسكرية، ونشر قوات حتى أستراليا، وزيادة الوجود البحري . وحتى خطاب أوباما أصبح يثير القلق، ومع أنه لم يذهب بعيداً مثل بوش ليعلن حرباً صليبية من أجل استئصال "الشر" من العالم، إلا أنه ردد أصداء قول الرئيس وودرو ويلسون بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أن "أمريكا هي مخلص العالم" . وفي خطاب استقبل به القوات العائدة من العراق، قال أوباما: "على النقيض من الإمبراطوريات القديمة، نحن لا نقدم هذه التضحيات طمعاً في أراض أو موارد . نحن نفعل ذلك لأنه الصواب"، ولكن كان أحرى به أن يتذكر كلمات رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي لزمن طويل الآن غرينسبان عندما كتب يقول: "الجميع يعرفون: حرب العراق كانت أساساً من أجل البترول" . وبرغم كل التقدير والاعتبار اللذين نالهما أوباما على قراره سحب القوات الأمريكية من العراق، وخططه بتقليص الوجود العسكري الأمريكي إلى حد كبير في أفغانستان، فإنه لم يحاول تحدي محاولات الولاياتالمتحدة لتأبيد أقوى امبراطورية وأكثرها تأثيراً في تاريخ البشرية، مع وجود عسكري وما يتراوح بين 700 و1000 قاعدة عسكرية في 151 من الدول ال 192 الأعضاء في الأممالمتحدة . كما أنه لم يتصد لمحاولة تحقيق سيطرة كونية متكاملة، بما فيها نشر أسلحة في الفضاء وعسكرة الفضاء الإلكتروني . إن عكس هذا المسار والعودة إلى تبني مثل تقدمية، سيساعدان على استعادة ثقة أكثر أنصاره حماسة، وهم الذين رأوا في انتخابه في المرة الأولى لحظة تحول .