صدق أو لا تصدق . . أعداد السلع المغشوشة في الأسواق العمانية أصبح تعدادها "الرسمي" بالملايين ما بين منتهية الصلاحية يعاد تعبئتها بتواريخ جديدة قابلة للتمديد كلما حلت مواعيد انتهائها، ومخالفة للمواصفات والمقاييس، يستهدف "وكلاؤها" وموزعوها على حد سواء تحقيق الثراء السريع و"الفاحش" لا يفرقون في ذلك بين حلوى الأطفال ذات العروض الترويجية المغرية "اشترِ اثنين وواحد مجاناً"، مروراً ب"الشطة الحارة" والقوت اليومي لسكان عمان المتمثل في "الأرز البسمتي"، الذي يأتي متصدراً للسلع العشر الأولى في السلطنة بالنسبة إلى المستهلكين . الكارثة لم تتوقف فقط عند حدود المواد الغذائية إنما تعدتها لتطال الأدوية في مخازن البيع بالجملة التي تتولى التوزيع على الصيدليات في مختلف محافظات السلطنة وولاياتها، كما أن هذه الجرائم جميعها ليست وليدة اليوم - حسب تصريحات رسمية للمسؤولين في الهيئة العامة لحماية المستهلك - وإنما ترجع جذورها إلى عشرين عاماً مضت . ماذا عن تفاصيل المشاهد الثلاثة المخيفة من تراجيديا الغش والاحتيال والتدليس في أسواق السلطنة . المشهد الأول يتمثل في إعلان مزلزل للهيئة العامة لحماية المستهلك عن تمكنها من ضبط مليون وتسعمئة وواحد وخمسين ألفاً وأربعمئة وتسع وستين سلعة تنوعت بين منتهية الصلاحية ومخالفة لقانون حماية المستهلك أو قرارات وزارية تتعلق بحقوق الملكية الصناعية أو من دون بيانات إيضاحية أو تعاميم من وزارة الصحة، تركزت معظمها في محافظة مسقط التي كان نصيبها مليوناً وثمانمئة وخمسة وثلاثين ألفاً ومئة تسع وأربعين، تلتها محافظة جنوب الشرقية، حيث تم ضبط ،3766 و1532 وفي شمال الشرقية، وكان نصيب محافظة ظفار 1254 سلعة نصفها منتهية الصلاحية، وفي شمال الباطنة 945 نصفها منتهية الصلاحية، وفي الظاهرة 649 سلعة مخالفة منها 398 منتهية الصلاحية، وفي جنوب الباطنة 389 سلعة مخالفة نصفها منتهية الصلاحية وأخرى غير صالحة للاستخدام أو مخالفة لقانون الجزاء العماني " . . . . ."، وفي الداخلية 299 منها 180 منتهية الصلاحية، وفي محافظة البريمي 236 معظمها مخالفة للمواصفات والمقاييس و91 منتهية الصلاحية، وفي جنوب الباطنة 195 نصفها منتهية الصلاحية 35 مخالفة لقانون الجزاء العماني، كما تم ضبط 15 سلعة فقط منتهية الصلاحية في محافظة مسندم . عروض ترويجية وفي محافظة جنوب الشرقية أيضاً، تم من ضبط مئتين وتسعة صناديق من منتج الشطة الحارة نوع "فاميلي" في أحد مخازن الشركات الموزعة بولاية صور، حيث يوضح خميس بن مبارك الجوي، مدير إدارة حماية المستهلك بالمحافظة، أن ادارته كانت قد تلقت بلاغاً في التاسع من الشهر الجاري من أحد المواطنين يفيد بأنه اشترى من أحد المحال التجارية منتجاً من نوع "الشطة" على أساس أن العدد الذي يحتويه الصندوق 36 علبة لتفاجأ بأن العدد 28 فقط، وانتقل مأمورو الضبط القضائي لمخازن الشركة الموزعة لهذا المنتج، حيث تبين بعد المعاينة وفتح الصناديق أن العدد الموجود بكل صندوق 28 فقط، بينما المدون على بيانات الصندوق من الخارج "يحتوى على 36 علبة"، مما يشير إلى تلاعب في الكمية العددية بالصندوق من خلال إنقاص العدد ثم التغليف والتوزيع على المحال التجارية بالأسواق ببيانات مغايرة للحقيقة ما يؤدي إلى وقوع المستهلك ضحية الغش والاحتيال . وأثناء التفتيش في نفس المخزن - حسب خميس الجوي - تم ضبط 2160 عبوة من حلوى الأطفال في شكل عروض ترويجية "كيسين + كيس مجاناً"، حيث كشفت المعاينة أن أكياس الحلوى من دون تاريخ صلاحية وكتب على أحد أكياس العرض تاريخ مفتعل من المزود وليس من مصنع المنتج" . . . ."! كارثة حقيقية السلع التي تم ضبطها في محافظة مسقط والمنتهية الصلاحية تتم إعادة تغيير تواريخ انتهائها وكتابة تواريخ صلاحية جديدة تمتد لسنوات عدة، وجميعها من علب وأكياس الحلوى والمنتجات المخصصة للأطفال مما يشكل كارثة حقيقية تنذر بعواقب صحية كبيرة على صحة الأجيال القادمة، حيث تم ضبط مجموعة من العمالة الوافدة في حالة تلبس أثناء قيامهم بارتكاب الجريمة تمهيداً لإعدادها للتوزيع على الأسواق العمانية في مختلف المحافظات . د .سعيد بن خميس الكعبي، رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك، يقول إن "المستثمرين" قاموا عبر أسطول المركبات التابعة للشركة "التي لم يذكر اسمها" وبعض الموزعين بتوزيعها على عدد من المحال التجارية المختلفة بعد تعديل التواريخ على السلع المنتهية الصلاحية، حيث تبين أنهم يمارسون هذا الجرم الخطر منذ سنوات عدة، مشيراً إلى أن سلامة الأغذية والمشروبات تعتبر إحدى المتطلبات الأساسية لضمان صحة الإنسان، ما أدى إلى ابتكار ما يعرف ب"فترة الصلاحية" التي هي الفاصلة بين تاريخي الإنتاج أو الصنع وانتهاء صلاحية المادة الغذائية، التي تختلف باختلاف السلع والمنتجات حسب اختلاف نوعية المكونات والمواد المصنوعة منها . وفي بيان صادر من الهيئة، يقول الكعبي إن "فئة من المزودين والتجار تجردوا من الإنسانية وباتوا لا ينظرون إلا إلى ابتكار الطرق التي يجنون منها المال ويبحثون من خلالها عن الثراء ولو على حساب آلام الناس وأوجاعهم وإصابتهم بالعلل والأمراض"، موضحاً أن مأموري الضبط القضائي في الهيئة تمكنوا من ضبط العمالة الوافدة بالجرم المشهود خلال قيامهم بإزالة تواريخ الانتاج والانتهاء ووضع تواريخ جديدة أو إعادة التعبئة في أكياس أخرى بتواريخ صالحة، واصفاً هذا العمل "بالجريمة الكبرى" في حق أجيال المستقبل من الأطفال وتزوير يطال بشروره ومخاطره صحة الاطفال على وجه الخصوص - منوهاً بأن الهيئة تعمل منذ إنشائها على كشف "مستجدات وأشكال جديدة من التحايل واللعب بصحة الناس"، معرباً عن أسفه لضعف القوانين الرادعة لمثل هذه التصرفات، خاصة أن قانون حماية المستهلك لايزال يراوح مكانه منذ ستة عشر شهراً، كما أن تعاون بعض الجهات المعنية في هذا الجانب لا يرقى للمستوى المطلوب، مشيداً بتعاون رجال الادعاء العام والشرطة ودعمهم اللامحدود لجهود الهيئة ومساندتها في أداء رسالتها، مشدداً على القول إن أحداً لن يكون فوق القانون ممن تسول لهم أنفسهم التلاعب بصحة المواطنين والمقيمين على أرض السلطنة، وإن الهيئة قامت باتخاذ الإجراءات القانونية كافة المتبعة في مثل هذه الحالات، كما أنها تعمل حالياً للبحث في معرفة كيفية إدخال هذه السلع المنتهية الصلاحية بالتعاون مع الشركاء الآخرين مناشدة جميع التجار والمزودين ضرورة الالتزام بأخلاقيات السوق والتعاملات الشفافة والصادقة مع المستهلكين . مواطنون لكن شركاء المشهد الثاني يزيح الستار عن نجاح مأموري الضبط القضائي بالهيئة في ضبط إحدى المؤسسات الموزعة للأرز تقوم بالتلاعب بأحد أنواعه - الذي كان قد تم الإعلان عن سعره وشكله وحجمه سابقاً - حيث تجري إعادة تعبئته في أكياس "بمسمى آخر وسعر أعلى مع تعديل تاريخ الإنتاج"، مستفيدة من فارق السعر لتحقق زيادة في أرباحها تصل إلى خمسة دولارات عن كل كيس، وقد جرت عمليات الضبط في مخزنين كبيرين بولاية "صحم" يحتويان على واحد وثلاثين ألف كيس من الأرز جاهزة للتوزيع في ولايات محافظتي شمال وجنوب الباطنة وبقية المحافظات . وتعليقاً على ذلك، يقول د .سعيد الكعبي إن حقائق التلاعبات في الأسواق تكشف مدى غياب البعد الرقابي الذي أدى إلى "استسهال" البعض لعمليات الربح السريع وإن كانت على حساب الكثير من القيم والأخلاقيات المعروفة عن السوق العماني، واصفاً مثل هذه الممارسات "بالبغيضة"، وذلك على الرغم من الدعم الحكومي الكامل الذي يلقونه في مختلف جوانب الحياة، سواء في الكهرباء والمياه والغاز والوقود المدعومة، مشيراً إلى أن هؤلاء "الوافدين" يشاركون المواطن العماني في هذه الخدمات من دون تمييز، معرباً عن أسفه لوجود "بعض المواطنين"، وهو ما يدمي القلب على حد تعبيره، يقفون شركاء مع أمثال هؤلاء في الكثير من الحالات . ويقول د .الكعبي أيضاً إن هذه القضية مع غيرها من القضايا تفتح المجال على مصراعيه لوقفة صادقة في ما يرتبط بتوفير سلع آمنة وسليمة من الغش للمواطنين والمستهلكين، داعياً إلى أهمية العمل على تكاتف الجهود بصورة عاجلة من أجل الارتقاء بمستويات الرقابة الميدانية للأسواق وإعادة صياغة القوانين لتكون أكثر ردعاً لكل من تسول له نفسه التلاعب بأقوات الناس، والعمل بصورة جماعية لضمان وضع غذاء الأطفال والكبار على حد سواء في أيادٍ أمينة، ملمحاً إلى إمكانية اللجوء إلى تولي الحكومة توفير السلع الأساسية "ولو بسعر السوق" ضماناً لجودتها وسلامتها ومصداقيتها، كما هو معمول به في الكثير من دول العالم . منذ عشرين عاماً عبدالرحمن بن سالم بن حمدان القاسمي، مدير إدارة حماية المستهلك بشمال الباطنة، يشرح واقعة "الأرز المغشوش" موضحاً أن إدارته بدأت في تلقي العديد من البلاغات والشكاوى حول ارتفاع أسعار بعض نوعيات الأرز "البسمتي" مع قلة جودتها، وانحصار هذا الارتفاع في نوع معين . بعد المتابعة الميدانية والانتقال إلى الأسواق ومقارنة ومطابقة الأسعار من جانب قسمي خدمات المستهلكين ومراقبة الأسواق والمعلومات ودراسات السوق، تم التأكد من وجود مخالفة من جانب "إحدى المؤسسات" العاملة في هذا المجال، حيث رفعت السعر من تسعة عشر ريالاً وخمسمئة بيسة إلى ثلاثة وعشرين ريالاً وخمسمئة بيسة، ما أدى إلى استدعاء مدير المؤسسة الذي تعهد بإرجاع السعر إلى ما كان عليه في السابق، إلا أن المسألة تطورت لاحقاً لتصل إلى اختفاء هذا النوع من أسواق المحافظة ليظهر فجأة "نوع جديد بمسمى تجاري جديد" يباع بسعر أعلى من النوع المختفي من الأسواق، ما أدى إلى إثارة "شبهة وجب التحقق منها" . بعد البحث والتقصي عن مصادر توزيع الأرز في أسواق محافظة شمال الباطنة - يواصل القاسمي - تم التوصل إلى مكان "غير مرخص" للتوزيع والتسويق يخص مؤسسة اتخذت من "مزرعة ما" موقعاً لتخزين الأرز وتسويقه منذ عشرين عاماً، حيث تم الانتقال إلى مقر الواقعة ليتبين يقيناً قيام المؤسسة باستيراد نوعيات تحت مسمى تجاري متداول ومعروف قيمته بالأسواق تبدأ من ثمانية عشر ريالاً، وتقوم بتفريغه وإعادة تعبئته في أكياس جديدة "باسم تجاري مستحدث" ثم تسويقه للمستهلكين بسعر ثلاثة وعشرين ريالاً وخمسمئة بيسة في محاولة منها لتضليل المستهلك مخالفة قانون حماية المستهلك الذي يقضي "بضرورة امداد المستهلك بمعلومات صحيحة وحقيقية عن جودة السلعة أو الخدمة والبعد عن مزاولة أعمال الدعاية الزائفة أو المضللة"، إضافة إلى ممارستها لأعمال التلاعب بالأسعار والمضاربة غير المشروعة التي تقع تحت طائلة قانون الجزاء العماني . ويقول القاسمي إن إدارته اتخذت الإجراءات القانونية في هذا الشأن، حيث قام مأمورو الضبط القضائي بالانتهاء من مرحلة "جمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بهذا المنتج، ثم تمت مداهمة هذا المخزن غير المرخص بالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص"، ليتبين أنه يمارس عملية التزوير بتواريخ هذا المنتج والتلاعب بالأوزان وإعادة التعبئة من منتج إلى آخر، واصفاً هذا الجرم "بالغش والتدليس وإخفاء الحقيقة وعدم التحلي بقواعد حرية الاختيار والمصداقية والأمانة والشفافية"، ومشيراً إلى أن حجم كميات الأرز التي تمت إعادة تعبئتها والمعدل تواريخ إنتاجها بلغت 31 ألف كيس ما يعد كبيراً جداً "إذا ما أخذنا في الاعتبار المتضررين من المستهلكين"، خاصة أن أغلبية المجتمع العماني يستخدم هذه السلعة يومياً، حيث تبين أن هذه السلعة تعد الأولى ضمن السلع العشر الأساسية في سلطنة عمان وفق الدراسات التي كانت الهيئة العامة لحماية المستهلك قد أجرتها في وقت سابق . وقد تبين أيضاً من خلال المداهمة وجود أكياس جديدة غير مستعملة تحمل تواريخ حديثة لإنتاج المحصول، حيث أكد المخالفون قيام المؤسسة بتفريغ الأرز المعبأ من أكياس تحمل تواريخ انتاج محصول قديم وإعادة تعبئته في أكياس تحمل إنتاج محصول حديث، وأن مأموري الضبط القضائي تمكنوا من ضبط المعنيين بالمؤسسة بالجرم المشهود أثناء قيامهم بالممارسات غير المشروعة حيث اعترفوا بالمخالفات المنسوبة لهم، حيث تحويلهم للادعاء العام الذي أصدر أوامره بالتحفظ عليهم على ذمة التحقيق في القضية، كما تم اتخاذ الإجراءات القانونية كافة للحيلولة دون توزيع السلع بالأسواق، حيث تم التحرز عليها وإغلاق المخزن وتشميعه وختمه بختم حماية المستهلك لحين رفع القضية للقضاء المختص . حتى الأدوية ويبدو أن الجريمة لم تتوقف عند حدود السلع الغذائية، بل امتدت لتطول الادوية أيضاً، حيث يكشف المشهد الثالث من "تراجيديا الغش والاحتيال والتلاعب" عن نجاح الهيئة العامة لحماية المستهلك في ضبط 1897 عبوة أدوية "منتهية الصلاحية" في مخزن إحدى الصيدليات التي تقوم بتوريد الأدوية للصيدليات الأخرى " . . . . ."، وذلك من خلال قيام مأموري الضبطية القضائية بالهيئة، بالتعاون مع مفتشين من وزارة الزراعة والثروة السمكية، بتفتيش المخزن بعد أن ورد لوزارة الزراعة والثروة السمكية بلاغ شفهي من وزارة الصحة يفيد وجود مبيدات حشرية منتهية الصنع والصلاحية وأخرى معطوبة وغير صالحة للاستخدام، حيث تبين من خلال التفتيش وجود 27 عبوة من دواء "لكسين"، وخمس من من "فندول" وواحدة من "ريابال" وخمس عبوات من دواء شراب "تيديلود"، إضافة إلى مئة وسبعة وخمسين رزمة تحتوي كل منها على خمس زجاجات من دواء "فوتركس"، 1047 عبوة من دواء "أموكلات للحقن" .