باريس تداعيات فضيحة «لحم الخيول» في أوروبا، واستقالة بابا الفاتيكان، وعودة التحدي الكوري الشمالي للمجتمع الدولي، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. فضيحة «هورس جيت» استقطبت فضيحة تسرب لحم الخيول في السوق الأوروبية اهتمام عديد من كتاب الصحف الفرنسية. في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو اعتبر الكاتب إيف تريار أن فضيحة لحم الخيول التي أصبحت تسمى إعلامياً "هورس جيت" أتاحت فرصة ثمينة لبعض قوى اليمين الأوروبي لفتح النار للمرة الألف على العولمة، ومحاكمتها وكيل التهم لها جزافاً. كما أتاحت أيضاً في الوقت نفسه فرصة للتحامل على الوحدة الأوروبية، والليبرالية. وذلك لأن هذه الكلمات الثلاث أصبحت بمثابة مشجب يعلق عليه كل شيء، وتُرحّل إليه المسؤولية عن كل خطأ، وكأن مجتمعات أوروبا لم ينزل عليها بلاء ولا وباء إلا من ورائه العولمة أو الليبرالية، أو الوحدة الأوروبية! يقول الكاتب، الذي يستطرد: ومع مرور الوقت، لم نعد نعرف من يفعل ماذا؟ ومن يراقب ويمسك بزمام الأمور؟ وخرجنا عن طورنا، وفقدنا عقولنا! ومع ذلك لا مفر من الوقوع في اجترار بعض الصور النمطية القديمة لمحاولة فهم أسباب فضيحة لحوم الخيول هذه! ولعل أول ما يمكن قوله في هذا المقام أن البعض يسميها قضية إنجلترا، البلد الذي تفجرت فيه هذه الفضيحة، وأخذت فيه ابتداء قوة زخمها. وهنا أيضاً لا يتوقف المستثمرون في هذه القضية عن النفخ في لعبة الكلمات: أرأيتم أن عندنا نحن أيضاً نفس الغش التجاري في المنتجات، وإذن فلا داعي لاتهام بقية العالم أجمع. يذكر أن فرنسا عرفت أيضاً خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة إثارة قضية أخرى حاول البعض استثمارها سياسياً وشعبوياً هي تلك المفتعلة المتعلقة باللحم الحلال. ويختم الكاتب افتتاحيته قائلًا: سواء كان سبب هذا النوع من التدليس التجاري والغش هو العولمة أو غيرها، ستكون هنالك دائماً حالات من هذا النوع، كما كان الحال منذ العصر الوسيط. ولكن ينبغي أن نكون محميين اليوم من الوقوع ضحايا لمثل تلك الممارسات، وهذه مسؤولية مؤسسات الرقابة، المنوط بها التفتيش على المنتجات والترخيص لتسويقها للجمهور العريض. ولكن هنا تكمن المشكلة! وعن الموضوع ذاته عنون الكاتب فرانسوا سيرجان افتتاحية في صحيفة ليبراسيون بعبارة دالة هي "قِدر الطبخ" قال فيها إن تفجر فضيحة "هورس جيت" قد وضع المواقع الخلفية من المطابخ الأوروبية في حالة انكشاف علني، وانفضحت معها ممارسات بعض الجهات التجارية الجشعة، التي دلست ودست لحم الخيول على أنه لحم ثيران، وخدعت المستهلكين واستولت على أموالهم بدون وجه حق. ويتوقع أن تكون لهذه الفضيحة آثار سلبية بالغة على الصناعات الفلاحية- الغذائية، وعلى مدى نفاذها من سوق إلى أخرى. وهنا تحديداً وجدت بعض أكثر نوازع النفوس جبناً فرصة للتعبير عن نفسها، حيث راح كل يلقي بكرة لهب الفضيحة إلى جاره، وكل يدعي عدم تحمل المسؤولية عما جرى من غش. وفي انتظار معرفة المسؤول المجهول، ما زال الجميع ينتظرون من مؤسسات الاتحاد الأوروبي إيجاد طريقة ما يمكن من خلالها للمستهلك التأكد من المصدر الحقيقي للمنتجات التي تتألف منها وجبة طعامه، وضمان عدم تسلل "ضيوف" غير مرغوب فيهم ضمن تركيبة المواد الغذائية على مائدته. ومع هذا ليس متوقعاً وجود أية تداعيات صحية محتملة مترتبة على فضيحة لحم الخيول. ولكن الدرس المستفاد منها هو انكشاف مدى هشاشة وعدم فاعلية سلطات الرقابة الوطنية والأوروبية وعجزها عن أداء عملها، وكذلك تواطؤ مختلف الأطراف الداخلة في دورة تسويق هذا النوع من السلع المغشوشة. وعلى هذه الأطراف جميعاً العمل الآن مجدداً لاستعادة ثقة المستهلكين المهتزة بشكل كبير. استقالة البابا صحيفة لوموند خصصت افتتاحية لمناقشة أبعاد وتداعيات إعلان بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر عن نيته الاستقالة وترك منصبه مع نهاية هذا الشهر. وأثنت الصحيفة ابتداء بقوة على هذا القرار معتبرة أن فيه مسحة من الحداثة، وذلك لأن البابا الذي نصب رسمياً في موقعه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، في 19 إبريل عام 2005 وكان عمره يومها 78 سنة، اعتبر متقدماً أصلاً في السن في تلك اللحظة التي خلف فيها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني. ولذلك لم يتردد الآن في إعلان عدم قدرته الجسدية والروحية على الاستمرار في أداء عمله. وقرر التنحي من تلقاء نفسه. وقد وصف هذه الاستقالة أحد كبار مسؤولي الفاتيكان بأنها جديرة بالاحترام والتقدير وإن لم تخلُ من وقع المفاجأة، حيث شبهها بأنها وقعت على رؤوس الجميع كصاعقة رعدية تحدث في سماء صافية! كما رحب بهذا القرار أيضاً العديد من الزعماء الغربيين، مثل أوباما وميركل وأولاند. والحقيقة أن البابا على رغم كل شيء إنسان، تقول الصحيفة، وله قدراته البدنية الإنسانية المحدودة. وكان هو نفسه قد ألمح سنة 2010 إلى أن البابا "لديه الحق، بحسب الظروف، بل عليه واجب الانسحاب" عندما يشعر بأن قدراته "البدنية، والنفسية والروحية"، بدأت تخونه. والآن ها هو البابا يقدم على قرار صعب أحجم سلفه يوحنا بولس الثاني عن اتخاذه. وهذا ما يمكن اعتباره بداية تحديث جديدة في المؤسسة البابوية. ولذلك فإن يوم 28 فبراير الجاري، وهو اليوم الذي يبدأ فيه سريان مفعول استقالة البابا، سيكون عملياً يوماً فاصلاً بين عهدين في تاريخ الفاتيكان. وما بعده سيكون مختلفاً عما قبله. ولن يكون البابا المقبل مخولاً على بياض لفترة بابوية مدى الحياة، بحيث يكون لزاماً عليه التحامل على نفسه لأداء مهمته حتى الوفاة. وفي المجمل فإن الكنيسة التي كانت تنتقد عادة بالإخفاق في مواءمة العصر، بدأت الآن تلحق بركب القرن. ولا يختلف عن هذا الطرح كثيراً الكاتب آلان ريوفول في مقال كتبه بصحيفة لوفيغارو حيث اعتبر أن البابا المستقيل الذي طالما صنف ضمن التيار الأكثر محافظة في المؤسسة الدينية الكنسية اختار الآن تدشين عهد جديد في تاريخ الفاتيكان، يكرس التغيير البابوي الذي تعذر منذ عدة قرون. وتوقع الكاتب أن يتحول البابا الموشك على المغادرة إلى مُلهم لثقافة مضادة تجري التعبئة لها ضد كثير من تقاليد الإكليروس الديني الكاثوليكي عبر العالم. تحدي كوريا الشمالية في افتتاحية بعنوان "كوريا الشمالية تتحدى بكين وواشنطن" ناقشت صحيفة لوموند أبعاد التحدي الأخير الذي رفعت بيونج يانج قفازه في وجه المجتمع الدولي كله بإعلانها عن إجراء تجربة نووية على رغم كل الضغوط الدولية والإقليمية التي سُلطت عليها لإثنائها عن الإقدام على مثل هذه الاستفزازات غير المحسوبة. وقالت الصحيفة إن ذلك النظام المصاب بانفصام الشخصية، والذي يمثل إحدى أشد الديكتاتوريات قسوة على مستوى العالم، ما زال يواصل سعيه الحثيث للحصول على أسلحة نووية أشد خطورة، وهذا هو ما دلت عليه تجربته النووية المعلن عنها يوم الثلاثاء الماضي. واليوم بات التوازن الصعب في شرق آسيا مهدداً، وهو ما يخشى أن يدفع بعض دول المنطقة الأخرى إلى السعي للسير على طريق الهاوية الذي تسير عليه كوريا الشمالية الآن. وبهذه الطريقة يمكن أن تتحول تلك المنطقة الأقوى نمواً اقتصادياً على صعيد عالمي إلى مسرح لسباق تسلح محموم يسعى فيه الكل لامتلاك أسلحة دمار شامل. والحال أن لتركة الحرب الباردة دورها أيضاً في تعقيد المشهد في تلك المنطقة، حيث توقفت الحرب الكورية في 27 يوليو عام 1953 دون منتصر أو مهزوم، ودون توقيع اتفاق سلام بين شطري شبه الجزيرة التي فقدت في الصراع مليوناً من سكانها، بل إن الأميركيين ربما فكروا حينها في اللجوء إلى السلاح النووي لضمان الانتصار على خصومهم الكوريين الشماليين، وداعميهم الصينيين والسوفييت. ومنذ ذلك التاريخ وحالة الانتظار الصعب، والشد والجذب، هي عنوان الصراع بين شطري شبه الجزيرة، وداعميهم على هذا الطرف أو ذاك. وطيلة عهد ديكتاتورية عائلة "كيم" في الشطر الشمالي، ظل الاستفزاز والابتزاز يوجهان العلاقة مع الشطر الجنوبي. والآن مع عهد الزعيم الشاب "كيم يونج أون" ثالث أفراد السلالة، تستمر سياسة أسلافه: التلويح بالذرة كسلاح ردع ضد "القوى الأجنبية المعادية" والمقصود بذلك في المقام الأول الولاياتالمتحدة، وفي الداخل التلاعب بها لإقناع الشعب الفقير بتحقيق إنجازات وطنية، يمكن تغذية روح الزهو الوطني بها، حتى لو كان ذلك على أمعاء خاوية. إعداد: حسن ولد المختار