بقلم : سالم عبد المنعم باعثمان إن معاناة شعب الجنوب في أرضه منذ الاحتلال اليمني عام 1994م ليس له حصر ولا وضع ولا موقع محدد ، بل شمل مجمل الحياة : الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية والسياسية بما في ذلك الحقوق والحريات العامة ، بل بلغت الى امتهان كرامة الإنسان وطمس هويته وتاريخه وتراثه ، حين انفجر بركان الغضب الشعبي حاول الاحتلال جاهداً إخمادها عبر تنوع الوسائل من قتل وقمع وسجن وتعذيب ، فالاحتلال بعينه لا يتمثل في شخص معين بل في الوضع السياسي القائم بتركيباته ، أما ما يشاع عن التغيير فقد أثبتت التجربة أن التغيير قد تحول من الهيمنة الفردية الى الشراكة في السلطة وتقاسم ثروات ارض شعب الجنوب ونهب خيراته وذلك كنتيجة حتمية لبروز الاختلال في المصلحة ، وبالرغم من كل ذلك إلاّ أننا نرى بأن المصلحة المشتركة تجمعهم وستعيد لحمتهم المتمثلة في العداء السافر لشعب الجنوب .. ونتيجة لفشل الاحتلال في وأد نضال الثورة الشعبية التحررية بدأ في إتباع سياسة الفرقة من خلال اختراق صفوف الحراك وبث السموم بإعادة توزيع صكوك الشك والريبة وتوزيع كيل التهم لتحريف مسار الحراك السلمي ، مما جعل من بين فرقة الأحباب ممن ارتأى بأن رفيق دربه قد تغير مسلك حياته السياسية وخطى بخطوات نحو منزلق لا يحقق طموحات وآمال شعبه ، وآخر ينظر الى رفاقه من منظار واقع الممارسة في فرض الرأي والوصايا واتباع أسلوب الإقصاء وعدم احترام الرأي والرأي الآخر والابتعاد عن التعدد والتنوع من منطلق الحماقة والتعصب والانفراد بالرأي بل واتخاذ أسلوب الدفع بالآخرين من التبعيين والوصوليين وفق آلية بيت الطاعة سيما وقد تلمس هؤلاء التمييز وتحسن الحال بل بلغت ذروة النشوة الى الشعور بعظمة الذات .. من بديهيات القول وليس في الأمر بغريب حين نجد من الناس ممن يحاول فرض منطقهم وقناعاتهم السياسية والأيديولوجية على الآخر مادام هؤلاء الناس عرباً ، لأن العربي بطبعه فيه غريزة يرى بأن الحق يكمن فيما تفوهت به شفتاه وتغنت بألحانه ، وليس بغريب أيضا أن تكون محاولات الفرض عند التنافس في الرأي والموقف بينهم وبين الآخرين ، لذا فإننا نرى بأن من يقف على طرفي نقيض هم أكثر الناس تعصباً وعنفاً ، فتصبح حينها ساحات الالتقاء بينهما معدومة ، فبالتالي نجد بأن المعركة بين الطرفين لا تقبل إلاّ بنتيجتين لا ثالث لهما ، وعلى كل طرف منهما أن يختار : إما دخول أحدهما الى بيت طاعة الآخر ، وإما أن يقتتلا فيقضى أحدهما على الآخر ، فهل يرضينا إعادة كرة الماضي البغيض ونتجاوز مبدأ روح التسامح والتصالح ونجعل بذلك أن يكون شعبنا تحت وطأة العنف والاقتتال فيطيل أمد الاحتلال ليزداد رسوخاً وشموخاً ويضاعف من بؤر الفساد والإفساد ونهب ما تبقى من خيرات وثروات أرضنا واضطهاد شعبنا ليبقى الضحية ، وفرسان الزعامة قادة على جماجم الشهداء وأنين الجرحى وآلام ومعاناة المعتقلين وبكاء الأرامل والأمهات وحالة الأيتام ورعايتهم . الغريب في الأمر من وجهة نظري حين تغرد طائفة من الناس على إيقاع واحد وغصن واحد نجدهم عند منعطف ما يتفرق الجمع ، ثم يبذل أحدهم جهداً في محاولة لجر الآخر الى لحن جديد وغصن جديد دون أن يقدم أي مسوغ ودون احترام للعقل والمنطق ولا لأبسط معايير الحرية .. إن أعلى مستويات الاستغراب لا تأتي من تغيير جلودهم بين عشية وضحاها وإنما من افتقادهم للأسس المتينة التي يستندون عليها كحد أدنى للاختيار والثبات عليه حتى النهاية ، ما داموا يؤمنون بمبدأ : ( ما بني على باطل فهو باطل ) وذروة الاستغراب بل العجب والأغرب أنهم بمجرد أن تزل أقدامهم يحاولون شدك لتسقط معهم حيثما سقطوا ، وإلاّ سيكون مصيرك على طريقة ( الباشويه ) معي أو ضدي ، ومن هو ضدي فلا مكان له عندي .. .. البقية في الجزء الثاني ..