لتلك الشريحة الكبيرة، ذات الاتجاه اليساري من سواد الناخبين الاميركيين، التي فضّلت التصويت للرئيس باراك اوباما، باعتباره أهون الشرين، وأقلهما خطراً عن الشر الكبير والخطير ممثلاً في منافسه الجمهوري مت رومني، مبرراً وسنداً الى حد ما لكي تحتفل وتبتهج. وفي واقع الحال فإن كل شيء كان محتملاً ووارداً في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، وكان منها احتمال وصول رومني الى البيت الابيض، فالنظام السياسي الاميركي معيب ومختل منذ وقت طويل، وأصبح معه قديماً، إضافة الى انه لم يعد يمثل طموحات الاميركيين وآمالهم، وإذا ما تأملنا الانتخابات الرئاسية نجد أن الصوت الأعلى فيها هو للمال الذي يحدد معالمها ومدى تأثيرها في جموع الاميركيين. فهناك مشكلات تواجه الدولة العظمى التي تسيطر على قسم كبير من البشر، ومساحة كبيرة من العالم، إضافة الى تأثيرها الكبير والعميق في معظم مناطقه، وتبدو الحملات الانتخابات مهرجانات من الالوان والمسيرات والتجمعات التي تضع كل شيء في طابع كوميدي وفكاهي، وكأنه دعاية رخيصة، وهذا ليس المقصود بالديمقراطية أو ما يمكن أن نبرر به عدم الاهتمام بمصالح وتطلعات اقتصادية واجتماعية للملايين من الرجال والنساء والشباب وكبار السن من الاميركيين، ورغبتهم في تخفيف ما يواجهونه من صعوبات. خلال ولايته الاولى أثبت أوباما أنه ممثل لتجمع اميركي عسكري - صناعي ضخم. فقد استكمل تنفيذ ما كان سلفه الجمهوري جورج بوش قد بدأه من قبل، وعمل على مد أمد الحرب في افغانستان من خلال إحدى صرعات و«موضة» النذالة، وهي غارات الطائرات من غير طيار على باكستان، بغية قتل بعض المسلحين، ولو أدى ذلك إلى قتل واصابة مئات المدنيين، وأصبحت شعوب أفغانستانوباكستان واليمن وغيرها ضحايا هذا الاغتيال الجماعي الذي تقوم به طائرة موجهة بالروبوت. والسؤال المطروح الآن هو : هل سيمضي اوباما قدماً في سياسة القتل هذه، متجاهلا القانون الدولي واتفاقات جنيف؟ وكما كانت سياسة جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في الشرق الاوسط استعراضية وتمثيلية، فإن سياسة أوباما كانت ولاتزال كذلك. فهل هناك أي احساس أو شعور لدى اوباما بالمسؤولية الاخلاقية تجاه الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال الاسرائيلي وسياساته الوحشية والظالمة؟ ومفهوم بصورة بديهية أنه من غير الدعم الاميركي مادياً وعسكرياً وسياسياً ما كانت إسرائيل لتتمكن من مواصلة احتلالها لشعب وتحكمها فيه، وبحديثنا عن هذه الامور لا نكشف سراً، فالرئيس اوباما على وعي عميق بها وإدراك كامل لها، وأصبحت لديه الآن فرصة للبقاء أربع سنوات أخرى في البيت الابيض، فهل سيكون قادراً على تغيير سياسته الخارجية أو أنه سيواصل السير على النهج ذاته الذي مضى عليه في السنوات الاربع الماضية؟ الاجابة تحملها الاسابيع المقبلة، لكن لابد من الاشارة الى أن لديه فرصة لإظهار بعض الاحترام والاعتبار للقانون الدولي واتفاقات جنيف ذات الصلة بضرورة وقف القتل غير الشرعي للمدنيين في دول أخرى، كما انه يمكنه العمل لتنشيط عملية السلام في الشرق الاوسط والدفع بها الى الامام باتجاه تسوية دائمة، وليس تكريس التعويذة الاميركية المعتادة منذ عقود وهي «أمن اسرائيل»، وإنما الوقوف الى جانب الحقوق المشروعة والثابتة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقها في التحرر من الاضطهاد والاحتلال، وسنحكم على الرئيس أوباما من خلال أفعاله وليس تصريحاته واقواله. د. ناصر خان أكاديمي هندي من كشمير ومعارض للعنف والحروب ويعيش في النرويج