افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    نقل منصات إطلاق الصواريخ الحوثية استعدادًا للحرب واندلاع مواجهات شرسة مع الأهالي ومقتل قيادي من القوة الصاروخية    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    الحوثيون يواصلون افتعال أزمة الغاز بمحافظتي إب والضالع تمهيد لرفع الأسعار إلى 9 آلاف ريال    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    المبادرة المُطَالِبة بالكشف عن قحطان تثمن استجابة الشرعية وتحذر من الانسياق وراء رغبات الحوثي    قائد الحراك التهامي السلمي يعقد لقاء مع المعهد الديمقراطي الأمريكي لبحث آفاق السلام    الحوثيون يواصلون حملة اعتقال الطلاب الفارين من المراكز الصيفية في ذمار    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    تحميل لملس والوليدي إنهيار خدمة كهرباء عدن مغالطة مفضوحة    الدولة العميقة ومن يدعمها هدفهم إضعاف الإنتقالي والمكاسب الجنوبية    اعضاء مجلس السابع من ابريل لا خوف عليهم ويعيشون في مأمن من تقلبات الدهر    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    متهم بقتل زوجته لتقديمها قربانا للجن يكشف مفاجأة أمام المحكمة حول سبب اعترافه (صورة)    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    ما معنى الانفصال:    إشاعات تُلاحق عدن.. لملس يُؤكد: "سنُواصل العمل رغم كل التحديات"    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    البوم    غروندبرغ يحيط مجلس الأمن من عدن ويعبر عن قلقه إزاء التصعيد الحوثي تجاه مارب    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    دموع ''صنعاء القديمة''    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال في السودان عمّا بعد مرض البشير
نشر في الجنوب ميديا يوم 15 - 11 - 2012

ما بين وصفة طبية وأخرى سياسية ودبلوماسية وعسكرية، ينتظر المسرح السوداني مشهداً نوعياً، يرتقب أن يفتتح ستارته، الرئيس عمر البشير عقب عودته من رحلة استشفاء إلى المملكة العربية السعودية .
"مرض الرئيس"دفع إلى الساحة السودانية، بكم هائل من الحراك السياسي، ربما أكثر مما فعلته الصواريخ "الإسرائيلية"التي ضربت مصنعاً للذخيرة في الخرطوم، قبيل ارتفاع وتيرة الحديث عن صحة الرئيس البشير، حتى ذهب بعض المراقبين إلى أن حالة البشير الصحية، مجرد بالونة أطلقت بذكاء سياسي في سماء الخرطوم لتغطي على دخان الضربة "الإسرائيلية«، التي أثارت بدورها مياهاً كثيرة ، غلب الظن أنها القاصمة لظهر النظام الحاكم داخلياً وخارجياً .
أغلب الظن أن الرئيس البشير كان في حاجة فاعلة إلى فترة النقاهة تلك، والابتعاد عن خضم المشهد السياسي، ورؤيته بهدوء من خارج إطار سدّة الحكم ومن خلفها حزبه "المؤتمر الوطني"الذي يترأسه، ولإطلالة نقية يمتد نظره خلال ما أثاره خبر مرضه والتداعيات التي صاحبته .
وما بين السؤال ما إذا كان الرئيس البشير يحتاج فعلاً إلى رؤية، بعيداً عن التقارير الرسمية اليومية وتلك التي من أمام حجاب طاقمه الحكومي، والسؤال هل كان "المرض"ضرورياً ليعلم نظام البشير الإجابة عن "ماذا بعد؟«، تظل الحقيقة عند الرئيس نفسه، فهو من يعلم بحقيقة مرضه، ومدى خطورته أو أهميته على حياته، وهو من يعلم ردود الفعل، ليس عبر التقارير الرسمية والإعلامية، لأنه يعيش داخل مجتمع متداخل تتسرب منه وعبره حقائق الخوف والخشية عليه، وحقائق الانتظار لما هو أسوأ .
هل اكتشف البشير، مقدار حب الشعب له، أو العكس، وهل اكتشف بعد أكثر من 23 عاماً على حكمه السودان وحزبه المؤتمر الوطني، أن هناك من يتمنى فعلاً ابتعاده، أو إبعاده، وهل هناك من يتمسك به رغم كل شيء؟ كلها أسئلة مفتاحية لا ينتظر الإجابة عنها، بقدر ما ينتظر أن تلقي الضوء على الساحة السياسية المضطربة حتى قبل الضربة "الإسرائيلية"ومرض الرئيس .
ردود الفعل الأولية لخبر مرض الرئيس، كان أبرزها الخوف من الغد، فالرئيس البشير، مع كل ما يشوب حكمه، يحوز إجماعاً سياسياً عقلانياً، من المعارضة قبل مؤيديه، فالرجل يمتلك كاريزما سودانوية، لا يختلف عليها، وإن اختلف البعض على سياسات نظامه، وترتيباً على ذلك تأتي الخشية ممّا بعد البشير، والسؤال العريض: إلى أين يمضي السودان؟
أهل البيت
حزب "المؤتمر الوطني"الحاكم، المؤشر الحقيقي والأبرز ، لما يدور في الحكومة والبلاد، فضحت الأزمتان المتلازمتان صدفة، المرض والضربة، ما يعتور داخله من صراع واستقطاب وخلاف، بلغ هذه المرة حداً بعيداً، ومرحلة تبدو قبيل التشابك بالأيدي وتحسس الأسلحة، وتعدت نطاق الحزب إلى الطاقم الحكومي، وبرزت على السطح خلافات كثيرة وصراعات، كان الهمس يدور حولها منذ زمن طويل .
وبعيداً عن تقليدية الصقور والحمائم المشهورة ، فإن الأمر، هذه المرة، بدا كأنه بين الصقور والصقور، وعاد الحديث عن تيارين رئيسين في الحزب الحاكم، وقياداته الشهيرة، وانطلقت حملات تلميع أسماء قيادية لخلافة البشير، وخرج الهواء الساخن من فوق الطاولات، وشهدت اجتماعات ولقاءات سياسية بعد ضربة مصنع اليرموك للأسلحة والحديث عن مرض الرئيس، ملاسنات حادة، وتقاطعات جهيرة، وكان الجديد هذه المرة خروجها سافرة إلى العلن، عبر الصحف أو "مجالس الونسة"الشهيرة، وحتى بين طيات عبارات المسؤولين وتقاطيع الأوجه في لقاءات تلفزيونية فضحت الكثير .
والعهد كان أن تحتفظ قاعات "المؤتمر الوطني"بخلافاتها وصراعاتها، ويخرج الجميع لصلاتي الجهر والسر، باتفاق كأنه قسم مغلظ ملزم للجميع، ماذا يسرّون وماذا يجهرون، اعتاده نظام البشير، طوال سنوات حكمه، حتى يبدأ في التسرب رويداً رويداً، ليصبح حكاية تجاوزها الحدث والزمن، لكن أزمتي الضربة والمرض، خرجتا فوراً متزامنتين مع ما يدور من تداعيات ولغط وجدل حولهما، على الصعيدين الرسمي والشعبي .
خليفة البشير
خلافة البشير، كثر الحديث عنها منذ أن أطلق الرجل نفسه تصريحاً بأنه لن يرشح نفسه مرة أخرى للرئاسة وسيفسح المجال، ومعه رصفاؤه التقليديون، لوجوه شابة، بل إن الأمر ذهب إلى الحديث عن قانون بتحديد سن التقاعد السياسي، ومن حينها، قبل عامين أو أقل، ظل الأمر يطل برأسه تارة ويختفي تارة أخرى، حسب مجريات الأحداث، والحاجة السياسية والإعلامية، غير أن الأمر بدا أكثر جدية في أضابير وأروقة المؤتمر العام للحزب قبل نحو أشهر، واتخذ حديث الخلافة مساراً جديداً، دعمته تصريحات الخلفاء والنواب، وانفجر أكثر دوياً قبيل انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية، الذي سيبدأ اليوم (الخميس) .
بيد أن الحديث الذي بدأ خجولاً، عن خليفة البشير، متزامناً مع مرضه، اشتد سفوره، مع توالي الأيام وغياب المعلومات الحقيقية، وتدحرج كرة الشائعات، وغلب الظن أن كثيرين كانوا ينتظرون فرصة مناسبة، للمطالبة بتعيين "خليفة"للرئيس، وتجرأ مسؤولون في البرلمان والحزب على الجهر بالقول، منمقاً ومغلفاً بضروريات دستورية وحزبية، لكنها لم تفلح في تحجيم موجة الاستياء التي اعترت الجميع، معارضة وحكومة، وإن كان الحديث كله، للمفارقة، خرج من أفواه منتسبين إلى الحزب والطاقم الحكومي . ودفع الأمر البشير نفسه، إلى القول في كلمة له أمام حشد كبير من الجالية السودانية في السفارة السودانية بالرياض: "أطمئنكم بأنني في صحة تامة ولا أشكو من أي آثار مترتبة على عملية صغيرة أجريتها وتكللت بالنجاح".
وكان البرلمان، الذي خرجت منه المطالبة بخليفة الرئيس، الصوت الأعلى في معركة "الضربة "الإسرائيلية««، حيث شدد بعض نوابه في استجواب وزير الدفاع، ونادوا بجمع توقيعات لسحب الثقة . كما طالبوا المسؤولين عن الأجهزة الدفاعية بالمبادرة إلى تقديم استقالاتهم .
ويذهب نائب رئيس البرلمان والقيادي بالمؤتمر الوطني هجو قسم السيد، مباشرة إلى أهمية أن يشرع "الوطني"في اختيار خليفة الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويدوي بتصريح نادر "إنه من واجب الوطني كحزب حاكم يريد أن يحكم للمرة الثانية، أن يختار شخصية مقبولة تنال ثقة الشعب السوداني كما كان البشير، خاصة أنه قرر عدم الترشح مرة أخرى". ويكتفي حزب المؤتمر الوطني بالتقليل من أهمية ما أدلى به هذا القيادي ويعتبره "رأياً شخصياً وحديثاً بلا قيمة".
أما زميله، الدكتور محمد محيي الدين الجميعابي، فقد طالب مباشرة، الدولة بالاعتذار للمواطنين على تناقض تصريحات المسؤولين وحديث وزير الخارجية علي كرتي بأن وزارته لا علم لها بكيفية ضرب مجمع اليرموك، ويصف الموقف بالمزعج لما فيه من خيبة أمل للمواطنين تجاه المسؤولين عن أمنهم، كما طالب البشير بإقالة الحكومة متهماً إياها بالفشل في إدارة البلاد والتفريط في وحدتها .
ويقول مصدر رسمي، إن الضبابية التي صاحبت مرض الرئيس كانت مقصودة في ذاتها، كأفضل استفتاء رسمي وشعبي، من دون تزويق أو تزييف، وقد آتت أكلها تماماً، ولا يحفل المتحدث بالانتهازية السياسية التي طالت حتى مرض الرئيس، معتبراً أن الذكاء السياسي، يسمح بأكثر من ذلك، ومع تحفظه عند سؤاله عن النتائج، إلا أنه أشار إلى "أن لدى الرئيس الآن فكرة كاملة وواضحة عما سيفعله في مقبل الأيام".
صراع حزبي
ويشير مراقبون إلى أن الصراع داخل المؤتمر الوطني بلغ شأواً عظيماً لن تفلح معه، مسكنات الانتظار، أو الوعود المعهودة، ولابد من حراك مفصلي وقرارات جراحية، تعيد إلى الحزب قبل الحكم، مقاليده وتماسكه، وهو ما ينتظر أن يفعله الرئيس البشير عقب عودته مباشرة من رحلة الاستشفاء، كما تشير تقارير في الخصوص . بل إن بعض التكهنات ذهبت إلى تسمية المقالين من مناصبهم والمعينين الجدد، مشيرة إلى أن القرارات اتخذت قبيل سفر الرئيس إلى السعودية، وستفعل بنقلة نوعية، تلحق إشعاعاتها، بقضايا مختلفة هنا وهناك .
وشكّل الخلاف المحتدم بين وزارتي الخارجية والدفاع، النموذج الأبرز لتضارب وتقاطع المواقف والتصريحات داخل الطاقم الحكومي، ما أتاح لزعيم معارض كبير مثل الصادق المهدي أن يصف الأمر، عدم التناغم الحكومي هذا، بأنه ضعف في جهاز المناعة، وأن السودان أصبح (ظهره مكشوفاً) داخلياً وخارجياً، ويسخر من حديث الحكومة حول الاحتفاظ بحق الرد ويطالب وزير الخارجية بتقديم استقالته . ولم تفلح لاحقاً خطب التنديد والشجب والإدانة، والتمسك بدعم المقاومة الفلسطينية، والثبات على المواقف، في محو الخربشة الكثيرة التي خلفتها الضربة على صفحات السياسة الحكومية، كما لم تفلح سلسلة النفي الطويلة، لأي صلة لإنتاج التصنيع العسكري بأي طرف خارجي، وأن إيران ليست بحاجة إلى سلاح تصنعه في السودان، سواء لها أو لحلفائها، ومحاولات الإفلات من توصيفات خانقة كأحلاف إيران وسوريا وحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)، وحزب الله في لبنان .
ولم تفلح كذلك، أو حتى لم تظهر ملامحها، الحملة الداخلية والخارجية التي أعلن عنها "لكشف الاستهداف الذي تعرض له السودان من جراء الاعتداء "الإسرائيلي"على مصنع اليرموك". في حين أعلن حزب "المؤتمر الوطني"الحاكم، أن الاعتداء "الإسرائيلي"أحد الابتلاءات التي يعيشها المسلمون في السودان .
هجوم المعارضة
المعارضة التي شحذت أسلحتها، عقب الضربة "الإسرائيلية"ولم توفر انتقاداً أو هجوماً على الحكومة، لم تتطرق إلى مرض الرئيس، بل إنها تمنت له الشفاء والعافية رغم أنها تمسكت بمطالبها بذهاب حكومته وهو على رأسها . ويرى مراقبون أن النظام نفسه، دفع بأخطائه للمعارضة لتسلخ جلده، وارتفع الحديث مجدداً عن الاعتصامات، وهو ما تبناه في نقلة نوعية، حزب الأمة القومي الذي يعلن رئيسه الصادق المهدي استمراره في التخطيط لتنفيذ الاعتصامات في الساحات العامة، احتجاجاً على ما سماها بحالة الفراغ القيادي .
أما حزب "المؤتمر الشعبي"المعارض بزعامة الترابي، فقد نفى اتهام الحزب الحاكم له بالتورط في قصف مصنع اليرموك، واعتبر الاتهام مجرد مكايدة سياسية، محملاً تحالف الحكومة مع إيران مسؤولية ما حدث، وأنه السبب في تمديد العقوبات الأمريكية وهو يؤكد أن البلاد ليست في حاجة إلى تحالفات مشبوهة مع دول مستهدفة عالمياً، وينتقد في شدة، الحكومة ويحمّلها مسؤولية استباحة الأراضي السودانية .
ويرى قادة في الحزب الشيوعي، أن حكومة المؤتمر الوطنى تخوض لعبة الحرب ضد المعارضة المسلحة، وتخوض لعبة القمع ضد المعارضة السلمية . واللعبتان وضعتا البلد أمام هذا المحك القاسي، ويقول يوسف حسين الناطق الرسمي باسم الحزب إنه من الأفضل للسودان البعد عن سياسة المحاور في السياسة الخارجية والمواجهة مع المجتمع الدولي، ويؤكد أن الشعب لم ينل من هذه السياسة إلا الوبال والعقوبات .
ويطالب حزب البعث العربي الاشتراكي (السودان)، الحكومة بضرورة إجراء تغيير جذري في سياساتها الداخلية والخارجية، ويشدد على أهمية التوافق على سلطة انتقالية تشارك فيها القوى السياسية كافة تمهيداً لتحول ديمقراطي حقيقي .ويقلل من فرص نجاح التحركات الدبلوماسية والسياسية لمحاصرة "إسرائيل"دولياً لاعتدائها على مجمع اليرموك لتصنيع الأسلحة، ويشير إلى أن النظام في الخرطوم معزول دولياً ويحتاج إلى جبهة داخلية موحدة للتصدي لأي استهداف خارجي .
في انتظار البشير
ينتظر الرئيس البشير، العائد من فترة نقاهة، وبرؤية جديدة كما يفترض مراقبون، ترحيب بلاده بالولاية الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والعمل على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، وأن ينزل شعار بيان الترحيب "التعاطي الإيجابي والحرص على الانخراط في حوار جدي ومسؤول يفضي إلى دعم الاستقرار والسلام في السودان«، على أرض الواقع، والسعي إلى رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية لدعم الإرهاب ورفع الحصار الاقتصادي ، وتجنب التأثيرات الإضافية من جراء تجديد العقوبات .
وتنتظر الرئيس، الذي قال بعيد خروجه من العملية الجراحية، "إن "إسرائيل"هي العدو الأول وأن التطبيع معها يعد خطاً أحمر"- ما تبقى من تداعيات الضربة "الإسرائيلية«، وضرورة تطوير الدفاعات الجوية، والخروج من نفق التحالف الإيراني السوري، والخشية من عزل السودان عن محيطه العربي والدولي، وإعادة النظر، وفقاً لمراقبين، في الأصوات الخافتة للجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون الإسلامي .
كما تنتظر الرئيس ملفات كثيرة، في العلاقة مع الجنوب، واتفاقية أديس أبابا، وانهيار مباحثات الخرطوم وجوبا الأسبوع الماضي، فضلاً عن أبيي ومقترح أمبيكي المرفوض، وثورة المسيرية الصامتة، وهذا ملف، يرى مراقبون ، أنه يمسك بتلابيب الخرطوم، فإن هي رفضت مقترح أمبيكي الذي يحظى بمباركة من أمريكا والغرب ، ذهب الملف إلى مجلس الأمن، ما يعني المواجهة الدولية، وإن هي قبلت، انكفأت على حرب داخلية مع المسيرية، وفقدت منطقة عزيزة وغنية .
كما تنتظر الرئيس، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية«، دارفور بتداعياتها المزمنة والمتجددة، والقلق من ازدياد وتيرة العنف، ومن احتمالات نجاح أو فشل مؤتمر المانحين الخاص بدارفور والمقرر له ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأزمة قوات "يوناميد"والضربات الموجعة التي تتلقاها من المتمردين، ثم أخيراً انتشار مرض الحمى الصفراء الذي وصل إلى مرحلة الوباء، والمطالبة بإعلان دارفور منطقة كوارث .
وفوق كل ذلك تنتظر البشير صراعات حزبه "المؤتمر الوطني«، كأهم ملف مؤثر في بقية الملفات الأخرى، فالتيارات المتقاطعة والمتصارعة ستفضي حتماً إلى واقع جديد، بعلو قدم أحد التيارات، وانتصاره على الآخرين .
أما أخطر الملفات، وفقاً للمراقبين، فهي المؤسسة العسكرية التي ترقب ما يدور بعدسات تصنعها مواقف وأيضاً تيارات غير ملعنة، بيد أن بعض الهمس الذي يدور، يكشف أن "زملاء الكاب«-كما يطلق عليهم البشير نفسه - لن يتركوا الأمور على هوى الحزب، ولن يقبلوا ترجيج كفة "مدنية"أيا كان على رأسها من القيادات التاريخية للنظام من دون تدخل منهم .
ومع أن للملف خطوطه الحمر التي لا يمكن الخوض فيها، إلا أن تسريبات من هنا وهناك، تشير إلى أن هناك ما يعتمل داخل المؤسسة التي تهيمن بشكل أو بآخر على دفة الحكم منذ أكثر من عقدين ، وطبقاً للمراقبين فإن الرئيس البشير سيولي هذا الملف كل اهتمام .
ويبدو أن البشير الذي تنظره كذلك المعارضة، التي تتحرق شوقاً، رغم الإقرار بعدم استعدادها الكامل، لتسجيل نقاط ضد حكومته، والانتقال إلى مربع أكثر فاعلية ليتفاعل معها الشعب، يحتاج إلى حبال كثيرة لربط مفاصل الدولة، مثلما يحتاج إلى حبال صوته لمخاطبة شعبه وإقناعه بحقبة جديدة من التغيير .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.