تنتشر في العراق ظاهرة السجائر الإلكترونيّة التي يراها المدخنون وغير والمدخنين الوسيلة الأمثل للحد من مخاطر السجائر العادية. بغداد: يشتكي عراقيون لا يدخنون من معاناة استنشاقهم الدخان الذي ينفثه أصدقاء أو زملاء عمل أو أفراد أسرة، حتى اصبحت عملية التدخين لا تشمل بأضرارها متعاطي السيجارة فحسب بل البيئة بأكملها . وإذا كانت السيجارة التقليدية قد أغرت كثيرين في العراق، فان الدور الآن للسيجارة الالكترونية التي بدأت تستقطب الكثير من المدخنين ممن يعتقدون أن مضارها أقل بكثير من مضار السيجارة التقليدية . التدخين اثناء العمل لكن الفرق بالنسبة لحسين الشامي (عامل فني) بين السيجارتين معدوم، فهو يستنشق الدخان الذي ينفثه زملائه في العمل في الحالتين. ويقول حسين: اعمل في قاعة معمل صناعي في جنوبي بغداد، تضم عشرين عاملاً، اغلبهم من المدخنين اثناء ساعات العمل، ما يجعلني استنشق الدخان طوال النهار على الرغم من اني لا ادخن، ولعل هذا أحد الاسباب التي تجعلني افكر في ترك العمل. يتابع حسين كلامه: حاولت إدارة المعمل عدة مرات منع العاملين من التدخين، لكن اجراءاتها غير الصارمة حالت دون نجاح ذلك. وبمرور الزمن بدأ حسين يعاني من أوجاع في الرأس والصدر، حتى إذا أثبت الفحص الذي اجراه بعد حوالي ست سنوات من العمل في المصنع انه مصاب بالتهاب رئوي ناتح عن استنشاق دخان السكائر. يتابع حسين: اصابني ذلك بتوتر عصبي، وصارحت الادارة بذلك لكنها وقفت عاجزة عن ايجاد الحل، وكل ما فعلته هو وضع اعلانات تحث على ترك التدخين. وبحسب حسين فان مدير المعمل الاهلي، صارحه بأنه لا يستطيع الاستغناء عن عمّال أصحاب خبرة امضوا فترة طويلة معه لأنهم يدخنون. احصاء ويبين تقرير لمنظمة الصحة العالمية إن عدد المدخنين في العالم اليوم 1.2 مليار شخص، في حين لا يتوفر في العراق احصاء حديثة توضح نسبة المدخنين، فبحسب آخر احصاء أجريت عام 2006 فان ما معدل التدخين كان 41% من الذكور وحوالي 7% من الاناث. التدخين السلبي ولا يقتصر انتشار التدخين السلبي على المعامل الخاصة من الدرجة الثانية، بل يشمل ذلك دوائر الدولة المختلفة، حيث تتحدث سعاد الكاظمي (موظفة) عن انها ضحية تدخين زملائها في الغرفة والذين لا يعبئون للتعليمات بعدم التدخين، كما ان خجلها يمنعها من مصارحتهم في الامر. وطوال اشهر من الحمل، تعرّضت الكاظمي الى الدخان الذي ينفثه زملاء العمل حتى خشيت على جنينها. وتقول: الحمد لله جاءت النتائح سليمة ورزقت بطفل يتمتع بصحة جيدة، بعدما كان هناك قلق كبير في امكانية تأثره بما استنشقه من دخان في العمل. وعلى الرغم من ان التدخين غير مسموح به في الدوائر والمؤسسات العراقية، الا ان الالتزام به لم يعد ملزمًا بسبب انعدام العقوبات للمتجاوزين وتساهل المدخنين وغير المدخنين مع الظاهرة. وتطالب الكاظمي بضرورة التفريق بين المدخنين والآخرين ممن لا يتعاطون السيجارة حفاظًا على الصحة العامة. ازعاج الموظف عماد حسين الذي يعمل في بنك سعى الى تفهم معاناة زملائه فقرر التدخين قرب الشباك، لكن ذلك لم يكن حلاً حاسماً فما زالت رائحة الدخان المنبعثة في ارجاء الغرفة ومن ملابسه تربك زملائه غير المدخنين الذين نصحوه اكثر من مرة بترك التدخين لكن الامر لم يحقق نجاحاً. ويشير حسين الى ان زملائه طلبوا منه التدخين خارج الغرفة الا ان ادمانه وكثرة المراجعين حال دون الذهاب كل (خمس دقائق ) الى الخارج لأجل تدخين سيجارة . وفي حين ان حسين يدقق في معاملات احد المواطنين كان ينفث سيجارته الى جانب من الغرفة في محاولة لإبعاد اثار الدخان عن الحاضرين . الحل .. سيجارة الكترونية وفي محاولة اخرى لإيقاف اضرار التدخين عنه وعن زملائه وأفراد اسرته، اقترح حسين على نفسه شراء سيجارة الكترونية بعدما اقنعه كثيرون انها اقل ضرراً واكثر نظافة واقل رائحة كما ان اضرارها على الجهاز التنفسي اقل. يقول حسين: وصفوا لي السيجارة الإلكترونية لأنها نظيفة واقل ضرراً على الصحة، كما ان أن تكلفتها أقل بكثير من السجائر الاعتيادية. وبالفعل اشترى حسين واحدة، لكنه لم يلحظ فرقاً في تأثيرها على نفسه وزملائه، فقرر تركها والعودة الى السيجارة التقليدية بعد حوالي ستة اشهر من المحاولات. وتنتشر في اسواق العراق انواعاً لا تحصى من السجائر ذات الأغلفة البراقة المنخفضة الثمن وهي غير خاضعة للفحوص المختبرية كما تنتشر السجائر الالكترونية ذات المناشئ المتعددة، كالأوربية والصينية، حيث يسوقها التجار عبر اعلانات تفيد بأن هذا المنتوج غير مضر بالصحة وانه مفلتر جيداً ولا ينفذ منها النيكوتين الضار. وتعتمد السجائر الالكترونية في آلية عملها على جهاز استشعار يحسب كمية الهواء المتدفق ليعطي إشارة الى المسخن الذي يعمل على تبخير النيكوتين السائل في الفلتر، حيث ان البخار بمثابة دخان سيجارة . دخان بطعم الفواكه ويقول التاجر امين الجميلي في سوق الشورجة في بغداد ان هناك إقبالاً واسعاً على هذه التقنية الجديدة في التدخين، لأنها اقل ضرراً من السيجارة العادية وأقل تلوثا للبيئة اذ تنفث دخاناً بطعم الفواكه، لا يحتوي على رائحة كريهة اضافة الى انها سهلة الحمل. لكن آراء الاطباء المختصين على النقيض مما أسرّ به الجميلي، فالطبيب حسام كريم يؤكد ان الفحوصات والدراسات اثبتت العلاقة بين مختلف انواع السجائر ومنها الالكترونية والإصابة بمختلف الامراض لاسيما السرطانات وأمراض الجهاز التنفسي. ويتابع: المدمنون على السيجارة يوهمون انفسهم بان تدخينهم آمن صحياً، في محاولة لتبرير الفشل في ترك السيجارة. لكن سليم الجبوري يعترف ان السيجارة الالكترونية اصبحت مفضّلة لديه بعدما قال زملائه في العمل انها افضل من السيجارة العادية اذ انها اقل دخانا ورائحة. خيارات زملاء العمل ويؤكد الجبوري انه يحترم خيارات زملاء العمل فقرر الاقلال من التدخين، محاولاً ذلك خارج غرفة العمل، وفي الحالات الاضطرارية التي يزدحم فيها العمل فانه يدخن في باحة مفتوحة او الى الجهة التي تكثر فيها الشبابيك المفتوحة. وتوضح الإحصائيات أن 90% من إجمالي وفيات سرطان الرئة و25% من وفيات أمراض القلب والأوعية هي نتائج مباشرة للتدخين. الدكتورة سهيلة جعفر المتخصصة في الطب المجتمعي، تشير الى ان ضحايا التدخين السلبي يوازون في اعدادهم، الضحايا من المدخنين بسبب عدم اتباع قيود صارمة في التدخين في الأماكن المغلفة ودوائر الدول والمؤسسات الحكومية والخاصة على الرغم من وجود تشريعات رادعة للحد من ظاهرة التدخين، الا ان هذه التشريعات غير مفعّلة. وينص قانون مكافحة التدخين رقم 19 لسنة 2012، على تطبيق العقوبات بحق المخالفين لقوانين حظر التدخين، منها منع الترويج للتدخين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومنع وضع وتداول واستيراد شعارات منتجات التبغ ومشتقاته على المنتجات الأخرى.