ما زالت البيئة التقليدية تمثل مددا غنيا للفنانين التشكيليين، خاصة الذين يلجون هذا العالم لا من بوابة الاحتراف، ولكن من بوابة التفاعل والتعبير المباشر عما تراه العين. تكتشف مع الفنان الذي لم تشغله بعد المدارس التشكيلية أن ما يجذبه إلى اللوحة ليس ما تراه عينه مباشرة، بل ما يشد ذاكرته إلى الحنين. ورغم وضوح أدواته وشخوص لوحاته وميله إلى التعبير غير المركب فإنه يبدو «تجريديا» بطريقة ما، إذ يشكل له التراث قيمة مسبقة عليها يرتكز، ويبني تعاطفه مع اللون والبشر على السواء. هذا هو الانطباع الذي يمكن أن تخرج به من قراءة لوحات الفنانة التشكيلية منال الشريعان التي أقامت معرضها الشخصي الأول برعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب نهاية مارس الماضي، حيث ضم المعرض 36 لوحة تشكيلية. وجوه نسائية تقول الشريعان إنها رغم إقامتها الطويلة في الأراضي السعودية (في المنطقة الشرقية) وتأثرها ببيئتها، إلا أنها في لوحاتها لم تخص هذه البيئة تحديدا. معظم لوحات الشريعان لوجوه نسائية من تنتمي لشعوب وثقافة مختلفة منها العربي وغير العربي، مع لوحات أخرى تمثل مشاهد تنتمي أيضا للبيئة التقليدية وعمارتها القديمة. «حتى الآن ليس لديّ خط محدد».. تقول الشريعان، لكنها تصف أعمالها بال«كلاسيكية» تارة، وبال«واقعية» تارة أخرى. مدخلها إلى اللوحة بحسب قولها هو عشق التفاصيل، وهي في كل لوحة تحاول أن تتقدم أكثر باتجاه أكثر دقة في إبرازها مستخدمة الألوان الزيتية أو الأكريلك. وترسم الشريعان غالبا على الأسطح الخشنة وتحب التأثيرية في استخدام الألوان، وتميل إلى اللونين البرتقالي والأحمر والبنيّات عموما. تجارب وأسرار يبرز عشق التفاصيل أكثر ما يبرز في الملابس والحلي النسائية، وفي أغطية الرأس المعبرة عن بيئات محلية مختلفة، تطارد عينها في البساطة الخادعة للأردية دقة التفاصيل الصغيرة للألوان والزخارف والنقوش، بحيث يبدو الوجه مجرد تكئة أحيانا للتعبير عنها والاحتفاء بها. ربما هذا ما دفع الشريعان إلى تسمية معرضها «تجارب وأسرار»، فهي تحكي تجاربها مع الخامة واكتشاف أسرار الجمال في التراث المتعدد. وتتمنى الشريعان أن تطور من أدائها من خلال الحصول على دورات في التشكيل، ملاحظة أن الفنانين الذين اجتازوا مثل هذه الدورات تغير وتطور خطهم التشكيلي. المعرض الأول أقامت الشريعان معرضا سابقا عام 2006 للرسم على الحرير، لكنها تعتبر معرضا في الكويت هو الأول في مجال اللوحة التشكيلية، وقد حرصت -كما تقول- على أن يقام في وطنها، متوجهة بالشكر للمجلس الوطني الذي استضاف معرضها. وترى الشريعان أن هناك معوقات أمام المرأة السعودية، بحسب خبرة إقامتها، في مجال التشكيل، حيث المساحات الشاسعة تصعب عليها الانتقال لعرض أعمالها في مدن أخرى، إضافة إلى عدم توافر الرعاية اللازمة من قبل المنظمين للحفاظ على اللوحات وصيانتها من التلف. وتشارك الشريعان في ورشة نسائية للتشكيل ترعاها الفنانة التشكيلية سهير الجوهري، التي تكن لها تقديرا وتحمل الورشة اسم «سنس أوف آرت»، حيث تتشارك مجموعة من التشكيليات خبراتهن وتجاربهن، فيكسرن بذلك حاجز العزلة.