د. دانية آل غالب أعظم النعم بعد الإيمان هو الأمن، فالأمن والإيمان قرينان، فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان.. إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا فالأمن طمأنينة وسكينة وراحة في القلب، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدين، ولا على النفس، ولا على العرض، ولا على المال، ولا على الحقوق. ونعمة الأمن من أعظم النعم الذي من الله بها علينا، وهي أعظم من نعمة الرزق: ولذلك قُدم الأمن قبل الرزق في سورة البقرة: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). فبدأ بالأمن قبل الرزق لسببين: الأول: لأن استتباب الأمن سبب للرزق، فإذا شاع الأمن استتبَّ ضرب الناس في الأرض، وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم ويفتح أبوابه، ولا يكون ذلك إذا فُقد الأمن.. والثاني: ولأنه لا يطيب طعام ولا يُنتفع بنعمة رزق إذا فقد الأمن. وكذلك نعمة الأمن أعظم من نعمة الصحة.. قال الرازي رحمه الله: "سئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل. ولو أنها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت، وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجَسَد". ومما يدل على أهميته قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». بالأمن تنبسط الآمال، وتطمئن النفوس، وتتعدد أنشطة البشر النافعة، ويتبادلون المصالح والمنافع، وتكثر الأعمال المتنوعة التي يحتاج إليها الناس في حياتهم، وتدر الخيرات والبركات، وتتسع التجارة، وتُشيد المصانع، ويزيد الحرث والنسل، وتحقن الدماء، وتحفظ الأموال والحقوق، وتتيسر الأرزاق، ويعظم العمران، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها مع الأمن. والإسلام عني أشد العناية باستتباب الأمن في مجتمعه، فشرع الأوامر، ونهى عن الفساد والشرور، وشرع فيه الحدود، فالأمن نعمة كبرى، ومنّة من الله عظمى، إذا اختلفت نعمة الأمن أو فقدت؛ فسدت الحياة، وشقيت الأمم، وساءت الأحوال، وتغيرت النعم بأضدادها، فصار الخوف بدل الأمن، والجوع بدل رغد العيش، والفوضى بدل اجتماع الكلمة، والظلم والعدوان بدل العدل والرحمة. فهل تفكّرنا في هذه النعمة؟ وسعينا إلى الحفاظ عليها؟! [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (46) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain