تدير كوليت مركزاً استشارياً صغيراً داخل مخيم موغونغا للنازحين في الكونغو الديمقراطية، ويؤوي المخيم 50 ألف شخص، ويوجد بالقرب من غابة كثيفة ليست بعيدة عن مدينة غوما، ويتلقى سكان المخيم المساعدات الغذائية من جهات دولية، إلا أنها غير كافية، وتحتاج تلك الأغذية للطهي، ما يجعل الحطب ضرورياً للطبخ. وتغادر النساء مخيم موغونغا في اتجاه الغابة من أجل جمع الحطب والبحث عن الغذاء، ما يجعلهن فريسة لقطّاع الطرق من الجماعات المسلحة الذين يقومون بالتحرش بهن، وتقع 10 نساء على الأقل ضحية الاغتصاب يوميا. وأصبحت المجموعات المسلحة المختلفة هاجساً مروعاً بالنسبة للنساء في مخيمات النازحين. يقع مجمع موغونغا على بعد نحو 10 كيلومترات غرب غوما وهي مدينة من الخيم البيضاء، وتم توزيع النازحين على ثلاثة مخيمات، تؤوي جميعها نحو 100 ألف شخص. وقد هرب النازحون من المواجهات الدائرة بانتظام منذ نحو 20 عاماً بين الفصائل المسلحة المتناحرة. أصبح العنف الجنسي، بشكل مأساوي، واقعاً مقبولاً في الحياة اليومية شرق الكونغو. وتعرف النساء المخاطر التي تواجههن في دخول الغابة، إلا أنهن يجدن أنفسهن مجبرات على فعل ذلك لبقائهن على قيد الحياة، ولمساعدة أسرهن، وليس لديهن خيار سوى الاستمرار في هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر وتحمّل العواقب. ضحية اغتصاب وتقاليد في ملجأ لضحايا الاغتصاب على بعد بضعة أميال من مينوفا، تروي زيغير تشبالونزا، 60 عاما، قصة مروعة عما حدث لها عندما جاء الجنود إلى متجرها، وتقول العجوز والدمع في عينيها «ضربونا باستمرار، وبعد ذلك بدأت عملية الاغتصاب. ثلاثة رجال تناوبوا على اغتصابي. ومنذ ذلك الحين و تشبالونزا تعيش في الملجأ لأن زوجها رفضها بسبب ما حصل لها، وبالتالي فقد أصبحت ضحية مرتين، الأولى للجنود المغتصبين والثانية ضحية التقاليد القبلية الظالمة. مخيمات اللاجئين في الكونغو تديرها منظمات غير حكومية. رويترز جنود هائجون في بيت صغير فوق تلة تطل على بحيرة كيفو، يروي جندي كونغولي شاب، الجرائم التي اقترفها هو ورفاقه في حق المدنيين، في مدينة منوفا، قبل أشهر. يقول الجندي الذي يلقب ب«ماتيسو» «اجتمعنا ذات يوم وكنا 25 جندياً، وقررنا أن يغتصب كل منا 10 نساء وفعلنا ذلك» مضيفاً «اغتصبت 53 امرأة وكذلك أطفال في الخامسة أو السادسة من العمر». ويقول الجندي البالغ من العمر 22 عاماً، لمراسل ال«غارديان» إنه لم يكن يغتصب بسبب الغضب، لكن للمتعة التي كان يجدها في هذه الممارسة. ويؤكد ماتيسو أن الجنود عندما وصلوا إلى المخيمات كانوا يفعلون ما يشاؤون من دون خوف من العقاب. في نوفمبر الماضي، وصلت قوات حكومية إلى غوما، وكان الجنود منهكين بسبب المعارك التي دارت بينهم وبين المتمردين من «ام 23». وكان الجنود غاضبين وهائجين، إذ كان من الصعب على قادتهم التحكم فيهم، وبمجرد وصولهم إلى غوما بدأوا ينهبون الممتلكات ويغتصبون النساء ويقتلون من يقف في طريقهم، واستمر ذلك لبعض الوقت حتى تمكنت قيادتهم من تهدئتهم، وللأسف اغتصبت مئات النساء. ومن المستحيل معرفة عدد الحالات بدقة، إذ لا تخبر الضحايا عما حصل لهن خوفاً من رفض مجتمعهن أو حتى أزواجهن لهن بعد ما تعرضن له، إلا أن مدير المستشفى المحلي، الدكتور غيسلين كاسنغو، قال ان المستشفى عالج أكثر من 100 ضحية اغتصاب، وذلك بسبب السلوك الهائج والطائش للجنود. ويدرك المجتمع الدولي جيداً المخاطر التي تواجه هؤلاء النساء وسعى لإيجاد وسيلة لحمايتهن، إلا أن أغلب الحلول أثبتت فشلها على أرض الواقع. وعلى سبيل المثال قيل إن الشرطة تقوم بدوريات في الغابة بشكل متقطع، إلا أن أجهزة الأمن الكونغولية تخشى سطوة الجماعات المسلحة، ما يجعلها غير قادرة على حفظ أمن المخيمات، فضلاً عن ذلك قدمت جهات غير حكومية مواقد الحطب لتزيد من كفاءة استهلاك الوقود ووجدت نساء المخيم، أن الفكرة كانت ناجحة، إلا أن تمويل مثل هذه المشروعات لا يدوم لفترة كافية لجعلها حلاً مستداماً. حلول غير مجدية تعد ساكنات محظوظات لأن لديهن مركزاً يحصلن من خلاله على الاستشارة، وقامت جهة غير حكومية بدعم مشروع كوليت الذي بدأ بالعمل منذ أشهر. وتستقبل كوليت مراجعيها بحفاوة وابتسامة دائمة، وتسمع قصص اللواتي تعرضن للاغتصاب، وتساعدهن بتقديم الدعم النفسي وأخذهن إلى العيادة لتلقي العلاج الضروري، وجميع الخدمات تقدم مجاناً، ولا تقتصر مهمة كوليت بمجرد النصيحة والعلاج بل تتواصل مع أزواج الضحايا لتقبل ما حدث لزوجاتهن وعدم النفور منهن، وحضهم على دعم الضحايا حتى يتعافين ويتجاوزن الصدمة. وتشعر كوليت جيداً بمعاناة هؤلاء الضحايا، لأنها عايشت التجربة القاسية بنفسها، وتروي قصتها وعيناها تذرفان الدموع عندما تعرضت للاغتصاب على أيدي مسلحين، وخشيت العودة إلى زوجها بعد ما حصل لها. إلا أنها تجاوزت المصاعب وعملت بجد لكي تصبح مستشارة تساعد النساء في هذا المجال. ويوفر المستشارون شرق الكونغو، من أمثال كوليت، خدماتهم مجاناً ويضمنون تلقي ضحايا الاغتصاب، اللواتي يطلق عليهن أحيانا «الناجيات»، العلاج والدعم بسرعة ما يسهم في شفائهن. ومع ذلك تحتاج النساء في هذه المنطقة إلى حلول طويلة الأمد لضمان أمنهن ومنع حدوث مزيد من الفظاعات التي ترتكب في حقهن. سجلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يناير الماضي، أكثر من مليوني نازح داخل البلد. ويقيم هؤلاء النازحون في مخيمات تديرها منظمات دولية غير حكومية، ومع ذلك فهم ليسوا في أمان من التعرض لشتى الانتهاكات والفظاعات. ففي بداية ديسمبر الماضي دهم رجال مسلحون أحد مخيمات موغونغا لنهب أمتعة النازحين وأغذيتهم، واغتصب خلال الحادث عدد من النساء. وتؤكد منظمة «أطباء بلا حدود» أنها سجلت وعالجت 95 حالة اعتداء جنسي في ديسمبر ويناير في المخيم نفسه. سلاح حرب لقد أصبح الاغتصاب في جمهورية الكونغو الديمقراطية سلاحاً من أسلحة الحرب، إذ تتعرض نحو 5000 امرأة للاغتصاب في شمال إقليم كيفو، شرق البلاد، منذ بداية 2012، حسب منظمة «هيلث أفريكا» غير الحكومية. وهذا رقم مذهل يرتبط بعودة الاضطراب إلى المنطقة واستقواء الجماعات المسلحة الجديدة، ومنها «إم 23» و«ماي-ماي»، التابعة ل«تحالف الوطنيين من أجل كونغو حر». وتشير أصابع الاتهام أيضاً بانتظام إلى جنود القوات الحكومية، أي القوات المسلحة النظامية. وفي هذا السياق تورط 126 جندياً نظامياً في عمليات اغتصاب في العام الماضي. ذهب الصحافي والمدون، شارلي كاسيريكا، أخيراً إلى مخيمات موغونغا لإعداد تقرير عن الوضع الإنساني للنازحات. ويقول المدون «أخبرتني النساء اللواتي قابلنني عن حالات اغتصاب داخل المخيم وخارجه. ويتعرض النساء أحياناً للاغتصاب عندما يخرجن من المخيم لجلب حطب التدفئة في غابة فيرونغا القريبة». ؤأخيراً اختطفت امرأتان واغتصبتا ولم تظهرا إلا بعد مرور ثلاثة أيام. وغالباً ما يكون المغتصبون رجالاً بالبذلات العسكرية. وفي بعض الحالات يتعلق الأمر بأفراد القوات المسلحة الحكومية الذين نشرتهم الحكومة حول مختلف مخيمات النازحين لحمايتها في غوما. ويضيف الصحافي «تعرفت ضحايا أخريات إلى جنود من القوات الديمقراطية لتحرير رواندا». وارتكبت حادثة اغتصاب جديدة على بعد بضعة أمتار من المخيم وكانت الضحية طفلة لم تتجاوز سنتين. وقد ألقي القبض على المغتصب، وهو شاب من غوما. ويشير كاسيريكا إلى أن الدعارة أيضا سائدة في المخيم، فقد قابلت نساء أخبرنني بأنهن اضطررن إلى ممارسة الدعارة لإطعام أطفالهن. مشكلة الغذاء هناك مشكلة غذائية حقيقية في موغونغا، إذ يفترض أن توزع الحصص الغذائية كل شهر، لكنها أحياناً تتأخر، وتبرر المنظمات الإنسانية هذا التأخير بتأخر الإمدادات. وفي السياق ذاته، أكدت إحدى النازحات أن هذه الحصص الغذائية تكفي بالكاد 15 يوماً. وفي هذه الظروف ظهرت تجارة موازية. فقد أصبح النازحون يبيعون حصصهم الغذائية لكي يحصلوا على أغذية متنوعة أو ليشتروا مواد أخرى كحطب التدفئة. ويقول المبعوث الأممي إلى شرق الكونغو، تيري غوفو، إن سكان المخيمات في ضواحي غوما يعانون انعدام الأمن «تدعي الحكومة والميليشيات المسلحة أنها تعمل جاهدة على حماية المدنيين، وبالتالي يجب أن يتحمل جميع الأطراف المسؤولية حتى يضمنوا عدم وقوع انتهاكات الأشخاص الأكثر عرضة للعنف مثل النساء والأطفال». وأدى وجود المظاهر المسلحة بالقرب من مخيمات النازحين إلى حالة من الفوضى وانعدام الأمن بشكل مزمن، وبات الاغتصاب ظاهرة تحدث يومياً. ويوضح غوفو «يتعين على أطراف النزاع في الكونغو أن يولوا انتباهاً أكبر لمشكلة الاغتصاب، وذلك نظراً إلى تكرار حدوث التحرشات الجنسية»، مضيفاً «يبدو أن الجناة لديهم حصانة ولا يطالهم القضاء». وفي المقابل نادراً ما يتقدم الضحايا بشكاوى إلى الشرطة لأنهم يخشون ردة الفعل. تروي إحدى النازحات انها ذهبت يوماً لجلب الحطب من الغابة فاعترض طريقها رجلان مسلحان يرتديان الزي العسكري وقال لها أحدهما «إذا أردتِ أن تبقي على قيد الحياة فيجب أن تمارسي الجنس معنا». وفي ظاهرة باتت مألوفة يتعرض النساء للتحرش داخل المخيمات، إذ لا توفر الخيم والأكواخ التي بنيت في المخيمات حماية كافية للنازحين، وتقول المختصة النفسانية، ماري جاكوب، ان «هذا العنف مبني على القوة، وقانون الأقوى، وقانون الشخص الذي بيده بندقية». وتقول سارة سبنسر، من لجنة الإنقاذ الدولية «تجبر النساء والفتيات على ترك المخيم للبحث عن الحطب والطعام ومصادر الرزق لأسرهن وهذه المهام اليومية تعرضهن للعنف الجنسي». ووفقاً للجنة الإغاثة الدولية، تعتبر المخيمات مكتظة جداً والمأوى بالنسبة للكثيرين عبارة عن مشمع من البلاستيك. في الوقت ذاته انفصل العديد من الأطفال والنساء عن أسرهم وجيرانهم وهم يسكنون الآن بجوار الغرباء داخل المخيم. وأوضحت سبنسر «ستستمر الحاجة إلى الرعاية الصحية والنفسية لضحايا الاغتصاب في الكونغو لفترة طويلة بعد توقف القتال، وهناك حاجة إلى النظر في احتياجاتهم، ويجب أن تكون أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي». كما أدى النزاع إلى تفكك الأسر، حيث قالت منظمة «كير» إن العديد من الأسر النازحة أصبحت برعاية أمهات وحيدات.