طفح ما يسمى في عرف الأفراد "الحقد" وما يسمى في عرف الدول "الكيد السياسي"، هذا الذي أخاله ازداد بعد خبر اكتشاف حقل غاز جديد في قطر الشهر الماضي، رغم تواضع حجمه مقارنة بحقل الشمال.. يقولون ما يقولون عن قطر... خرج القول من أبواق في شقيقة أو أخرى صديقة أو غيرها في إعلام كان يدعي النزاهة لنشر خير أتاح الله له لسان حسود ليعرف ما في قطر من طيب عرف العود الذي تزيد أمجاده يوما بعد يوم بفضل مسيرته ورؤية قيادته. ولا غرابة أنه حتى إعلام دول كبرى كانت امبراطوريات زمانها لم تستوعب حركة المجتمعات ودورة التاريخ ومسيرة الحضارات والنماء، حتى بتنا نقرأ في الصحف البريطانية والفرنسية عناوين حاقدة لم تتورع عنها صحيفة "Financial Times" البريطانية في تقرير نشر يوم الثلاثاء 19 مارس 2013 بعنوان "الشرق الأوسط.. هنا وهناك وفي كل مكان" جاء فيه: "القطريون في كل مكان.. قطر وحكومتها تنشر وتستخدم عضلاتها المالية وتشتري في كل المجالات".. ترد يوميا تقارير صحفية من صحف عدّة عربية وأجنبية ذات نبرة حاقدة عن استثمارات قطرية في اليونان وايطاليا وعن استثمارات في بريطانيا وفرنسا وضواحيها الجنوبية، ولست أعلم هل أظهر البعضُ في الكون ديناً جديدا يحرّم الاستثمار.. أو قانوناً دوليا يجرّمه.. أو مجلساً دوليا يفرض الوصاية على مقدرات الدول وممتلكاتها وثرواتها الوطنية والقومية. والعجب الأكبر إذا انتقلنا من حلقة السياسة الى دائرة الإعلام، فيخيب ظننا في مدارسه لتتحول كثير من الصحف الدولية والشقيقة إلى تابلويد "أخبار حَوَارِيْ" وكأنّها "سوالف حريم" وليست إعلاما دوليا، كثير منها تغذيه إشاعات حاقدة اجتمعت لتكوّن تربة خصبة للتهكم حول ما تديره قطر من عمليات استثمارية من خلال "قطر القابضة" ذراع هيئة قطر للاستثمار التي تلوكها الألسنة مقرونة بالسياسة، بهدف تشويه الدبلوماسية السياسية الخارجية لقطر على نمط اذا لم يكن بك عيب قالوا "عيبك يا ورد أنك أحمر الخدين". لذلك لا غرابة إذا اتهمت "الفتاة الشريفة" في شرفها وهو أقصر وأسهل وسائل الطعن لمن لا يملك الحجّة. وما ضَيرُ قطر اذا امتد حضورها الدولي السياسي دبلوماسيا لحنكة تمتاز بها، والاقتصادي استثماريا من حرّ مالها وخيرها، بنظام دولي متعارف عليه ضمن استثمارات وعقود يدركها فقهاءُ الاقتصاد لا يكسب فيها المستثمر فحسب بل يكسب فيها الشريك ايضا بلا ضرر أو ضرار، بل ودون استغلال أو انتهاك لأراضٍ أو شعوب كما فعل الاستعمار وأحفاده عند استعمار الدول وانتهاك خيرات بلدانهم، بل وزراعة أوطان قومية لشراذمهم في تجرؤ على الحق والتاريخ والانسانية وحقوق الانسان. كثر العجّ الإعلامي متفاعلا مع الأجواء هذا الوقت كالعادة ويبدو أن الغبار حجب الرؤية لمدىً أبعد من دول الجوار حتى أصدرت صحف يفترض فيها الموضوعية ك "التايمز" عناوين براقة مثل "القطريون في كل مكان.. في عالم يندر فيه رأس المال واقتصاديات منهكة ومكافحة" العنوان مثير والسياسة البراجماتية التي وصفت بها الصحيفة قطر وحتى رغبة جني المال وليس فقط الشهرة، غريبة. الغريب في الأمر اننا ومنذ سنوات القحط والفقر على ساحل الخليج العربي نعلم أن رأس المال والاقتصاديات الدولية ليست اشتراكية أو موزعة بعدالة وإلا لما سجلت حالة فقر واحدة أو مجاعة أو هلاك في العالم القديم والحديث، في ظل ما تفترضه من عدالة توزيع الثروات، ولما عشنا الفقر والعوز وأصيب أجدادنا ب "السمط" وهو مرض جلدي يصيب الغاصَة فيظهر على جلودهم الطفح والقروح ك "الجدري" ولما أصيب آخرون ب "الإسقربوط" من سوء التغذية، ولما رميت جُثث موتاهم من الغواصين في عرض البحر كمقبرة للموت العزيز حتى لا تتعفّن الجثث من طول المكوث وعودة "القفّال"، هذا قبل أن يتفجّر النفط من ذات البحر، فعرف البحر رائحة أجساد عزيزة قبل أن يعرف رائحة النفط، كلّ ذلك وغيرنا — المشاؤون بالنميم اليوم — يتنعمُ في ذلك الزمن بترفِ "شايْ ما بعدَ الظهيرة" كوجبة إضافية مرفّهة. لم تُوهَب دولنا امتيازا واحدا ولا منحة من الدول الغنية، بل تفجّر النفط هبة من الخالق فهرُعت إلينا الدول تنشد الامتيازات بحصص واستثمارات مدفوعة والتاريخ يعيد دورته. النفوذ الاقتصادي ليس حكرا على الدول الكبرى ولا على الممالك القديمة التي لم تبتغ الاستثمار فقط بما جادت عليها هبة الطبيعة كما حالنا اليوم من حرّ مالنا، بل دارت حول الكرة الارضية وأصبحت ممالك لا تغيب عنها الشمس بمفهوم مغاير "هو عين الاستعمار". ولعل ما يثير الدهشة ايضا أن يوجه بعض الإعلام الدولي الحديث لقطر — ليس في شكل نقدي فالنقد مقبول — بل في شكل وصاية عليها وكأن الإنفاق والاستثمار من حرّ المال جريمة. وفي الجانب الآخر يأتي النقد بوصف ما تقوم به قطر من دبلوماسية دولية ومساعدات اقتصادية للدول "فرد عضلات لبسط النفوذ السياسي كقوة اقليمية واقتصادية...". وهل النفوذ عيب في عرف دول امتدت به؟ وكأن قطر تعيش حياةً مخمليةً فوق اهتمامات الشعوب قاطبة وعلى جثثهم، هذا ودولة قطر قد سجلت على مسار التاريخ سبقا دبلوماسيا وتنمويا في كل الأزمات والكوارث العالمية سواء الطبيعية منها أوالسياسية، حيث شكلت المساعدات القطرية في مختلف دول العالم أعلى نسبة إنفاق دون أن تُلْزَم بذلك من قبل جهة أو صندوق أو بنك دولي بل بقناعة ذاتية تامة وبذل وسخاء نابع من إرادة نافذة المبدأ والعمل. إن تنويع الاستثمارات القطرية والانتقال من دول الريع إلى دول الإنتاج ومن ثم تنويع مجالات الاستثمار من بلد مصدر للنفط الى بلد مستثمر في مجالات متعددة، يُعدّ ميزةً تضاف لسياسة دولة قطر خصوصا وانها تُدار تحت صندوق سيادي يعود ريعه للدولة ويؤمن حسب رؤية قطر 2030 الحياة لأجيال متعاقبة. فالرؤية لمن لا يعلم تنص في أحد مضامينها على أن:"التنمية المستدامة تهدف إلى تلبية متطلبات الجيل الحالي دون المخاطرة بقدرة الجيل المستقبلي على تلبية متطلباته. وهذا ما يطلق عليه "العدل بين الأجيال".. "فقد يتم تهديد حقوق الأجيال المستقبلية وذلك في حالة عدم تعويض الاستنزاف في الموارد غير المتجددة من خلال إنشاء مصادر جديدة للثروة المتجددة". أخيرا... إن ما تتعرض له دولة قطر من حرب إعلامية في محيطها الشقيق وبعض الإعلام الأكبر، ما هو الا حملة منظمة تشم منها رائحة التشهير المغلوط، وما يتواتر منه من مجهولي الهوية على وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا "حقد" و"كيد سياسي" من امتداد سيرة قطر العطرة التي أضحت بشهادة التاريخ الحديث الدولة التي لا تغيب عنها الشمس، ورغبة من قبل البعض في بث القلاقل الإقليمية والفتنة الداخلية، التي لا تغيب أهدافها عن قطر ولا عن حصافة الشعب القطري، الذي ينعم بوطن متماسك في ظل حكومة رشيدة واعدة ووعي شعبي عالٍ وسلم وأمنٍ وتكاتف عصيّ على الاختراق.