أربعة عقود انقضت على تلك الصرخة التي تغلغل صداها في فضاء أوروبا والعالم أجمع . فبينما كانت حرب أكتوبر العام 1973 مشتعلة على جبهتي سيناء والجولان، أدهش العرب العالم بتضامنهم في سبيل تحرير الأراضي المغتصبة، وما فعله المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أصاب العالم بما يمكن تسميته "الدهشة الكبرى" . كان يقضي إجازته في لندن، عندما تواتر على مسامعه نبأ الحرب، ترك إجازته وبادر باتصال سريع بالقاهرة ودمشق ليؤكد لهما: أن المعركة ليست معركة مصر وسوريا وحدهما ولكنها معركة الوجود العربي كله، ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة . وفي نفس الوقت طلب، رحمه الله، من مستشاريه العمل على حجز جميع غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة المعروضة للبيع في جميع أنحاء أوروبا وشرائها فورا وإرسالها جوا وفي الحال إلى دمشق والقاهرة، مع كميات من المواد الطبية . وقام زايد بإحراج وسائل الإعلام أمام الرأي العام العالمي، ودفعها لالتزام الصدق فيما تنشره أو تذيعه عن سير المعركة، حيث جمع 40 صحفياً من مختلف دور الصحف في إنجلترا وأوروبا الغربية، وأمر بتقديم كافة التسهيلات لهم للسفر إلى جبهات القتال العربية، على نفقته الخاصة، وبفضل هذه الخطوة أتيح للعالم أن يتعرف إلى أخبار المعركة وتفاصيلها بلا انحياز . وفي ثالث أيام المعركة كان زايد أول حاكم عربي يعلن تبرع بلاده بمبلغ مئة مليون جنيه إسترلينيني للمعارك الدائرة على الجبهتين، ولم تكن لديه يومها الأموال التي قرر إرسالها إلى الأشقاء بسبب الضائقة المالية التي كانت تعاني منها أبوظبي حينذاك، إلا أنه استدان من رجال البنوك في لندن بضمان البترول، ولم تكمل الامارات عامها الثاني بعد، وعندما سئل عن قيمة هذا الدعم قال: "إن الثروة لا معنى لها بدون حرية أو كرامة وأن على الأمة العربية وهي تواجه منعطفاً خطيراً أن تختار بين البقاء والفناء، بين أن تكون أو لا تكون، بين أن تنكس أعلامها إلى الأبد أو أن تعيش أبية عزيزة مرفوعة أعلامها، مرددة أناشيدها منتصرة إرادتها" . إن الصيحة التي أعلنها زايد كانت بعد أن أوفد وزير البترول الإماراتي إلى مؤتمر وزراء البترول العرب لبحث استخدام البترول في المعركة، وأصدر الوزراء قرارهم بخفض الإنتاج بنسبة 5 % كل شهر، وإذا بزايد يأمر وزير البترول بأن يعلن باسمه فوراً قطع البترول نهائيا عن الدول التي تساند "إسرائيل"، وقطعت الإذاعات العالمية إرسالها لتعلن هذا النبأ العاجل، فقد كان القرار بداية لمعركة البترول التي أثرت تأثيراً جوهرياً في مجريات الأمور في العالم كله . عندها تلقى زايد التهديدات بأن عليه أن يتحمل تبعات هذا القرار وحينها كانت صيحته المدوية حين قال: "إن الذين قدموا دماءهم في المعركة، معركة الشرف، قد تقدموا الصفوف كلها، وإن النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي"، وأضاف: "إننا على استعداد للعودة إلى أكل التمر مرة أخرى فليس هناك فارق زمني كبير بين رفاهية البترول وبين أن نعود إلى أكل التمر" . كانت صيحة زايد، هذه العبارة التي اختزلت العروبة في معانيها . وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده أثناء المعركة سأل أحد الصحفيين الأجانب سموه قائلاً: "ألست خائفاً من الدول الكبرى، لقد كنت أول من قطع النفط عنها؟ فرد على الفور: "إننا لا نخاف من أحد، وإذا تسلل الخوف إلى قلوبنا، فلن لن نقاتل دفاعاً عن شرفنا ولن نسترد حقوقنا المسلوبة . إن أغلى شيء يملكه الإنسان هو روحه، والأرواح بيد الله تعالى، إننا إذا جلسنا لنخطط خوفاً من أن يلحقنا الخطر فسوف نترك كل شيء للعدو" . وقال، رحمه الله: "ماذا أفعل لو رأيت ابني أو أخي يطعن ويقتل . إن الجواب الطبيعي أن أقف مع ولدي وأخي لأساندهما في ملاقاة العدو" . فترحموا يا سادة على رجل حفر اسمه في التاريخ من الذهب الخالص، ترحموا على والدنا، وقائدنا، وحبيبنا الخالد في قلوبنا زايد بن سلطان، طيب الله ثراه . ليلى الظاهري - طالبة جامعية