|بقلم: الدكتور وليد التنيب| الجو بارد جداً و الرياح بدأت تشتد أكثر وأكثر... في هذه الليلة الباردة كنت بانتظار أصدقائي على العشاء... لم تكن ترتيبات العشاء قد اكتملت بعد... وان كان كل من في البيت يعمل ما باستطاعته لاتمام العمل الموكل اليه. الكل بلا استثناء يبذل جهداً واضحاً لي... يبدو لي أن الجميع يعملون لارضائي وإظهار هذه الليلة بصورة جميلة أو «ترفع الراس كما يقول ابني». كانت زوجتي قد أعدت العديد من الأطباق الشهية لهذه المناسبة... وكل من في البيت حاول قدر استطاعته أن يساعدها ويمدّ يد العون لها. حتى ابني جاسم الأصغر سناً... ذو الثلاث سنوات يبدو لي أنه يرغب في المساعدة... كانت ابنتي الكبرى تكلمه قائلة له «ان أهم مساعدة تقدمها لنا هي ألا تساعدنا وتشغل نفسك بعيداً عنا»... خُيّل لي أنه قد استوعب ما طلب منه وابتعد عن منطقة العمليات. عماد كان أكثر فاعلية وتفوقاً على نفسه بالمساعدة بترتيب البيت... حتى انه ساعد بترتيب الأواني على الطاولة وأبدى رغبته في المساعدة بالطبخ ولكنه لم يفلح في هذه المحاولة! ابنتي الكبرى تولت اعداد السلطات والمقبلات وتركت أمر الأطباق الرئيسية لأمها. بالرغم من عدم وجود أي مساعدة بسبب عدم وجود خدم في البيت، فقد أصرت زوجتي على عدم طلب أي مأكولات من المطاعم و ما أكثرها... أو حتى الطلب من أحد البيوت التي تقوم بالطبخ. بعد صلاة العشاء كان كل شيء جاهزاً لهذه العزيمة... تم تبخير البيت والتأكد من أن كل مصابيح السور الخارجي للبيت مضاءة وتسارعت الأحداث انتظاراً للمعازيم. فجأة اتصل صديقي أحمد بالمنزل وأصرّ على أن يكلمني... ليخبرني بأنه مشغول الليلة ولا يستطيع الحضور ويقدم اعتذاره الشديد! بعدها اتصل محمد ليخبرني بأنه قد نسي أنه ملتزم وزوجته بموعد مسبق مع المدرسة لمناقشة وضع أبنائهم الدراسي... وزاد أن زوجته مصرّة على الذهاب الى المدرسة. بعدها اتصل جاسم - صديقي في العمل - ليعتذر أيضاً بحجة أن ابنته لديها موعد مع دكتور الأسنان... وهو لا يستطيع الحضور. كانت الصدمة شديدة عليّ فعلاً وبدأت أفكر بصديقي سلطان... بدأت بالدعاء أن يحضر سلطان ولا يعتذر حفاظاً على كرامتي أمام أبنائي وزوجتي... وحفاظاً على تعب زوجتي وأبنائي. لحظات من الانتظار مرت طويلة... لم أصبر وقمت بالاتصال بسلطان... رد سلطان وكأنه ليس هو الذي أكد لي اليوم صباحاً حضوره.... قال انه الآن في حفل زواج أحد أقربائه ويعتذر عن عدم الحضور. كانت الصدمة قوية جداً عليّ، اذ لم أستوعب كل هذا الاستهزاء الحاصل... كانت فعلاً كارثة بالنسبة اليّ أمام أبنائي وزوجتي التي لم تدخر جهداً للاعداد لهذه العزيمة. انتبه كل من في البيت الى الأزمة التي أمرّ بها... وبدأ الكل يمارس دوره بشكل فطري لمواساتي والتخفيف من الصدمة. انها بحق كارثة... كل المدعوين قدموا اعتذارات واهية... الا صديقي خالد هو الوحيد الذي حضر. نجحت الأسرة في مساعدتي على تخطي هذه الأزمة من دون أي خسائر نفسية... فعلاً، أثبتت هذه الأحداث أن التربية الصحيحة استثمار لا يخسر أبداً... ولكن الذي آلمني هو ما اكتشفته ابنتي الكبرى... دخلت عليّ ابنتي الغرفة ومعها جهازها النقال لتريني صور أصدقائي المعتذرين وهم مجتمعون في أحد المطاعم مع بعضهم في الوقت نفسه الذي لم يحضروا عزيمتي لهم... كانت صورهم قد بعثها أولادهم لبعضهم البعض. عندها، فعلاً اقتنعت بأن أسرتك هي استثمارك الصحيح وما دون ذلك فأنت مغامر بالبورصة.