شيء ما في لوحات الفنان البريطاني، سايمون فليتشر، لابد ان يستوقف مشاهدها، إذ إن هناك أشياء ما في اللوحات تجبر المتلقي على التوقف أمامها، ففي المعرض الذي افتتح، مساء أول من أمس، في فندق الخالدية بالاس ريحان بأبوظبي، يستشعر المشاهد للوحات الفنان البريطاني مدى خصوصية تعامله مع الألوان المائية، إلى جانب عمق علاقته مع الألوان المائية التي سيطرت على لوحاته في المعرض وطوال مسيرته الفنية. عبر 30 لوحة ضمها المعرض الذي يعد الأول للفنان سايمون فليتشر في أبوظبيوالإمارات، يتنقل المشاهد بين بلدان مختلفة، بين الشرق والغرب، عبر العديد من المشاهد الطبيعية التي جسدها فليتشر في لوحاته، التي تنقل فيها من مكان إلى آخر في مزيج غريب يتداخل فيه البحر بالصحراء، والوديان بالمرتفعات والحدائق الغناء، بما يعكس بوضوح ما عرف به فليتشر من شغف عميق بالمناظر الطبيعة، ورسمه للمدن والأماكن، بالقدر نفسه الذي تبرز به افتتانه بالألوان المائية وبراعته في استخدامها، حيث تميز بتقنية خاصة في استخدام هذه الألوان، تعمل على خلق تكوينات لونية في اللوحة تتداخل فيها الألوان من دون فواصل وبطريقة عفوية، حيث يبدو للبعض هذا التداخل نتيجة لانسكاب قطرات من الماء بصورة عفوية أو غير مقصودة على الألوان، لكنه عمد إلى توظيف هذا التماهي اللوني في مناطق مختلفة في لوحاته متجاوزاً التوظيف التقليدي للألوان. وربما قصد الفنان، الذي يرسم لوحاته مباشرة بالألوان من دون عمل تخطيط مسبق لها، كسر القاعدة المتعارف عليها بأن الألوان المائية هي الأكثر صعوبة في الرسم، نظراً لأن الخطأ فيها يفسد اللوحة، بينما يوظف فليتشر ما يعتقده البعض خطأ يفسد اللوحة، ليصبح جزءاً من جمالياتها. تفاعل عميق أعمال سايمون فليتشر أيضاً تبوح بما يتجاوز شغف صاحبها بالأماكن والطبيعة، لكن بتفاعل عميق يجمع بينه وبين المشهد الذي يرسمه، ففي لوحة «الصحراء.. عاصفة رملية»، على الرغم من السكون العميق الذي يكتنف المشهد للوهلة الأولى، إلا أن المتلقي يلمس فيها حالة من الصخب الصامت مع ضجيج رمال الصحراء، وهي تتنقل بحرية مع بوادر العاصفة المقبلة من بعيد، التي يستطيع المشاهد استشعارها في اللوحة، وهو أمر آخر يخلق منه الفنان البريطاني تفرد أسلوبه، فهو لا يتوقف فقط عند تجسيد المشهد الطبيعي الذي يرسمه، لكنه يتجاوز النقل المحايد للمشهد إلى بث مشاعر ما أو تلمس أمر ما يمنح اللوحة حركة خفية. الأمر نفسه يلمحه زائر المعرض في لوحة «الأزرق والأخضر»، التي يجسد فيها فليتشر مشهداً جانبياً لركن من أركان حديقة، تتصدره أشجار باسقة بأوراق خضراء وسوق زرقاء تتحول إلى البنفسجي، بينما انزوى في ركن اللوحة مقعد يترك تساؤلاً في النفس عن أشخاص كانوا هنا يوماً ما، وربما تركوا بعضاً من ذكرياتهم وحكاياتهم على هذا المقعد أو بين الأشجار. أما في لوحة «على سطح الماء» فيجد المتلقي مشاعر ما بالألفة تربطه بالمشهد الذي يجمع بعض القوارب الخشبية الصغيرة تقف متقاربة وقد ربطت إلى جسر خشبي قديم وصغير. مشاهد إماراتية مع تعدد الدول والأماكن التي جسدتها لوحات فليتشر، كان للإمارات نصيب واضح من لوحاته في المعرض عبر أماكن عدة استوقفت الفنان، من بينها الصحراء العربية، وقصر الإمارات الذي قدمه برؤيته الخاصة، وشارع الشيخ زايد في دبي، ولوحة تجمع قوارب على خور دبي وفي الخلفية تظهر البراجيل، وغير ذلك من اللوحات التي ابرز فيها تأثر الفنان العميق بالإمارات وبتفرد مشاهدها، سواء الطبيعية، أو التي تبرز ملامح العمارة والبناء بها. كذلك تبرز أعمال سايمون فليتشر حبه للألوان الربيعية الزاهية، التي تمثل عنصراً مشتركاً في معظم لوحاته، كالأحمر والأصفر والأزرق والبنفسجي والأخضر والبرتقالي، وهي ألوان الطبيعة ذاتها التي تتزين بها الأشجار والزهور والحشائش والبحار والسماء، كما تظهر اللوحات رغبة لدى الفنان لتجاوز التلوين النمطي، بمعنى أن ألوان الحشائش ليست دائماً خضراء، فهي قد تبدو خضراء بتدرجات لونية تنتقل إلى البنفسجي تارة، أو إلى القرمزي أو درجة من درجات الأصفر تارة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لأوراق الأشجار وسيقانها، بما يعكس انشغاله بالبحث في الطبيعة عن ألوان خفية، أو تكوينات متماهية من الوان عدة قد تبدو للنظرة العجولة لوناً واحدً. احتفاء خلال معرض سايمون فليتشر الذي يتواصل حتى الثامن من ديسمبر المقبل، ليواكب احتفالات الدولة باليوم الوطني ال41، عرض الفنان إحدى لوحاته في مزاد علني، على ان يذهب ريعها لمركز النور للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أبوظبي. كما يقدم فليتشر، احتفالاً باليوم الوطني، درساً فنياً يشرح فيه كيفية رسم اللوحات المائية، ومن خلال الدرس سيقدم لوحة للإمارات، مساء الأربعاء المقبل. من جانبه، عبّر مدير عام فندق الخالدية بالاس، ريحان آلان كروبف، عن سعادته باستضافة معرض فليتشر، لافتاً إلى ان الفندق يتميز بتنوعه المعماري، وتعدد ديكوراته التي تراوح بين العصرية والتقليدية، بما يشكل مزيجاً من الحضارات العربية والغربية معاً، وهو ما يجعله المكان المثالي لجذب مختلف أنواع المعارض الغربية والعربية بشتى أنواعها.