لم يسبق لي أن رأيت شخصًا بمثل «بجاحة» وزير الإعلام السوري عمران الزعبي الذي طالب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الجاري، ب»التنحي» والتوجه إلى قطر، وأن عليه وقف العنف في تركيا واحترام إرادة شعبه. فهذا الوزير الذي أُرجِّح وبنسبة كبيرة وقوف بلاده خلف تطور احتجاج سلمي ضد مشروع حكومي لإزالة حديقة عامة في اسطنبول إلى حركة احتجاج واسعة ضد الحكومة، كان الأولى له أن يُطالب رئيسه بشار الأسد الذي قتل نظامه منذ اندلاع الثورة في سوريا في مارس 2011م، قرابة المائة ألف من مواطنيه الأبرياء العزل، وألحق الدمار في أنحاء سوريا، ب»التنحي» والتوجه إلى الصين أو روسيا أو إيران. ما يحدث في تركيا هذه الأيام من احتجاجات وصدامات مع الشرطة، بعدما كانت تظاهرات سلمية، منددة بإزالة حديقة عامة في ساحة «تقسيم» بأسطنبول؛ لإقامة مشروع حكومي في مكانها، لا يمكن تشبيهه ب»الربيع العربي» على غرار ما جرى في تونس، مصر، ليبيا، واليمن، ويجري حاليا في سوريا. فربيع الدول العربية انطلق جراء الأوضاع المعيشية الصعبة لشعوب تلك الدول، إضافة إلى الفقر والبطالة، وديكتاتورية حكامها. كل ذلك يتناقض مع الحالة التركية، فتركيا تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي لم يسبق له مثيل، والحزب الحاكم «العدالة والتنمية» حقَّق إنجازات ضخمة على الصعيد السياسي، والاقتصادي، وإصلاحات إدارية ومالية ضمن ما أصبح يُعرف على المستوى العالمي ب»المعجزة التركية»، إذا ما عرفنا أنه تسلم البلاد في العام 2002م وهي تعاني أزمة مالية خانقة. كما أن القضية الكردية التي تُشكِّل منذ 1987م قلقًا مزمنًا للسلطات التركية، إثر تحوّلها إلى تمرد مسلح في جنوب شرق البلاد، أصبحت الآن في طريقها للحل بعد إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل منذ سنوات عبدالله أوجلان عن وقف إطلاق النار في 20 مارس الماضي في إطار عملية تهدف إلى إنهاء النزاع المسلح الذي أوقع أكثر من 40 ألف قتيل. لذا فإن لا مصلحة لتأجيج الوضع في تركيا إلا للجار السوري، خاصة وأن الحكومة التركية وقفت وبقوة مع الشعب السوري المطالب بحقوقه، فيما طالب رئيس الوزراء التركي، الأسد غير مرة ب»التنحي». كما يبدو أن قرار الاتحاد الأوروبي، القاضي برفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية، قد حرّك عملاء الأسد وإيران في الداخل التركي، لإشعال الاضطرابات؛ لأن الطريق الأنسب لإمداد المعارضة السورية بالسلاح هو عن طريق تركيا، وإجهاض محاولات تمرير الأسلحة عبر الأراضي التركية، عبر افتعال الاضطرابات على نحو ما يحدث الآن، الهدف منه إشغال السلطات التركية وصرفها عن تقديم الدعم للشعب السوري ومساعدته على نيل حريته.