انور سلطان لا شك ان الانقسام في المجلس الاعلى اصبح امرا واقعا، وامسى معضلة مؤرقة. ذلك ان المجلس الاعلى ليس تنظيما سياسيا، بل اشبه بناد مفتوح بلا ادارة. من الممكن ان يعقد افراد في النادي اجتماعهم الخاص بهم وان يضموا للنادي ولاجتماعهم من يريدون، وان يعتبروا انفسهم هم النادي. هذا هو المجلس الاعلى وافراده وهذه هي مؤتمراته. فهم اقل حتى من ناد، لأنه كيان لا توجد له حتى عضوية بمعنى عضوية. فالانتماء اليه بالإرادة الذاتية للشخص وبالقبول الشخصي لمن هم فيه. واذا لم تكن هذه شللية في العمل السياسي فما هي الشللية؟ ولان المجلس هو المهيمن تقريبا على العمل السياسي في الجنوب صبغ العملية السياسية بصبغته الخاصة. يمكن الوقوف على اسباب هذه المعضلة بالعودة الى بعض الافكار التي رافقت انطلاق الحراك. لا يوجد هناك خيار بدون ثمن، وهذا ثمن عدم انشاء احزاب جنوبية تحت دعوى ان الحزبية سوف تفرق الشعب وسوف تجعل مصالح الاحزاب فوق مصالح الوطن، ولابد ان تكون الحركة حركة جماهيرية. وتم الاستعاضة عن الحزبية بادعاء الحركة الجماهيرية. وماحدث ان الحركة الجماهيرية فقدت الحامل السياسي على شكل تنظيمات قوية تحمل اهداف الجماهير ومطالبها. فهل تمت وحدة الصف باستبعاد التحزب، ام سار الامر من الوحدة الى التفرق؟ من الطبيعي ان تبدأ الحركة الاولى المناهضة للظلم موحدة. وعندما تتسع وتتطور ستتشكل تيارات ضمنها نتيجة اختلاف البشر في التفاصيل وان اتحد الهدف (ومن التفاصيل الزعامة نفسها، هل فلان ام علان هو الزعيم). لا بد ان تتحول هذه التيارات الى احزاب منظمة. لكن الدعوة ضد الحزبية ومحاولة صهر الجميع في بوتقة واحدة جعل الاحزاب اليمنية تتسلل الى هذه البوتقة سرا وعلنا وغرس جذروها في الوسط الثوري الجنوبي (لقد ساهمت ظروف الانطلاق في خلق هذه الفكرة ودخول احزاب الاحتلال على الخط). من مصلحة الاحتلال واحزابه الا تتشكل احزاب جنوبية تقطع صلتها بالاحتلال واحزابه السياسية، فلا بد ان تبقى حركة بدون احزاب محددة الاهداف بدقة تقودها، وهذا ما سيمكن الاحتلال واحزابه من العمل في الجنوب ومحاولة خطف حركته او التأثير في مسارها. لا يمكن تفادي الاختلاف في العمل السياسي اطلاقا. وعوضا عن ان يكون الخلاف بين احزاب تستطيع ان تصل الى صيغة مشتركة من وحدة الصف والعمل، اصبح الاختلاف تفاعل مدمر داخل بوتقة خانقة، وانسلال احزاب الاحتلال ووجودها كان العامل المساعد في هذا التفاعل العبثي المدمر الذي لا معنى له. واصبحت الزعامة -وهي سبب في تكوين الاحزاب الى جانب اختلاف البرامج والرؤى- نقول اصبحت الزعامة والزعماء كالثيران المتناطحة داخل حضيرة، كل يريد اخضاع الاخر او اخراجه منها. وهبط الاختلاف من حزبي سياسي يمكن تنظيمه وارداته الى فوضوي شخصي. فالبوتقة لم تمنع الانقسام ولكنها جعلته فوضوي عبثي. وعدم التحزب لم يلغ المصالح الذاتية فوق الوطنية ولكنه جعلها مصالح فردية عوضا عن كونها مصالح حزبية. وكأن عدم التحزب سيجعل الافراد ملائكة ويخرجهم من طبيعتهم البشرية، ويمنعهم من التحزب، ولكنه منعهم من التحزب المنظم والمؤطر والواضح الاهداف والمبادئ. والذي خسرناه هو التنظيم مع بقاء مساوئ البشر ومفاقمتها في جو من الفوضى السياسية. وعوضا عن اختزال الوطن في حزب وهو اقصى ما يمكن ان يحدث من مساوئ التحزب، اختزل الوطن في اشخاص وهو اسوأ اختزال. ولا يمكن تفادي الاختزال الا بمبادئ متفق عليها (ميثاق وطني، او سمه ماشئت) ولا يمكن ايجاد هذه المبادئ بدون تنظيمات سياسية قوية لها مبادئ واضحة ومحددة. عوضا عن ان ادارة العملية السياسية من قبل احزاب ادراها مجلس من افراد، بدعوى انها مجالس شعبية جماهيرية، وان لكل محافظة حالتها الخاصة التي تتطلب هذا العمل. وفي الواقع لا يوجد تعارض بين وجود تنظيمات سياسية والمجالس الثورية في كل محافظة ومنطقة. ان وجود تنظيمات سوف يوجد مجالس قوية منظمة. وعدم وجودها جعل المجالس تتحزب في داخلها وتنقسم على نفسها، فلا هي احتفظت بفكرتها لانها فكرة خيالية اذ لا يمكن اختصار الشعب في مجلس، ولا هي ابتعدت عن التحزب ولكنه تحزب بلا نظام. يمكن ان يحدث انقسام داخل الاحزاب، لكنه انقسام منظم له الية لحله، والاقلية الرافضة تخرج وتشكل حزبها او تنتمي لاحزاب اخرى. ولان مجلس الحراك يدعي انه حركة، مما غيب التنظيم (واقل التنظيم تنظيم العضوية وحقوقها وواجباتها والعقوبات ومنها الفصل، ووحدة القرار بما فيه اقامة الفعالية)، ولانه حركة بلا نظام محكم، جعل الصراع على المجلس نفسه، لان من يكسب في نظر المتصارعين فقد كسب الجماهير. وهذا صراع خيالي لانه على اسم، وعبثي لانه على زعامة لا سياسة. ولا يمكن حله ضمن المجلس لانه اشبه بصراع على تركه (خيالية) غير قابلة للقسمة، الكل يدعي احقيته بها. والحل ترك هذا الصراع من اساسه على اللاشئ الخيالي هذا. فان لم يستطيعوا التوحد في تنظيم سياسي بمعنى تنظيم، فلينشئ كل تنظيمه، الذي يعيد الاختلاف الى السياسية ويرتفع به من خلاف الاشخاص.