رغْم أن زعيم حركة النّهضة في تونس راشد الغنوشي ورئيس الحكومة علي العريّض استبعدا تكرار سيناريو مصر والذي اطاح بحكم الاخوان المسلمين وعزل محمد مرسي عن كرسي الرّئاسة، إلا أن الأنظار الخارجية والدّولية تراقب الواقع لسّياسي التونسي عن كثب. تونس (فارس) ويطرح المراقبون اكثر من استفهام حول مصير تجربة حكم الاسلاميين وانصارهم في تونس في ظل الاوضاع التي تعرفها مصر في هذه الأثناء، سيما وان سياسة حكام تونس وكما يعدها متابعون لهذا الشأن هي عبارة عن امتداد لسياسات الأخوان المسلمين ولتوجهاتهم في المنطقة بصفة عامّة. وللتعمق أكثر في هذه القضيّة كان لوكالة أنباء فارس حوار مع رئيس مؤسسة المجد للدراسات الاستراتيجيّة عبد الوهاب الهانِي: لو تحدثنا في البداية عن رؤيتكم للسيناريو الذي عرفته مصر مؤخرا وللطريقة التي تمت بها ازاحة الرئيس المعزول محمد مرسي عن منصبه؟ اولا ما حصل في مصر هو نتيجة تراكمات للحراك الثوري منذ اشهر وهو نتاج لأربعة اشهر متواصلة من الغضب الشعبي على سياسات الرئيس المعزول مرسي وعلى سياسات الاخوان وخاصة على التدخل السافر للمرشد محمد بديع في شؤون الدولة في حين أنه لا يتمتع بصفة رسمية. وبالتالي برأيي هناك اخطاء قاتلة ارتكبها محمد مرسي لعل اولها الاعلان الدستوري الذي استحوذ بموجبه على صلاحيات كبيرة وفردية إضافة إلى الفشل الذريع على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فقد عجز الرئيس على التصّرف كرئيس لكل المصرين وكضامن للوحدة الوطنية وللسلم الاهلي في مصر بل بالعكس كانت تصرفاته منحازة للإخوان وكأنه مندوب الاخوان في قصْر الرئاسة، هذا ما جعل شرعيته تهتز شيئا فشيئا علاوة على انه كان يعيش حالة من الغرور والتكبر حالت دونه ودون مشاهدة الحقائق والإصغاء الى نبض الشارع الثوري في مصر كما ان هناك اخطاء في التسيير مثل التعيينات الاخوانية التي كان الهدف منها اخونة الدولة ومؤسساتها عبر زرع انصار التنظيم في مفاصل الدّولة في بلد لا يَزال يعيش نسق الثورة وروحها وقد اعتبر أيْضاً ان الانتخاب هو بيعة او مبابعة في حين انه تفويض مشروط من طرف الشعب صاحب السّيادة ويمكن لمن منح الشرعية ان يسحبها وهذا ما لم يفهمه مرسي وكان يتحصن وراء المقولة الخشبية من يريد ان يسقط الشرعية فعليه ان ينتظر الانتخابات المقبلة في حين ان شعوب الديمقراطية هي التي تمنح الثقة وتسحبها متى تشاء وليس متى يشاء الحاكم . وماذا عن تدخّل المؤسسة العسكرية بين سلطة القصر وسلطة الشارع خاصة واننا نعلم تاريخ مصر وعلاقته بالحكم العسكري ؟ تدخل المؤسسة العسكرية لحسم الخلاف والنزاع بين الشارع والسلطة يبقى تدخلا غير مقبول بالنسبة إلى كل ديمقراطي ولكن المهم ان تبنى مصر مؤسساتِها الديمقراطية في اقرب وقت عبر انتخابات حرة وشفافة في القريب العاجل والعمل على حقن الدّماء والابتعاد عن مربع الفتنة والانقسامات. هل ما وصلت اليه الحال في مصر هي فعلا نتاج ديمقراطية الشارع كما يروج لها ام انه مجرد سيناريو ومخطط غربي مبرمج له من خلال التاثير سياسيا وإعلاميا على نبض الشارع المصري لشحنه ضد هذه الحكومة ؟ هناك مؤثرات عديدة يتفاعل معها الحراك الثوري في الشارع المصري ولكن غضب المصريين وخيبة املهم يعبّر عن مشاعرهم حقيقة وعن فشل سياسة مرسي، برأيي لم يصنع الاعلام مثلا ذاك الغضب بل بالعكس كان مؤثرا من المؤثرات بضرورة وقف النزيف والمرور الى انتخابات سابقة لأوانها. كيف ستكون تداعيات كل هذه الأحداث المتسارعة على مصير مصر وكيف سيكون مستقبلها في الايام القليلة القادمة؟ هو وضع صعب جدّا، هنالك انقسام حاد في المُجتمع بين مساندي الرئيس المعزول والرئيس المنصّب، كما أنّ تغذية وسائل الاعلام الموالية للاخوان والمعادية لهم خطير جدّاً وندعو الجميع إلى التعقل وحقن الدّماء والاحتكام من جديد الى صناديق الاقتراع في اقرب وقت، اما عن دعوات الاقتتال والإقصاء والتناحر فهي لن تؤدي إلا الى حرب اهلية لا قدر الله ولكن اعتقد ان الشعب المصري يعيش لحظة تاريخيّة وديمقراطية بامتياز ستكفيه من تكذيب التنبؤات ممن يرغبون في بث الفتنة في مصر. كيف تفسر مباركة دول الخليج "الفارسي" وعلى رأسها السعودية لهذا الانقلاب العسكري منذ ساعاته الأولى ؟ أرجح أن ذلك عائد بالأساس إلى ان الدبلوماسيّة السعودية تريد ان تسترجع دور الريادة في المنطقة بعد ان افتكتها قطر، فالعلاقة بين السعودية والإخوان مُعقدة جدّا وقد دعمتهم في مرحلة اولى وأدمجتهم في مؤسسات الدولة ومولتهم ولكنها فيما بعد دخلت في مرحلة ريبة مباشرة مع انتصار الثورة الإيرانية ما ولد نوعاً من العلاقة الحذرة بينهم وبين الأخوان، ومباركتهم تلك هي عبارة عن رسالة موجهة الى دولة قطر. وفي العموم فإن الوضع الخارجي صعب لان اغلب القوى الدّولية والاقليمية هنأت الشعب المصري على هذه الخطوة ولكنها عبرت عن قلقها من الدور المتنامي للجيش وطالب الجميع بضرورة الإصراع بالاقتراع اي اعادة الشرعية الدّيمقراطية في اقرب الاجال. بربط كل ذلك مع الوضع التونسي وتجربة الحكم الاسلامي فيها فهل ستتأثر تونس بما جرى في مصر ام ان اختلاف التجربتين وطبيعة المجتمعين قد يجعل من ذلك أمراَ مُستبعداَ ؟ هنالك تأثير مباشر في تونس فنحن من صدرنا لهم الثورة وهم الآن يصدرون لنا تصحيح مسار الثورة، لكن اوضاع مصر تختلف عن تونس في وجهين فهي شهدت انتخابات في حين أنّنا في تونس لم ندخل بعد في مسار الانتخابات بل نحن في مرحلة تأسيسية وانتقالية مؤقتة، فالضغط سيكون اولا على المجلس الوطني للتسريع بصياغة لدستور والانتهاء منه في اقرب وقت وبطريقة توافقية تتطلب تنازلات من قبل الاغلبية الترويكية الحاكمة، أمّا الوجه الثاني هو الضغط على الحكومة حتى تستجيب لاستحقاقات الثورة الاقتصادية والاجتماعيّة والتنموية وهو ما يتطلب في اعتقادي تكوين حكومة جديدة تتكون من الكفاءات الوطنية السّياسية والتكنوقراط وتَكون محايدة انتخابية اي لاتترشح للانتخابات المقبلة هذا مع إلزام مؤسسة الرئاسة المؤقتة بهذا المبدأ لضمان تفرغ السلطة التنفيذيّة التام لتصريف اعمال الدولة وليس للحملات الانتخابية السابقة لأوانها. ما رأيكم في حركة "تمرد" التي بدأت بالنشاط في تونس وحققت اكثر من 175 ألف توقيعاً إلى حدّ الآن ؟ هي دليل في اعتقادي دليل على حيويّة النفس الثّوري في تونس وعلى حيوية الشباب وبالتاكيد سيكون لها تأثير باتجاه الضغط ولكني لا اعتقِد في امكانية حل المجلس التأسيسي لان ذلك سيدخلنا من جديد في نفق مجهول كما سيعيدنا الى الوراء وإلى الفراغ السياسي الخطر. فما جرى في مصر يطرح تحديا اضافيا على الدولة التونسية اي هل انها ستتصرف كدولة تحترم مبدأ سيادة الشعوب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ام ستتصرف السلطة التنفيذية في تونس بطريقة حزبية لموالاة انصارها المعزولين في مصر وهو ما ستكشفه الايام القليلة القادمة. نبقى في نفس السياق المحلي، هذه الأيام يحل علينا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ضيْفاً مارايكم بزيارته خاصة في وقت يتزامن مع مناقشة الدستور ولاسيما مُناقشة فصول تحصين الثورة او العزل السياسي الذي يقضي بعزل رموز النظام السابق وكلنا واع بعلاقة فرنسا بهذا النّظام؟ هي زيارة طبيعية جدا بين دولتين تجمعهما مصالح مشتركة كبيرة ففرنسا هي شريكنا الاول على كل المستويات الاقتصاديّة والتجاريّة والعلميّة والثقافيّة وحتى البشرية حيث ان اغلب المهاجرين يقطنون في فرنسا ومعظم السياح والاستثمارات من فرنسا فهي بالتالي شريك رئيسي في تونس واعتقد انها زيارة تأخرت كثيرا وتم تأجيلها لسببين اولهما قلة كفاءة وخبرة مستشاري الرئيس بالاضافة الى حالة الارتباك التي دخلتها الدبلوماسية التونسية مع تغيير الوزير الصهر بالوزير التكنوقراط، والسبب الثاني هو شروط الطرف الفرنسي بان لا تتم الزيارة إلا بعد بدء مناقشة النسخة النهائية من الدّستور. / 2811/