بقلم: بيتر دبليو سينجر، وتوماس رايت ترجمة - إبراهيم عباس مذكرة اليوم في هذه السلسلة من مذكرات النصيحة التي قدمها باحثو معهد بروكينجز للرئيس الأمريكي باراك أوباما مع بداية ولايته الثانية هي للباحثين بيتر دبليو سينجر، وتوماس رايت، وهي بعنوان (عقيدة أوباما بشأن قواعد جديدة للحروب)، وهي تؤكد على أهمية تبنيه لعقيدة محددة شبيهة بتلك التي ارتبطت بالرئيسين ترومان وأيزنهاور في الأربعينيات والخمسينيات والخاصة بالسلاح النووي- حول التقنيات السلاحية الجديدة التي استخدمها أوباما بالفعل في فترة ولايته الأولى، والمتمثلة في هجمات الطائرات بلا طيار (الدرون)، واستخدام الفيروسات في الحرب (السايبرية) كخيار ثالث في مواجهة البرنامج النووي الإيراني. يخاطب الباحثان في هذه المذكرة الرئيس أوباما بالقول: «بذلت إدارتكم خلال السنوات الأربع الماضية جهدًا كبيرًا للحد من التسلح بأسلحة القرن العشرين، وبالأخص السلاح النووي، وهو ما أهلكم للفوز بجائزة نوبل للسلام، لكن شهدت الفترة ذاتها تمهيد الولاياتالمتحدة الطريق أمام استخدام تقنيات جديدة أحدثت ثورة في صنع أسلحة القرن الحادي والعشرين»، لقد أصبح من الواضح أن هناك تغيرًا في لعبة التسلح على مدى السنوات الأخيرة الماضية من خلال ظهور جيل جديد لتقنية متقدمة أحدثت نقلة نوعية بالنسبة لأسلحة لا يستخدم فيها العنصر البشري مثل طائرات الدرون -بدون طيار، أو أسلحة فيروسية تستهدف الأنظمة الحاسوبية لمنشآت صناعية ونووية- وأصبحت الولاياتالمتحدة قائدة هذه الثورة، حيث تمتلك الآن 8000 طائرة درون تحلق في الفضاء، و12000 أخرى رابضة على الأرض، وتستخدم هذه الطائرات بشكل يومي في أفغانستان، ووصلت النفقات العسكرية التي تستخدم في العمليات السايبرية إلى مليارات الدولارات. في نفس الوقت، أصبحت وكالات الاستخبارات المدنية هي الأخرى تستخدم هذه التقنيات بشكل متزايد في سلسلة من العمليات التي لم يعد في الإمكان إخفائها، أو تسميتها بغير مسماها الحقيقي (الحروب السرية) بعد أن تسربت إلى وسائل الإعلام، وأصبح من المعلوم أن هناك حوالى 400 هجمة قامت بها طائرات درون في أماكن مثل باكستان واليمن، كما نشرت الولاياتالمتحدة فيروس «ستوكسنت» لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، بما يعتبر أول استخدام من نوعه لهذا السلاح «السيبري». هذا النوع من الأسلحة الجديدة يبدو متقدمًا بشكل كبير، لكن الأمر لا يمثل سوى بداية الطريق، حيث يتم الآن تطوير هذه التقنيات لإنتاج المزيد من الأسلحة التي تستخدم عددًا أقل من القوى البشرية، وتتوفر فيها القدرة على العمل في ظروف ونطاق أوسع، بحيث يمكن القول: أننا ما زلنا على أعتاب عقود طويلة لثورة جديدة في عالم الحروب، يمكن مقارنتها بالقرن الماضي مع بداية صنع القنبلة الذرية، وما أعقبها من تطوير، قس صناعة الأسلحة النووية (القنبلة الهيدروجينية، والنيوترونية،...الخ). التوصية تبدو الفرصة سانحة لك الآن لوضع عقيدة تضم المعايير التي يتعين على الولاياتالمتحدة من خلالها تطوير ونشر هذا النوع من الأسلحة الجديدة، بحيث يكون الهدف تأسيس إطار عام للكيفية التي تستطيع واشنطن من خلالها تقييم هذه التقنيات الجديدة وتحديد مساراتها المستقبلية، بحيث يهدف الجهد المبذول إلى وضع معايير للاسترشاد بها في ضوء دروس الماضي، ومن خلال المقارنة في المواقف، على أن يتوج ذلك كله بخطاب رئاسي. الخلفية أصبحت هذه الأسلحة الجديدة صفة لصيقة بالسياسة الخارجية لإدارتكم، وقدمت خيارات جديدة للعمليات العسكرية التي أثبتت أنها أكثر دقة، وأقل تكلفة، من الخيارات التي كانت متاحة في السابق، فقد استخدمت هذه العمليات مرارًا في ضربات ناجحة، أنقذت فيها أرواح العديد من الجنود الأمريكيين ن واستئصال قادة إرهابيين، وأيضًا كطريقة ثالثة في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، بيد أن ما كان يعتبر في الماضي القريب من قبيل روايات الخيال العلمي، ثم أسلحة على جانب كبير من السرية لم يلبث أن أصبح حقيقة واقعة. بل أن هذا السلاح لم يلبث أن انتشر، ولم يعد يقتصر على الولاياتالمتحدة، ففي نهاية العام 2012 أمكن حصر 76 دولة لديها برامج روبوتات عسكرية و100 دولة أخرى لديها قدرات «سايبرية»، كما ازداد الجدل على المستوى العالمي حول هذه الأسلحة، بما شكل ضغوطًا متزايدة على المصالح السياسية للولايات المتحدة تتراوح بين الجدل الدولي حول حملة الضربات التي تقوم بها طائرات الدرون، وتعيين ممثل للأمم المتحدة لدى الحملات التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية لحظر الجيل التالي من التقنيات التي تهدف إلى تطوير هذه الأسلحة. لكن ثمة ما يدعو إلى التفاؤل حيال هذا الموضوع، فأخيرًا، وبعد سنوات من الصمت، بدأت حكومة الولاياتالمتحدة بذل الجهود لوضع السياسات، والانخراط في الجدل المتزايد حول هذه القضية، وهو ما يتضح في عدة مظاهر تتراوح بين الخطابات التي يلقيها مساعدوك والتي يعترفون فيها باستخدام هذه التقنيات في مجال مكافحة الإرهاب والوثائق التي تتحدث عن الجيل الثاني من هذه التقنيات، ما هو الرهان الأكبر مستقبلاً؟ عندما بدأت الولاياتالمتحدة التسلح بالسلاح النووي في الأربعينيات والخمسينيات، انخرط الرئيسان ترومان وايزنهاور في محاولة فهم أفضل لتقنيات هذا السلاح الجديد، وأفضل عقيدة لاستخدامه، وتأثيراته الجيوسياسية المحتملة على توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولم تكن تلك العقيدة التي وضعت في تلك الأيام تهدف إلى الاستمرار طويلاً، وإنما كانت مرهونة بفترة زمنية محددة، كما أنها لم تتضمن حلولاً لكافة مشكلات الحقبة النووية، لكن هذه الجهود أثبتت أهميتها فيما بعد، فقد وضعت البيئة الإستراتيجية في أجواء أفضل، ليس فيما يتعلق بالنزاع مع الخصوم فقط، وإنما أيضًا في العلاقة مع الحلفاء، كما ساعدت على وضع معايير للجدل حول هذا الموضوع على المستويين المحلي والخارجي، مما ساعد على وضع الكونجرس وعامة الأمريكيين أمام عالم تسود فيه تقنية جديدة وما تفرضه من مسؤوليات جديدة بالتوازي. اليوم يتعين على الولاياتالمتحدة البدء في اتباع نفس النهج، مع بداية ظهور هذه التقنيات الجديدة في صنع أسلحة القرن21، بحيث يمكن الإجابة على الأسئلة التالية: - ما هي أهم الأهداف الإستراتيجية والمبادىء التوجيهية التي ينبغي أن تحكم تطوير هذه التقنيات الجديدة؟ وهل هناك أي محددات ينبغي وضعها، أو مناطق يتم فيها حظر تلك التقنيات؟. - هل القانون الدولي الراهن كاف لتغطية تطوير واستخدام هذه التقنيات.. أم أن هناك فجوة يتعين ملئها؟. - ما هو الخط الفاصل بين الاستخدام العسكري والمدني لهذه التقنيات؟، وهل يمكن اعتبار هذه التقنيات حتى لو تمت بشكل سري بأنها عملاً من أعمال الحرب؟. - هل هناك أي قواعد هامة في كيفية تقييم الولاياتالمتحدة استخدام دولاً أخرى لهذه التقنيات ضد الولاياتالمتحدة؟ - كيف تخطط الولاياتالمتحدة إزاء التعاون في تطوير واستخدام عقيدة بهذا الشأن مع حلفائها الرئيسين ؟ - هل وضعت الولاياتالمتحدة في اعتبارها أنه ما دام استخدام هذا النوع من التقنيات لا يؤدي إلى وقوع ضحايا في صفوف جنودها، فإن ذلك سيشجعها على خوض المزيد من الحروب؟ هنالك حاجة لأن تكون واقعيًا إزاء الممكن، فمثلما كان الأمر مع عقيدة الأسلحة النووية، والإجابات على تلك الأسئلة -لن يبقى إلى الأبد- فسيأتي يوم وتتغير تلك العقيدة أيضًا، لكن يظل الهدف هو تحديد مستوى معين من الرؤية الرئاسية تملأ الفجوة الحاصلة اليوم في النقاش، وتشكل -في ذات الوقت- إضاءة لسياسة الغد. السلبيات ربما أن البعض يرى أن حديثكم عن هذه التقنيات الحديثة سيعتبر بمثابة إفشاء لأسرار تلك التقنيات التي يمكن للخصوم الاستفادة منها، وأنه، لأجل ذلك، يفضل لزوم الصمت، فيما يرى البعض الآخر أن الأفضل توقيع معاهدة دولية لوضع الضوابط الخاصة بهذه التقنيات الحديثة، لكن لا يبدو ذلك صحيحًا، فكلما قل الكلام في هذا الموضوع كلما اتسعت الفجوة التي سيسعى الآخرين إلى ملئها، وبطرق قد تضر بالمصلحة الأمريكية، كما أن أي معاهدة أو اتفاقية حول تلك التقنيات لن تكون لها قيمة ما لم يتم التوقيع عليها من قبل الجميع. ولأنك قمت بالفعل باستخدام هذه التقنيات، ولكن بدون إعطاء أي تفسيرات، فإن هذه السوابق ستستغل من البعض الذين سيستخدمون تلك التقنيات «لأن أمريكا استخدمتها من قبل»، لكن الأسوأ أن تستخدم تلك التقنيات في مجالات لا يمكن التنبؤ بها، المنظمات الدولية بدورها ستمضي قدمًا في إجراء التحريات، وتقديم المقترحات حول وضع معاهدات جديدة، ستكون -إضافة إلى الاحتمال الأكبر بعدم فاعليتها- مدعاة لعزل الولاياتالمتحدة واستنزاف قوتها الناعمة، أما على صعيد الوطن، فإن المؤسسات التي تدعم استخدام هذه النقنيات سيقل دعمها كلما ابتعدنا زمنيًا عن هجمات11 سبتمبر. الخلاصة يشكل الخوض في هذا الموضوع خطوة متواضعة، لكنها تشمل العديد من المزايا، ولن تكلف خزينة الدولة شيئًا، وهي بطبيعة الحال أفضل من لزوم الصمت، فكل ما هنالك أنك ستطرح رؤيتك، وستؤدي مشاركة أفكارك مع الآخرين إلى تطوير سياسة داخلية واضحة عبر الوكالات الحكومية المتعددة، والتقليل في ذات الوقت من القلق لدي المواطن الأمريكي وفي الخارج أيضًا، وكونك القائد العام للقوات المسلحة، فإن ذلك سيؤدي إلى وضع معايير دولية تسهم في في عزل الدول غير المرغوبة، ومساعدة واشنطن لتكون القائدة لهذا النوع من التقنيات الحديثة في مجال التسليح.