لسنوات طويلة ادَّعى أحد المرضى النفسيين وجود قطة بداخله، تسبِّب له آلاماً حادة.. ولعدم قدرة الطبيب على تفنيد هذا الادّعاء الغريب فقد حاكى إجراء عملية جراحية له. وبعدما أفاق المريض من المخدّر أراه الطبيب قطةً سوداء زاعماً أنه أخرجها من بطنه، وأن متاعبه بذلك قد زالت تماماً؛ فما كان من المريض إلا أن قاطعه معترضاً: معذرةً أيها الطبيب، لكن القطة التي تسبب لي المتاعب بيضاء اللون. حيل الإنسان لتبرئة نفسه من العيوب والاتهامات كثيرة جدًّا، منها تكتيكٌ دفاعي، يُسقط من خلاله أخطاءه ورغباته المحظورة على الآخرين؛ فيعمد إلى اختيار أحد المحيطين به؛ ليثير حوله الشكوك والأكاذيب.. ولَكَم يسهل هذا "الإسقاط" حينما يأتي على الحلقة الأضعف.. وليس أضعف ولا أعجز عن دحض الشكوك وردّ الأكاذيب من حيوان أعجم.. وليس شاهداً حاضراً على هذا التكتيك الخاطئ كقصة إخوة نبي الله يوسف عليه السلام والذئب البريء من دمه. من بين المواقع الإخبارية التي اعتدت تصفّحها موقع قناة "DW " الفضائية الألمانية.. نقل مؤخراً ما تداولته بعض وكالات الأنباء عن "أكثر الكائنات الحيّة فتكاً بالإنسان" فكان "القرش الأبيض، الكوبرا، ضفدع السهم، النحل القاتل والعقرب الأصفر".. ورغم ما فطر الله عليه هذه البهائم والزواحف والحشرات من عضّ مهشِّم ولدغ سام.. إلا أن ذاكرة القرن العشرين لم تنطق أبداً بمسؤولية أيّ منها عن قتل قرابة مئة مليون من البشر، هلكوا في الحربين العالميتين وحرب فيتنام والحرب السوفييتية الأفغانية وحروب البلقان والشيشان وغيرها، وغيرها. ماذا لو استفحل "الإسقاط" في وكالات الأنباء، وتمادت رغبتها في محو أخطاء الجنس البشري الفادحة؛ فتجرأت على مخلوقات الله التي ألفتنا وألفناها، وحمّلت الحمائم المسؤولية عن رمي البراميل المتفجرة، والقطط المسؤولية عن تفخيخ السيارات، والأغنام المسؤولية عن تخصيب اليورانيوم؟!