في مثل هذا اليوم من العام 1982م ، صعدت روح السيدة العدنية ماهية محمد عمر الشيبة ، المعروفة باسم ماهية نجيب ، إلى بارئها ، بعد ابتلائها بمرض السرطان . وكانت حياة هذه السيدة حافلة بالمآثر النضالية والمواقف الشجاعة ، في ميدان الدفاع عن حقوق الإنسان ، عموماً ، والمرأة تحديداً . وقد خاضت ، السيدة ماهية نجيب ، غمار نضالها الاجتماعي والسياسي عبر مجلتها الأثيرة ، آنذاك ، "فتاة شمسان" ، التي كانت منبراً إعلامياً ضاهى منابر إعلامية مطبوعة ، كان لها شأن في تلك الفترة . ورغم حداثة التجربة (إذ كانت المجلة الأولى والوحيدة في عدن والجزيرة العربية عموماً ، التي تعنى بالمرأة) وقصر عمرها(1960م 1966م)، إلا أنها استطاعت أن تكوّن شبكة واسعة من القراء ، ويتبين ذلك من خلال كثافة الرسائل التي كانت تتلقاها المجلة ، وتقوم بنشرها في حينها. الحديث عن السيدة ماهية نجيب ذو شجون ، فريادتها لم تكن على المستوى الإعلامي والصحفي ، فحسب ، بل كانت ذات نشاط أخاذ في العمل الاجتماعي الخيري ، من خلال جمعية عدن للنساء ، التي ساهمت في إنشائها مع عدد من النساء العدنيات المقتدرات، لتقديم الدعم الاجتماعي والعون المادي والعيني للأسر العدنية الفقيرة ، وللقضاء على أمية النساء الأبجدية ، من خلال تعليمهن في مقر الجمعية . كما شجعت الجمعية المرأة في مجال الاقتصاد المنزلي ، بتعليم الفتيات بعض الحرف اليدوية ، كالخياطة والتطريز وفن الطبخ . ورغم كل ذلك ، لم تجد هذه السيدة غير الخذلان ، وانتزاعها من مدينتها غصباً ، لتدفن تحت ثرى غير ثراها .. بإيجاز ، فإن السيدة ماهية نجيب كانت واحدة من نساء كثُر في مدينة عدن الباسلة ، اللاتي كانت لهن أدوار مشرفة في ساحات النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي . تلكم النساء اللاتي كسرن جدار الخوف والعزلة والانكفاء ، ودخلن التاريخ من أوسع أبوابه ، رغم التنكر لهن ، وتغييب الكثير منهن من صفحات التاريخ المكتوب بأيدٍ ذكورية ، متناهية في الخبث والمكر والجحود. د. أسمهان العلس ، واحدة من نساء ذلك الزمن النضالي ، ما زالت تحمل في ثنايا روحها عبق الماضي الجميل ، وتحتفظ بين جنبات قلبها الكبير بذكريات نضالها السياسي والوطني مع رفيقات الدرب . ذلك العبق وتلك الذكريات ، كانا حافزاها للمضي قدماً في ذات المسير .. وكان هذا بمثابة التحدي على الواقع الذي تعيشه اليوم ، ولم تكن تعرفه عدن ، ولا إنسان عدن ، في مختلف الحقب التاريخية من تاريخ المدينة . هذه المرأة الشامخة ، المنافحة ، المكافحة .. سجلت ، للتاريخ ، تاريخ عدن ، وتراث عدن ، ونضال نساء عدن ، ليعتبر أولوا الألباب ، وليتفكروا ويقدّروا .. هذه المرأة قلبها اليوم يتوجع ألماً وكمداً ، وهي ترى تراث مدينتها يندثر ويُنهب ، نهاراً جهاراً . وهي تعلم ، علم اليقين ، بأن هناك من يتآمر لطمس هوية مدينتها المنكوبة .. فهل من مدّكر ؟