يبدو أن الديمقراطية محدودة بما يريده الأمريكان؛ فالنهج الذي يسير عليه البيت الأبيض في إقرار الديمقراطية لا ثبات له فأحياناً يكون أساسه صناديق الاقتراع وأحياناً انقلاب عسكري وأخرى عمليات عسكرية. طهران (تقرير-فارس) لقد أصبحت الازدواجية ميزة لازمة لا تنفك عن السياسة الأمريكية فلم يشهد العالم حتى الآن زخماً دعائياً في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية البيان كما هو موجود في الولاياتالمتحدة الأميركية وكأن المسؤولين الأميركان هم رسل السلام العالمي! والواقع أن توجهات البيت الأبيض وجميع المسؤولين الأميركان تنصب في مصلحة الحكومة الأميركية فحسب، وأما المزاعم التي يطبلون لها ليست سوى وسيلة لتحقيق أهدافهم المشروعة وغير المشروعة لدرجة أنهم حرمهوا شعبهم أيضاً من حرية التعبير. وهذه الحقيقة المرة تتجسد اليوم بأسوأ صورها في تعامل واشنطن مع الملف السوري، فقبل اندلاع الأزمة السورية كانت الانتخابات الشعبية تعد أفضل رمز للديمقراطية في أي بلد من بلدان العالم ولكن بعد تأزم الأوضاع في هذا البلد وبعد "الانقلاب العسكري" الذي أطاح بحكم محمد مرسي في مصر تغير مفهوم هذه الديمقراطية، الأمر الذي أيده الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين قال: الديمقراطية لا تعني اللجوء إلى صناديق الاقتراع فحسب بل لها صلة بطريقة التعامل مع الأقليات أيضاً ومع كل من يرى أن له صوتاً يجب أن يسمع. إن هذا الكلام في غاية العجب ولا سيما حينما يصدر من رئيس بلد يدعي أنه حامل لواء حرية التعبير والمعتقدات وأنه المدافع عن حقوق الشعوب في العالم لدرجة أنه أثار اعتراض صديق واشنطن الحميم رجب طيب أردوغان أيضاً! إذ قال بعد أن سمع هذا التصريح العجيب: الغرب يدعي اليوم أن الديمقراطية لا تعني ما تتمخض عنه صناديق الاقتراع، لكننا نعلم أن ما يخرج من صنادق الاقتراع هو رأي الشعب. والحقيقة أن سبب هذا التناقض الصريح هو السعي لتحقيق هدف غير مشروع من قبل واشنطن ألا وهو استئصال أحد محاور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط حيث أجج الصهاينة والأميركان وذيولهم في المنطقة نار الفتنة في سوريا قبل عامين وقدموا دعماً لا محدود للمسلحين والإرهابيين الذين عاثوا في الأرض فساداً لكن دون جدوى، وحينما لم يجدوا بداً من الإطاحة بالحكومة السورية تذرعوا بتهمة سخيفة لتحقيق هذا الهدف الدنيء فزعموا أن الجيش السوري استخدم أسلحة كيميائية لتمهيد الأرضية لشن هجمة عسكرية ضده وأرسلوا وفداً أممياً لإضفاء صبغة رسمية على مزاعمهم بعد أن يأسوا من مساعي حلفائهم ومؤامراتهم لإحباط عزم الشعب السوري في مقاومة الإرهاب وحاولوا إحياء المجاميع الإرهابية التي واجهت هزائم مخزية وعانت من انشقاقات كبيرة. والمثير للعجب أن أوباما قد اشترط تدخل بلاده في الحرب ضد سوريا بشكل مباشر باستخدام الجيش السوري للأسلحة الكيمياوية، ولكنه استبق الأحداث وقبل أن يقدم الوفد الأممي تقريره لمعرفة مصدر إطلاق هذه الأسلحة قرر شن هجمة عسكرية على بلد جريح قطعت أوصاله حرب داخلية مقيتة. يقول أحد الخبراء الأميركان البارزين: الولاياتالمتحدة تعارض كل مشروع ديمقراطي في العالم والسبب في ذلك أنها لا ترغب بوجود أي نظام ديمقراطي لا يمتثل إلى أوامرها، وقد أدت السياسة الأميركية إلى إيجاد أعداء لواشنطن في جميع أصقاع المعمورة لذا من الطبيعي أن يشعر ساسة البيت الأبيض بالامتعاض من وجود أنظمة ديمقراطية لا تنصاع للسياسة الأميركية. وأضاف قائلاً: عندما يتحدث المسؤولون الأميركان عن الديمقراطية فإنهم يقصدون بذلك الأنظمة التي تطيعهم طاعة عمياء ولكن لو أن أنظمة نفس هذه البلدان تغيرت وجرت انتخابات حرة فيها وجاءت حكومات لا تتبع أوامر واشنطن فإن الأميركان يزعمون أن هذه الانتخابات لم تكن ديمقراطية! ومثال ذلك ما حدث في فلسطين عام 2006 عندما حصلت حماس على أغلبية ساحقة آنذاك. /2336/