د. صادق القاضي لديّ عقدة قديمة من رياضة كرة القدم، فلعبة حافية بين شواهد قبور، واندفاعات ثيران، وملاسنات واشتباكات.. تخرج منها بكدمات وجروح وخصومات.. هي لعبة ملعونة، مثلها مثل سياسة البلدان النامية، ففي الحالتين لا وجود لسلاسة ولياقة وفن واحتراف.. هناك شِلل وفشل، وانفعال وارتجال وفساد.. ولا قواعد للاشتباك..!! تخلو اللعبة السياسية من براءة الأطفال، لكنها مفخخة بطريقتها ب"شواهد قبور، واندفاعات ثيران، واشتباكات.. وكدمات وجروح وأحقاد.." وفشل وهزائم كارثية.. تاريخنا السياسي القريب، أشواط ومباريات ودوريات وتحديات.. لم نخسرها فقط، بل خسرنا أنفسنا أيضا، ولم نكن نملك إلا أن نخسر، فقد كان بروز لاعب بارع يشكل خطرا على مستقبل النادي، ووجود نادٍ متميز يهدد تركيبة الاتحاد، ووجود منتخب محترف يمثل خروجا على قواعد اللعبة.. وفي مواسم التصفيات، كانت القواعد تقضي ب(تصفية) كفاءات ولاعبين ونوادٍ واتحادات.. وإزاحتهم بطرق مختلفة من اللعبة التي كانوا هم روحها الحقيقية..!! في مقبرة القرية اشترط صاحب أرض محاذية أن يكون ابنه السارح دائما لاعبا دائما وإلا..، وعجوز فضولي اشترط توقف اللعب وقت الصلاة وإلا..، كان هناك مراهق شرس يأتي في أي وقت من المباراة، ويريد أن يلعب، وإلا..، وبلطجي أحول يصر أن تحسب ركلاته في ملكوت الله أهدافا وإلا.. فضلا عن: من كان يلعب بأطرافه الأربعة، ومن يثير الغبار بطريقة عجيبة، ومن يحلف بطريقة مخيفة، ومن لا يجيد سوى (الحكولة).. وفي أول مواجهة بين فريقنا وفريق القرية المجاورة، كانت النتيجة(0 : 31) لصالحهم، ولم يستطع الشرس ولا البلطجي ولا الحلاف ولا المحكول ولا مروحة الغبار.. تغيير شيء من تلك النتيجة القياسية الفادحة..!! لم نعتبر تلك الهزيمة المدوية مجرد عثرة، ولم نتهم الحارس بالخيانة، كما يفعل الساسة عادة، في السياسة أيضا صاحب أرض محاذية، وفضوليون، وحلافون وبلاطجة ومراهقون ومراوح غبار.. أفسدوا الحياة السياسية، ولا أمل في اعتزالهم سياستهم الهوجاء، كما اعتزلنا نحن أطفال المقبرة الكارثة، رياضتنا الهوجاء، لقد تفوقنا عليهم ببساطة ، فلم نكرر الفشل، بينما يكررونه كابرا عن كابر . أدركت لاحقا، من خلال متابعة منتخبات وانتخابات العالم الأول، معنى السياسة ولعبة كرة القدم، هناك فن واحتراف وأصول وروح رياضية.. لا تعرفها رياضة المقابر الضيقة، ولا سياسة المقابر الكبيرة..! لقد كان من الطبيعي أن نخسر الرياضة والسياسة معا، وكان بالإمكان ربحهما معا، بشيء من المداخلة المنهجية بينهما، لصالح الجانبين، مع توخّي الحذر، فقد تنفجر الكرة في يد السياسي، كما قد يصبح السياسي بالرياضة أكثر مراوغة ومكرا، وأيا كان الأمر، لا بد من سياسة رياضية ورياضة سياسية: روح رياضية للسياسة تهذب القرار، وخطة سياسية للرياضة، تجنب المشجعين مخاطر أزمات القلب. *اليمن اليوم