د. محمد سالم الغامدي المؤكد أن التربية تتحمّل الدور الأكبر في تهذيب السلوك الإنساني وتطويعه وبناء الكيان الأخلاقي للمجتمعات وفق مُحدّدات التعليمات السماوية التي جاء بها الأنبياء والرسل وخير الدلائل على ذلك ما ورد في كتابنا العظيم "القرآن الكريم" من آيات كثيرة وردت بصورٍ مختلفة تحثُّ على وجوب ممارسة القيم والسلوكيات القويمة ونبذ ممارسة القيم والسلوكيات المنحرفة وما ورد أيضًا عن وصف نبيّنا وحبيبنا وشفيعنا محمد بن عبدالله في قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّما بُعِثت لأُتَمِّم مكارم الأخلاق)، وانطلاقًا من تلك المكانة العظيمة لقيمة ومكانة الجانب التربوي فقد أولته المجتمعات الإنسانية جل اهتمامها وخاصة في مؤسسات التعليم التي تهتم في مضامينها ببناء الأجيال وتهيئتها لممارسة المناهج الحياتية. وفي بلادنا والحمد لله تقوم المؤسسة التعليمية بهذا الدور الهام، حيث نراها ضمنته الجزء الأول من تسميتها "وزارة التربية والتعليم" اعترافًا بأهميته البالغة في تحقيق مبادئ التكافل والتراحم والتسامح والتواد والعدل والمساواة ونبذ العنف والكذب والرياء والنميمة ومنظومة طويلة من القيم والمبادئ الكفيلة ببناء المجتمع الإسلامي الفاضل، ولكن المتلمس لواقع الميدان التعليمي لدينا يجد أن هناك تباطؤًا في الآليات والمناشط الداعمة لهذا الجانب العظيم، حيث إن الملاحظ تكثيف الجانب المعرفي والمهاري على الجانب التربوي، مما أوجد تنامي بعض المخالفات السلوكية والقيمية في الممارسات الحياتية للطلاب والطالبات داخل المدرسة وخارجها، وهذا القصور أثبتته بعض الدراسات التربوية التي نفّذها بعض الباحثين في جامعاتنا السعودية، والتي أوردت بعض النتائج المحبطة كتنامي حالات ممارسة العنف داخل المدارس وخارجها، ونشوء بعض ممارسة السلوكيات المنحرفة وتناميها لدى البعض، كسلوك العبث بالممتلكات العامة، وتعاطي المخدرات، والتمرد على تعاليم الدين والعادات والتقاليد الاجتماعية، وما يُسمَّى بالبويات لدى الفتيات، وبالهجولة لدى الأولاد وما شابه ذلك، وجميع تلك السلوكيات بالتأكيد حتمًا سينتج عنها حالة من الفراغ الوجداني الذي سيترتب عليه أيضًا نشوء بعض الأمراض النفسية، كالاكتئاب والانطواء والانتحار والوسوسة والهلوسة وغيرها من السلوكيات المنحرفة. ومن المؤكد أيضًا أن العوامل المحيطة بطلابنا وطالباتنا تلعب دورًا بارزًا في نشوء مثل تلك السلوكيات المنحرفة كالتدفق التقني الهائل في مجتمعنا، مما أدى إلى الانفتاح غير المنضبط على العالم دون حسيب أو رقيب، وكذلك الانفتاح الإعلامي الهائل من خلال الإعلام الجديد، كل ذلك أدى إلى تدفق تلك السلوكيات بدرجات تأثير عالية إلى أبنائنا وبناتنا وتقمصهم لها بسهولة، وخاصة في ظل ذلك الضمور التربوي الذي تشكوه مؤسساتنا التربوية وعدم وضعها في الاعتبار في مناهجها ومناشطها لتلك المتغيرات، وهذا بالطبع يستوجب من القائمين على المؤسسة التعليمية أن يلتفتوا سريعًا إلى معالجة ذلك الخلل، وألا يلقوا باللائمة على الإعلام أو على البيئة المدرسية التي تشكو من ثقل العبء التدريسي في الجانب المعرفي والانشغال بالشكليات التي قد تُضلِّل أحيانًا وقد تعطي صورة ضبابية عن الواقع التربوي في المؤسسة التربوية، وكم أتمنى أن تقوم الوزارة بتشكيل هيئة دائمة ذات اختصاص اجتماعي ونفسي وشرعي، لتضع مثل تلك البرامج والأنشطة حتى تصبح في حيّز التنفيذ قريبًا، وأن تتولى تلك الهيئة مهام المتابعة والمحاسبة لواقعها بعد التطبيق، وأنا على يقين تام أن الاهتمام بالجانب التربوي في مدارسنا سيكون له الأثر البالغ على سلوك مجتمعنا على المدى القصير والبعيد، فطلاب اليوم سوف يكونون المكونات الشاملة لمجتمع الغد. والله من وراء القصد. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (43) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain المزيد من الصور :