كشف الدكتور نايف بن سلطان الشريف أستاذ القانون التجاري المشارك، بكلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، عدم جواز اتفاق الجهات الحكومية على التحكيم إلا بعد أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء، لافتا إلى أن نظام التحكيم الجديد لم يتضمن أية نصوص تتعلق بجواز أو عدم جواز اتفاق الشركات المملوكة للدولة للتحكيم، واضاف: هناك إشكاليات في نظام التحكيم التجاري، معتبرا أن التحكيم من أهم أدوات حل منازعات التجارة الدولية الخاصة وقد اهتمت جميع الدول إلى إصدار قوانين تحكيم تتسق مع قانون التحكيم النموذجي (UNICITRAL) وذلك بهدف توحيد المسائل التجارية وزيادة التبادل التجاري واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية. وقال الشريف ل»المدينة» ان تدخل السلطة التنفيذية بإحالة قضايا بعض الشركات العامة للقضاء الإداري سيكون له انعكاسات سلبية على حيادية القضاء الإداري. واوصى الشريف بعدم التدخل في المسائل المتعلقة باختصاص المحاكم وجعل المحاكم التجارية صاحبة الاختصاص بنظر منازعات الشركات العامة في جميع الأحوال... المزيد من التفاصيل في سياق الحوار: بنية تنظيمية * ما الصعوبات القانونية التي تواجه الشركات الحكومية؟ **تواجه الشركات المملوكة للجهات الحكومية عدة صعوبات قانونية من أهمها عدم وجود بنية تنظيمية لهذه الشركات، يمكن من خلاله معرفة المركز القانوني لهذه الشركات، كما أصدرت المملكة مؤخرًا نظامًا للتحكيم اشتملت مواده على تنظيم للتحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، وقد تغلب النظام على الكثير من الصعوبات التي اشتمل عليها النظام القديم ولائحته التنفيذية، اضافة لقيود تتعلق بعدم جواز اتفاق الجهات الحكومية على التحكيم إلا بعد أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء، نظام التحكيم الجديد لم يتضمن أية نصوص تتعلق بجواز أو عدم جواز اتفاق الشركات المملوكة للدولة للتحكيم، وبالتالي فإنه لا يعلم ما إذا كان القيد الوارد في المادة العاشرة من نظام التحكيم يسري أيضًا على الشركات العامة التي تمارس أعمالها وفق أسس تجارية. *ما الشركات التي يشملها هذا القيد؟ **طبقًا لنظام التحكيم الجديد، لا يجوز لكافة الجهات الحكومية أن تدخل في اتفاقيات تحكيم إلا بعد أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء المسبقة، وهذا القيد يشمل الشركات المساهمة العامة المملوكة بالكامل للدولة والشركات العامة التي تحصل على إعانة من الدولة فضلًا عن الشركات التي تمتلك الدولة ربع رأس مالها وأكثر، وهذه الشركات كالجهات الحكومية الأخرى يجب عليها أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء المسبقة قبل الاتفاق على التحكيم، كما انها لا تملك التصرف في حقوقها وذلك بسبب القيود الرقابية لنظام ديوان المراقبة العامة ونظام المشتريات الحكومية، ولا يسري القيد أعلاه على الشركات التي تساهم الدولة بأقل من ربع رأس مالها والشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بالاشتراك مع دولة أخرى وبالتالي فإنه يمكن لهذه الشركات اللجوء إلى التحكيم بدون أخذ موافقة رئيس مجلس الوزراء، إن الحظر الوارد على الشركات المساهمة العامة لم يفرق بين التحكيم المحلي والتحكيم الدولي كما أنه يشمل جميع العقود التي تدخلها الشركات المشار إليها أعلاه سواء كانت عقود مدنية أو تجارية أو إدارية. ولذلك فإن النظام جاء مخيبًا للآمال بسبب توسيعه من مجال حظر الاتفاق على التحكيم للجهات الحكومية ليشمل كافة معاملاتها الداخلية والدولية. نزاعات محلية * اين الاجتهاد القضائي السعودي هنا؟ **أثبت الاجتهاد القضائي السعودي أن أحكام التحكيم المتأتية من نزاعات محلية أو دولية والمبنية على اتفاقات تحكيم بالمخالفة للمادة (10/2) من نظام التحكيم الجديد تكون عرضة لدعوى البطلان استنادًا إلى الفقرة (1/أ) من المادة (50) من ذات النظام والتي تجيز دعوى بطلان حكم التحكيم إذا كان هذا الاتفاق باطلًا، أو قابلًا للإبطال، كما أثبت الاجتهاد القضائي لديوان المظالم أن أحكام الشريعة الإسلامية المتمثلة في أهمية الوفاء بالعقود ومبدأ حسن النية في التعاقد وعدم نقض الالتزام تسير جنبًا إلى جنب مع المبادئ التي ترتكز عليها هيئات التحكيم التجاري الدولي، ولا يختص القضاء الإداري كقاعدة عامة بنظر المنازعات التي تنشأ بين الشركات العامة وغيرها من الشركات الخاصة الأخرى إذ إن القرارات التي تصدرها تلك الشركات العامة لا تعد قرارات إدارية لأنها تمارس أعمالها وفق أسس تجارية بحتة، وبالتالي يندرج الاختصاص في نظر منازعاتها للمحاكم التجارية. تفسيرات القضاء السعودي *ما معايير نجاح التحكيم التجاري الدولي في المملكة؟ **نجاح التحكيم التجاري الدولي في المملكة يرتبط بشكل رئيسي بموقف القضاء السعودي تجاه التحكيم وكيفية تفسير وتطبيق نظام التحكيم بشكل يتواءم مع مبادئ ومتطلبات التجارة الدولية والاجتهاد القضائي المعمول به في الدول المتقدمة عمومًا وفرنسا على وجه الخصوص. لذلك فإن ثمة حاجة لتطوير مهارات القضاة من خلال تحفيزهم لحضور الندوات والمؤتمرات الدولية المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي وتزويدهم بالمجلات العلمية المتخصصة التي تتضمن أهم المبادئ والاجتهادات القضائية المتعلقة بمسائل التحكيم في الدول الأخرى، كما ان تكرر ورود لفظة «الشريعة الإسلامية» في سبع مواد من النظام بحاجة لتدخل تنظيمي بحيث يتم تعريف المصطلح في المادة الأولى من النظام. إن إطلاق مصطلح «الشريعة الإسلامية» دون تحديد لا يخدم المصلحة العامة وقد يرتكن عليه بعض القضاة لتقويض الأهداف التي سن النظام من أجلها. واضافة لذلك فإن المادة العاشرة من نظام التحكيم الجديد بحاجة إلى تعديل لضمان عدم إثارة الدفع المتعلق ببطلان اتفاق التحكيم تأسيسًا على عدم أخذ الأشخاص المعنوية العامة بما فيها الشركات العامة موافقة رئيس مجلس الوزراء قبل اللجوء إلى التحكيم. * ما مقترحاتك لتتوائم هذه المواد المحلية مع المعاملات الدولية؟ ** اقترح تعديل النظام من خلال إضافة فقرة ثالثة في المادة العاشرة من النظام تنص على أنه «لا يجوز للدولة أو أي من الأشخاص المعنوية العامة في المعاملات الدولية أن تستند على الضمانات التي تشتمل عليها قوانينها المحلية من أجل تفادي الالتزامات التي يفرضها اتفاق التحكيم». كما ان نظام التحكيم الجديد لم يحدد العلاقات القانونية ذات الطابع التجاري والاقتصادي والتي يمكن أن تكون خاضعة للتحكيم. وقد كان الأحرى بالمنظم أن يهتدي بقانون التحكيم المصري في هذا المجال والذي أوضح في مادته الثانية أنه يكون التحكيم تجاريًا في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي، عقدية كانت أو غير عقدية ، ويشمل ذلك على سبيل المثال توريد السلع أو الخدمات والوكالات التجارية وعقود التشييد والخبرة والهندسية أو الفنية ومنح التراخيص الصناعية والسياحية وغيرها ونقل التكنولوجيا والاستثمار وعقود التنمية وعمليات البنوك والتأمين والنقل وعمليات تنقيب واستخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد أنابيب الغاز أو النفط وشق الطرق والأنفاق واستصلاح الأراضي الزراعية وحماية البيئة وإقامة المفاعلات النووية.» تقادم الاعمال *هل هناك مادة اخرى بحاجة لتعديل؟ ** نعم، المادة (20) من نظام التحكيم بحاجة لتعديل بحيث يجعل فصل هيئة التحكيم في اختصاصها نهائيا ولا يجوز مراجعته إلا بطريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها أسوة بما نصت عليه المادة (22) من قانون التحكيم العماني. أن الالتجاء للمحاكم يجب ألا يتم إلا بعد أن تفصل هيئة التحكيم في اختصاصها ويجب ألا يمكن الخصوم من اتخاذ أي إجراءات من شأنها تعطيل إجراءات التحكيم أو منع هيئة التحكيم من البت في الدعوى. وأن الأحكام المتعلقة بالأعمال التجارية المنصوص عليها في نظام المحكمة التجارية لعام 1350ه بحاجة إلى إعادة نظر بسبب تقادم الأعمال والمقاولات المنصوص عليها في نظام المحكمة التجارية. أن توسيع مجال التحكيم التجاري في المملكة يتطلب بدوره تحديث قائمة الأعمال والمقاولات التجارية لتأخذ بعين الاعتبار التطورات الاقتصادية والتنموية وفتح العديد من مجالات الاستثمار وانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية. ونقترح أن يستأنس المنظم السعودي بالفصل الأول من قانون التجارة المصري الصادر بالقانون 17 لسنة 1999م. اختصاصات المحاكم *ما أثر تدخل مجلس الوزراء بإحالة قضايا الشركات العامة للقضاء الاداري؟ ** تدخل مجلس الوزراء بإحالة قضايا بعض الشركات العامة للقضاء الإداري أمر غير مرغوب فيه وقد يكون له انعكاسات خطيرة على حيادية القضاء الإداري والتشكيك في نزاهته، لذلك نوصي بعدم تدخل السلطة التنفيذية في المسائل المتعلقة باختصاص المحاكم وجعل المحاكم التجارية صاحبة الاختصاص بنظر منازعات الشركات العامة في جميع الأحوال. كلمة اخيرة؟ أقول في النهاية: إن صدور نظام التحكيم الجديد يتطلب بدوره رفع وصاية وزارة العدل عن التحكيم والاعتداد بالتحكيم المؤسسي، من خلال إصدار نظام يتيح إنشاء مراكز للتحكيم التجاري تعنى بتأهيل الكوادر الوطنية في مجال التحكيم التجاري الدولي، كما أن اختيار النظام السعودي كقانون واجب التطبيق علي منازعات التحكيم يتطلب من السلطة التنظيمية إصدار مدونة للمسائل المدنية مؤسسة على المبادئ الشرعية التي استقر عليها عمل المحاكم في المملكة.