- البترول لن يدوم وزمن الاسترخاء والتواكل لن يبقى إلى الأبد. - منذ ما يزيد على ثلاثة عقود والنخبة المثقفة السعودية تدخل في مجادلات حادة كثيرٌ منها غير مبرر. - أمة الإسلام تنظر إلينا في كل حين وتتوقع منّا أن نكون الأنموذج الأمثل في كل شيء. - من المحزن أن أمتنا التي أمرت بالشورى قبل أكثر من أربعة عشر قرناً لا تزال من أقل الأمم ممارسة الشورى. - النفاق والتزلف من أعظم الأدواء التي تحل بالأمم وهما اللذان يحجبان عن كل حاكم ومسؤول رؤية الواقع رؤية صحيحة. - الحرية ليست الفوضى ولا الانفلات من الضوابط بل هي نقيض ذلك كله. - من أوجب واجباتنا أن نبدأ حواراً متجرداً حول أفضل السبل لتذليل ما تواجهه المرأة من عقبات ومشكلات في حياتنا الاجتماعية. - إن مجتمعنا مجتمع متعدد المذاهب والتوجهات الفقهية والفكرية وأخطر ما يهدد مستقبلنا وسلمنا الاجتماعي ما تعانيه بعض المجتمعات المجاورة لنا من فتن طائفية ومذهبية. - من أوجب الواجبات الاعتراف بحق الاستقلال بالرأي واحترام المخالف ومحاورته بالحسنى. منذ ما يزيد على ثلاثة عقود والنخبة المثقفة في المملكة العربية السعودية تدخل بين الحين والآخر في مجادلات حادة كثيرٌ منها غير مبرر، وتختلف حول قضايا معظمها إن لم يكن كلها لا يستحق ما أثاره من جدل وما ولّده من تنازع وشقاق، وفي هذه الأيام التي تشهد الذكرى الثالثة والثمانين لتأسيس المملكة العربية السعودية، هذا الحضن الرؤوم الذي يجمعنا، والوطن العزيز الذي أكرمنا الله عزّ وجلّ بالانتماء إليه، ومن منطلق ما يوجبه الشرع أولاً تجاه الله عزّ وجل، وثانياً تجاه الوطن ولاةً ومواطنين، وفي ظل ما شهدته وتشهده منطقتنا من محنٍ وفتن، وما يكتنفنا من تحديات ومخاطر، فإنني أغتنم مناسبة هذه الذكرى العزيزة لأطلق هذا النداء الذي أسأل الله عزّ وجلّ أن يكون خالصاً لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب. أيها السعوديون! لقد منّ الله علينا بالإسلام، وائتمننا على مهد رسالته وموطن مقدساته ومثوى رفات خير أنبيائه ورسله، وأخرج لنا من كنوز نعمته ما أغنانا به من غير حول منا ولا قوة، وإن هذه المنن العظيمة وهذه النعم الظاهرة تستوجب منا الشكر الدائم لله عزّ وجل وتفرض علينا من المسؤوليات والواجبات الشيء الكثير. إن أمة الإسلام تنظر إلينا في كل حين وتتوقع منّا أن نكون الأنموذج الأمثل في كل شيءٍ، وهي محقة في كل ذلك، فإن من أوجب واجباتنا أن نكون القدوة لأمتنا في كل جوانب الحياة، وأن يكون نظامنا السياسي الأنموذج الأمثل للدولة الإسلامية الحديثة، وأن يكون اقتصادنا الأنموذج الأكمل للنظام الاقتصادي الإسلامي، وأن يكون تعليمنا الأنموذج الأرقى لبناء المعرفة والعلم النافع وتكوين الإنسان السويّ، وأن يكون إعلامنا النموذج الأوفى للتنوير ونشر الفضيلة والقيم الأصيلة، إلى غير ذلك من جوانب الحياة الأخرى. إن الإسلام أعظم نعم الله علينا، وإن قدرنا في هذه الحياة أن نحمل لواءه وأن نكون أكبر الداعين إليه والمدافعين عن حياضه، فلا وجود ولا قيمة لنا إلا به، فلنعتصم بحبله المتين، ولنقطع بالقول والعمل دابر كل تشكيك في هذه الحقيقة الكبرى، ولنجعلها من المسلّمات الراسخة التي لا تقبل أي نقاشٍ أو خلاف مهما كانت المبررات والدوافع. أيها السعوديون! إن دولتنا ليست كاملة ولم تبلغ الدرجة التي نطمح إليها ولاةً ومواطنين، وهي لا تدّعي ذلك، ولكنها على الرغم من كل ما اعتورها ويعتورها من تقصير، كانت ولا تزال من أفضل التجارب الإسلامية والوطنية في تاريخ أمتنا الحديث، وقد أصبحت - وهو الأهم - صمام أمان لأمننا واستقرارنا ووحدتنا، وإن من أوجب واجباتنا الشرعية والوطنية أن نحافظ عليها وأن نواجه مجتمعين كل من يهدد أمنها واستقرارها، دون أن نتخلى بأي شكلٍ من الأشكال ولا في أي وقتٍ من الأوقات عن مسؤولياتنا الشرعية والوطنية في السعي لإصلاحها وتقويم اعوجاجها وتطويرها والارتقاء بها لتكون الدولة المثلى في كل المجالات. إن الدعوة الإصلاحية التصحيحية المباركة التي أنعم الله بها على مجتمعنا والتي بدأها وقادها الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله، والتي على أساسها توحّد مجتمعنا وتكوّنت دولتنا، يجب أن تكون مدعاة فخر لنا جميعاً على الرغم مما وقع من تجاوزات وأخطاء من بعض المنتسبين إليها، وإن من واجبنا أن نتمسك بالأصول والثوابت التي قامت عليها ونادت بها، فهي أصول الإسلام الحقة، وبخاصة في مجال التوحيد ومحاربة الشرك والبدع، وإن من أوجب واجباتنا أن نطهّرها من كل ما علق بها مما هو مخالف لأصولها، ومن كل ما دعا إليه أو ارتكبه بعض المندفعين والجهلة من المنتمين إليها من أخطاء وانحرافات، وما أولانا جميعاً بأن نحولها إلى مشروع حضاري للإصلاح الديني الذي نبني عليه نهضتنا المنشودة ونقدمه أنموذجاً للإصلاح الديني في كل المجتمعات الإسلامية. إن ديننا دين القيم والمبادئ ومكارم الأخلاق، وإن أعرافنا وتقاليدنا العربية منهل عذب للشيم والأعراف والعادات النبيلة، وإن ما نشهده من تراجع في منظومة القيم في مجتمعنا، وما نلمسه من تحول غير مقبول إلى غلبة الماديات، مؤشرات خطيرة تستدعي منا جميعاً أن نهب بعزم لا هوادة فيه لتدارك هذه التحولات على جميع المستويات قبل فوات الأوان. ولنتذكر دائماً أن أمتنا أمة الروحانيات والصدق والأمانة والوفاء بالعهود والعقود، وأمة التراحم والتكافل وصلة الأرحام والعناية بالجار والرأفة باليتيم والعطف على الضعيف وتوقير الكبير ومعرفة حقوق العلماء ورعايتها، ولا يليق أن تتوارى هذه القيم النبيلة ومثيلاتها من حياتنا الاجتماعية ولو بشكلٍ جزئي على الإطلاق. إن الفساد بكل أنواعه، وبخاصة الفساد القضائي والمالي والإداري آفة الآفات، فما تغلغل في مجتمع إلا ودمّر كيانه وهدّم بنيانه، فلنحشد طاقاتنا ولنوحّد جهودنا لمحاربته بجميع أنواعه، ولنفضح الفاسدين ولنشهّر بهم وعلى رأسهم من ابتلي بهم القضاء وهم قلة ولله الحمد، ولنجعل تطهير مجتمعنا وجميع مؤسساتنا من كل فساد في أعلى مراتب أولوياتنا. إن النفاق والتزلف من أعظم الأدواء التي تحل بالأمم، وهما اللذان يحجبان عن كل حاكم ومسؤول رؤية الواقع رؤية صحيحة، فلنرفض ولاةً ومواطنين كل مظهر من مظاهر النفاق والتزلف، ولْنَحْثُ في وجوه المدّاحين التراب كما أمرنا نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام حيث قال: "إذا رأيتم المدّاحين فاحْثُوا في وجوهِهِمُ التراب" "رواه مسلم"، ولنقطع الطريق على المتزلفين الذين لا هم لهم إلا مصالحهم الخاصة حتى ولو كانت على حساب الوطن ومصالحه العليا. أيها السعوديون! إن الشورى هي النهج الذي ارتضاه لنا خالقنا لسياسة شؤوننا وإدارة أمورنا، وإن من المحزن أن أمتنا التي أمرت بالشورى قبل أكثر من أربعة عشر قرناً لا تزال من أقل الأمم ممارسة الشورى دع عنك أن يكون لها أي إسهام يُذكر في تطوير تصوراتها ونظرياتها، فلنوحّد جهودنا لتأصيل مفاهيم الشورى وتجديد فقهها وتطوير آلياتها، ولنتعاون ولاةً ومواطنين على ترسيخ مفاهيمها وقيمها في كل شؤون حياتنا، ولنعمل جاهدين على إنشاء وتطوير المؤسسات الدستورية وتمكينها من أداء دورها على الوجه الأمثل، ولتكن سياساتنا وقراراتنا، وبخاصة الكبرى والمصيرية منها، منبثقة من شورى أصيلة مكتملة الأركان الشرعية، فلا استقرار في أي مجتمع ولا وحدة وطنية ولا انتماء ما لم يشعر كل فردٍ من أفراد المجتمع بأنه مشارك في صناعة القرار ومسؤول عن تبعاته. إن العلم أساس كل نهضة وحضارة، وإن ما يعانيه نظامنا التعليمي وما تشكو منه مؤسساتنا التعليمية بجميع مراحلها من مشكلات كبيرة، أهم وأولى باهتمامنا وعناياتنا مما شغلنا به بعضنا من مناكفات حول مسائل تعد من قشور القشور، فلا دمج مؤسسات التعليم، ولا زيادة أو نقص عدد ساعات مادة من المواد، أو وجود مادة موسيقية في نشاط طلابي لا صفي على سبيل المثال، كانت تستحق كل ما أثارته من جدل ومناكفات بل وانقسامات، وما أولانا جميعاً بأن نحول جهودنا إلى إجراء الدراسات والبحوث العلمية وعقد الندوات والمؤتمرات للتعرف على أفضل السبل لتطوير مناهج التعليم ومؤسساته والارتقاء بمضامينها إلى ما يناسب متطلبات وتحديات الزمن الذي نعيش فيه والمستقبل الذي نتطلع إليه، وما أولى جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية والبحثية بتكثيف الجهود والبحوث والدراسات في هذا الشأن. أيها السعوديون! إن البترول لن يدوم، وإن زمن الاسترخاء والتواكل لن يبقى إلى الأبد، ولابد أن نتحول من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج في أقرب وقتٍ ممكن، ولن يتحقق ذلك إلا بنشر ثقافة وقيم العمل والإنتاج وتأصيلها في مجتمعنا وبخاصة لدى الشباب والنشء الجديد. وما أحوجنا إلى تطوير استراتيجية شاملة لتحقيق هذا الهدف العظيم تشترك في صياغتها جميع المؤسسات والهيئات المعنية في القطاعين العام والخاص، وما أحوجنا إلى إنشاء صناديق سيادية أسوة بما فعلته دول أخرى، تُسهم في تحقيق قدرٍ من الأمان المستقبلي وتزيد من مساحة نفوذنا في الخارج. أيها السعوديون! إن الحرية، هي الأمانة التي عرضها الله عزّ وجلّ على السماوات والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقنَ منها، وإنها وإن كانت مسؤولية ضخمة وأمانة عظيمة، فإنها في الوقت ذاته نعمة من أعظم ما منّ الله به على الإنسان في هذا الوجود، وإن من المحزن والمؤسف أن مساحة الحرية في مجتمعنا ليست بالقدر الذي يليق بنا ولا بما نطمح إليه، وإن من المحزن والمؤسف بشكلٍ أكبر أننا لا نحسن في كثيرٍ من الأحيان استثمار ما هو متاح لنا من الحريات. إن الحرية ليست الفوضى ولا الانفلات من الضوابط، بل هي نقيض ذلك كله، إنها من أعلى قيم الوجود، فلا إيمان حقيقياً بلا حرية، ولا رضا واستقرار اجتماعيين، بل ولا حياة كريمة إلا بشعور عميق بالحرية الأصيلة. فلنعمل مجتمعين على تأصيل قيم الحرية في حياتنا ولنكن روادها ودعاتها في العالمين، ولنتذكر دائماً أن شهادة لا إله إلا الله هي أعظم إعلان ونداء للحرية على امتداد التاريخ، وأن من أعظم واجباتنا في هذه الحياة أن نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. أيها السعوديون! إن مجتمعنا مجتمع متعدد المذاهب والتوجهات الفقهية والفكرية، ولئن كان المذهب الحنبلي هو الأغلب والأعم، فإن في مجتمعنا اثني عشرية وإسماعيلية ومالكية وشوافع وأحناف وزيدية، كما أن في مجتمعنا سلفيين ومتصوفة وغيرهم، وقد تعايشنا عقوداً بل وقروناً في وئام وسلام، وإن من أخطر ما يهدد مستقبلنا وسلمنا الاجتماعي ما تعانيه بعض المجتمعات المجاورة لنا من فتن طائفية ومذهبية، وإن من أوجب واجباتنا أن نحصّن أنفسنا ضد هذه الفتن وما يتطاير منها من شررٍ، وذلك بتوسيع مساحات الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي في أوساطنا، وبغرس مفاهيم المواطنة وحقوقها ومسؤولياتها في أنفسنا ومناهجنا ونظمنا، وأن نعمل بصدق وإخلاص على تقليل وتصغير مساحات الاختلاف بين بعضنا بعضاً وتوسيع وتعميق دوائر التلاقي والائتلاف، وما أحوجنا إلى حوارات جادة ومعمّقة للتقريب ونزع فتائل التنافر والتناحر. ولنتذكر دائماً أننا مجتمع واحد وأن ديننا واحد وأن وطننا واحد وأن قدرنا مشترك، وأن الأخطار والتحديات لا تستثني منا أحداً. لقد عانى مجتمعنا خلال السنوات الماضية نشوء ظاهرة التحزب والتصنيف والتنابز بالألقاب، وبدأ بعضنا يصف بعضاً بأوصاف وأسماء لم يعهدها مجتمعنا من قبل، بل لقد تجاوز الأمر في بعض الأحيان إلى أن بلغ حدود التخوين والتكفير وللأسف الشديد، متناسين قول الله عزّ وجلّ: "هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ"، ومتجاهلين قوله عزّ وجلّ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". إن اختلاف الآراء وتعدد الاجتهادات سنة ضاربة في هذا الوجود، وإن من المحال أن تتوحد الرؤى وأن تتطابق التصورات بين الناس في كل الأوقات، وإن من أوجب الواجبات الاعتراف بحق الاستقلال بالرأي واحترام المخالف ومحاورته بالحسنى، ولنتذكر دائماً أن ديننا متين وأن دائرة التسامح فيه تتسع لكل اجتهاداتنا، وأن من أعظم ما أجمع عليه علماء الأمة الإنكار في مسائل الاجتهاد، وما أولانا بأن ننشر فقه الاختلاف في أوساطنا ونلتزم بآدابه وقيمه، وما أولانا بأن ندرك بأن مساحات التلاقي والاتفاق بيننا أكبر وأوسع بكثير من مساحات الاختلاف، وقد آن الأوان لأن نطهر مجتمعنا من كل تحزّب وتنابز وتصنيف، وأن نجعل تعدد اجتهاداتنا واختلاف رؤانا مصدر إثراء وعامل بناء في حياتنا، لا باعثَ فرقةٍ وتناحرٍ ومعولَ هدمٍ وتدمير. أيها السعوديون! لقد عانت المرأة في مجتمعنا أماً وزوجةً وأختاً وبنتاً في أحيانٍ غير قليلة من تهميش وحرمان من كثيرٍ من حقوقها الشرعية، وعلى الرغم مما حققته من إنجازات كبيرة في مجالات التعليم والعمل وما قدمته من تضحيات كبيرة خلال العقود الأربعة الماضية إلا أنه، وللأسف الشديد، لا تزال تعاني نظرة قاصرة لدى كثيرين منا، وإن من أوجب واجباتنا أن نبدأ حواراً متجرداً حول أفضل السبل لتذليل ما تواجهه المرأة من عقبات ومشكلات في حياتنا الاجتماعية، وعن أيسر الطرق التي تمكنها من القيام بواجباتها ومسؤولياتها الاجتماعية، بعيداً عن كل تشنج وانفعال وبهدي كامل من الشرع الحنيف، ولنتذكر في هذا الشأن قول الله عز وجل: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم". إن قيادة المرأة للسيارة، وإن تجاوزات بعض المنتمين إلى هيئات الأمر بالمعروف، وإن تأنيث المحال النسائية، وإن عرض كتاب غير مرغوب فيه في معرض كتاب، أو تغريدة مغرد غير موفقة في الفضاء الإلكتروني، وما إليها من القضايا الهامشية التي شغلتنا ولا تزال تشغلنا وتستنزف طاقاتنا وللأسف الشديد، ليست قضايانا الحقيقية ولا تستحق كل ما أضعناه فيها من جهود وأوقات، ولم يكن من اللائق على الإطلاق أن تكون سبباً لفرقتنا وتناحرنا. وما أولانا بأن نوجّه جميع جهودنا وطاقاتنا وأن نستثمر أوقاتنا في التعاون على إقامة العدل بصورته المثلى، وتحقيق المساواة بأوسع دوائرها، ومواجهة الفقر والعوز والبطالة والمخدرات واجتثاثها من مجتمعنا، ومحاربة الفساد والمحسوبيات وتطهير مؤسساتنا ودوائرنا منها، وتحويل مجتمعنا من مجتمع مستهلك إلى مجتمع ينافس الدول المتقدمة في الصناعة والإنتاج العلمي، وفي بناء دولة الشورى والمؤسسات الدستورية في أمثل صورها، إلى غير ذلك من القضايا الكبيرة والمهمة التي تليق بأمة الشهادة على الناس. أيها السعوديون! إن كثيراً ممن يتهمهم بعضنا بالتشدد والتطرف والظلامية هم شبابٌ أطهارٌ من خيرة شباب مجتمعنا، لا يدفعهم إلى ما يقومون به سوى الحميّة للشرع والغيرة على المجتمع والرغبة الصادقة في إقامة الدين ونشر الفضيلة، وهم من أكثر الناس طيبةً وليناً وتسامحاً لو تعاملنا معهم برفق وبددنا ما لديهم من مخاوف وشكوك، ولا يليق ولا يقبل أن ندفعهم بسبب أخطاءٍ يقع فيها بعضهم إلى التشدد والغلو من خلال استفزاز عواطفهم الدينية، وإن كثيراً ممن يصفهم بعضنا بالعلمانيين والليبراليين والمتغرّبين هم مؤمنون وأهل فِطَرٍ سويّةٍ وحريصون على الإسلام والفضيلة، بل إننا نجد كثيراً منهم عند الشدائد من أكثرنا غيرة على الدين والفضيلة، ولا يليق ولا يقبل أن نجعل أخطاء بعضهم أو ما يصدر منهم من ردات أفعال على بعض تجاوزات من ينتسبون إلى العلم الشرعي مبرراً للقسوة عليهم ووصمهم بما ليس فيهم دع عنك نفي انتمائهم إلى الدين. وإن من أكبر نعم الله على مجتمعنا أنه لم يعانِ كما عانت مجتمعات عربية وإسلامية أخرى تجذّر تيارات فكرية مناوئة للدين فيه، وإن من أوجب واجباتنا أن نقدر هذه النعمة العظيمة وأن نستثمرها لتقوية عُرى التآلف والتواد بيننا وترسيخ الوحدة الفكرية والثقافية في مجتمعنا. أيها السعوديون! إننا أهل رسالة في هذه الحياة، وإننا نتحمّل مسؤوليات كبيرة تجاه أمتنا بل والإنسانية جمعاء، وإن صلاح أمرنا صلاحٌ لأمّتنا كلها، وإن ضياعنا ضياعٌ لها، وقد أكرمنا الله بأن جعلنا ممن خصهم بآخر وأكمل رسالاته وخير أنبيائه عليه أفضل الصلاة والسلام، ونتحمل قبل غيرنا مسؤولية نشر هذه الرسالة والتعريف بها بالعمل قبل القول، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وما أحوج البشرية في هذه المرحلة من تاريخها إلى ما في ديننا من إيمانٍ وروحانيات وقيمٍ ومكارم أخلاق جهلها وضيعها كثيرٌ منا وللأسف الشديد. أيها السعوديون! إن الأخطار والتحديات تحيط بنا من كل جانب، وإن الأعداء يتربصون بنا في كل ساحة، ولن نتمكن من مواجهة الأخطار والتحديات والتصدي للأعداء والقيام بمسؤولياتنا العظيمة إلا بوحدة الصف واتحاد الكلمة ومواجهة المشكلات بصدقٍ وإخلاص والسعي لتحقيق الطموحات بشجاعة وعزيمة، فلنتقِ الله في أنفسنا وفي ديننا وفي وطننا، ولنجتمع على حِلفِ فُضولٍ نستشعر به ومن خلاله الأخوّة الإيمانية والوطنية ونرسّخها في قلوبنا، ونلتزم بإفشاء السلام والمحبة بيننا، ونقدم إحسان الظن على الشك، وندفع السيئة بالحسنة، ونصون ألسنتنا وأقلامنا عن بذيء الألفاظ ومشين القول، ونوسّع دوائر التسامح والعفو بيننا، ونجعل الحوار الرصين سبيلنا إلى تجاوز خلافاتنا وطريقنا إلى بناء ونهضة وطننا وأمتنا، ونعيد إحياء قيمنا الإسلامية الأصيلة في كل جوانب حياتنا، ونتواصى بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونتعاون على ردع الظالمين ونصرة المظلومين، ونواصل العمل الدؤوب على تطوير دولتنا ومجتمعنا سياسياً وتعليمياً وثقافياً واقتصادياً وصناعياً وتجارياً بتوادٍ وتراحم بعيداً عن التشاحن والمزايدات، ونسعى بكل ما نستطيع لتحقيق ما أراده الله منّا ولنكون خير أمة أُخرجت للناس ورسل سلام ورحمة للعالمين، جديرين بمرتبة الوسطية والشهادة على الناس أجمعين التي قال عنها الله عزّ وجلّ: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً". حفظ الله لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وحمى وطننا ووقاه من كيد الكائدين وجهل الجاهلين، وهدانا جميعاً إلى الحق والخير، ووفقنا إلى العمل الصالح الذي فيه عزّنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة، والحمد لله من قبل ومن بعد. د. أحمد بن عثمان التويجري الرياض، الجمعة 8 من ذي القعدة 1434ه