يقترب مؤتمر الحوار الوطني الشامل من نهايته، وباتت التوقعات الكبرى التي استشرفت الحوار منذ انطلاقه في ال18 من مارس الماضي لإنقاذ البلد من أزماته قريبا تحقيقها على ارض الواقع, غير أن قوى سياسية بعينيها ربما لا يروقها ذلك. فالقضية الجنوبية(أكبر قضايا الحوار ال9 وأكثرها تعقيدا) شهدت الأسبوع تحركا ملحوظا في اتجاه الحل، حيث واصلت اللجنة المصغرة للحلول والضمانات (8+8) اجتماعاتها, وبدى فيها المشاركون وكأنهم يقتربون شيئا فشيئا من الموافقة على شكل جديد للدولة يتمثل بدولة فيدرالية من عدة أقاليم، لم يتحدد عددها بعد. وفيما يعول على هذه اللجنة التمهيد لتحديد شكل الدولة في اليمن، وتميزت آخر الاجتماعات حسب أعضاء فيها بنقاشات هادئة وبناءة من قبل جميع المشاركين تمخض عنها إحراز تقدم ملحوظ في النقاشات المتعلقة بمسودة وثيقة الأسس والمبادئ والضمانات التي ستشكل إطاراً للحل العادل والواقعي والتوافقي للقضية الجنوبية، حيث توافق أغلب أعضاء اللجنة المجتمعون على صيغة مسودة في حين تحفظ بعض ممثلي المكونات على بعض النقاط . ولولا إنسحاب ممثلين عن المؤتمر الشعبي أحدهم جنوبي والآخر شمالي, بإيعاز من رئيس المؤتمر علي عبدالله صالح وفقا لمصادر في المؤتمر, لكانت مسودة خارطة الطريق التي سينبني عليها حلول ومعالجات القضية الجنوبية وشكل الدولة والنظام السياسي ناجزة على أرض الواقع. ويقترح مشروع الخطة الانتقالية خمسة محاور تشمل معالجة مظالم الماضي، ومبادئ صياغة الدستور، وآلية هيكلة الدولة الاتحادية والترتيبات التأسيسية للفترة الانتقالية، وضمانات إنجاز هذه الخطة. وترى الوثيقة انه "خلال المرحلة التأسيسية التي تسبق الانتقال الكامل إلى الدولة الاتحادية الجديدة، يتمتع الشعب في الجنوب بتمثيل نسبته 50% في كافة الهياكل القيادية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكذلك 50% من مجلس النواب". وستمنح المناطق, حسب مشروع المسودة, صلاحيات واسعة إدارية وتنفيذية وتشريعية واقتصادية، كما أن "استكشاف وإدارة الموارد الطبيعية، بما فيها العقود والعقود الفرعية المرتبطة بالاستكشاف، سيكون من مسؤولية السلطات في الولاية المنتجة بالتعاون مع السلطات في الأقليم والسلطة الاتحادية، وفق ما ينص عليه قانون اتحادي" . وتشير مسودة الوثيقة إلى أنه "خلال المرحلة التأسيسية التي تسبق الانتقال الكامل إلى الدولة الاتحادية الجديدة، يتمتع الشعب في الجنوب بتمثيل نسبته 50 % في كافة الهياكل القيادية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكذلك 50 % من مجلس النواب" . بالنسبة لمعالجة مظالم الجنوبيين جراء ممارسات النظام السابق, فأن الوثيققة أكدت إلتزم الجميع حلّ القضية الجنوبية حلاً عادلاً يحفظ أمن واستقرار اليمن الموحّد على أساس اتحادي وديموقراطي، عبر وضع هيكل جديد وعقد اجتماعي جديد للدولة يلبّيان تطلعات جميع اليمنيين في شكل جديد لحكم ديموقراطي، سوف تمثل هذه الدولة الاتحادية الجديدة قطيعة كاملة مع تاريخ الصراعات والاضطهاد وإساءة استخدام السلطة والتحكّم بالثروة. وجاء فيها" نقدّر مساهمات وتضحيات الحراك الجنوبي السلمي والحركة السلمية الأوسع للتغيير، يجب بناء الدولة الاتحادية الجديدة مع اعتراف كامل بالأخطاء المؤلمة والمظالم التي ارتكبت في الماضي في الجنوب، معالجة هذه المظالم والتطبيق الكامل للنقاط 20+11، خلال الفترة التأسيسية للدولة اليمنية الاتحادية الجديدة، هما جزء أساسي من سعينا الجماعي إلى تطوير رؤية مشتركة". وتنص المبادئ التي وردت في مشروع الخطة على صياغة دستور جديد يقضي أن الإرادة الشعبية أساس سلطة وشرعية الدولة الاتحادية على جميع المستويات، وفق ما تقتضيه الديموقراطية التمثيلية والتداولية, و يحدّد الدستور توزيع السلطات والمسؤوليات بوضوح، ولا تتدخل السلطة الاتحادية في صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والإدارية لمستويات الحكم الأخرى في نطاق مسؤولياتها الحصرية، إلا في ظروف استثنائية جداً ينصّ عليها القانون، وفقط بهدف ضمان الأمن الجماعي والمعايير المشتركة الرئيسية أو لحماية سلطة إقليمية من تدخل سلطة أخرى. وتؤكد بان الشعب حرّ في تقرير مكانته السياسية وحرّ في السعي إلى تحقيق نموّه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي عبر مؤسسات الحكم على كل مستوى. ويتطلب الإنتقال الشامل والفاعل إلى دولة يمنية اتحادية جديدة، وفق الوثيقة، بناء القدرات في كل ولاية وإقليم وإنشاء مؤسسات جديدة وصياغة تشريعات وقوانين، إضافة إلى إصلاحات تشمل الملف الحقوقي للجنوب ومتابعة تنفيذ النقاط العشرين والإحدى عشرة، وإنشاء صندوق ائتماني للجنوب بناء عليه، يستوجب الاستثمار وبذل جهود مستمرة لتوفير الموارد البشرية والمادية وتطويرها، بما في ذلك أساليب العمل، تتضمن حوكمة مسؤولة تخدم الأهداف المُشار إليها بفاعلية وكفاءة. ولما بعد المرحلة التأسيسية، فأن الدستور الاتحادي ينصّ على آليات تنفيذية وقضائية وبرلمانية مخصصة من أجل حماية المصالح الحيوية للجنوب، قد تتضمن هذه الآليات حقوق نقض خاصة، وتمثيلاً خاصاً، وعدم إمكان إجراء تعديل في الدستور إلا عبر ضمان موافقة أغلبية ممثلي الجنوب في مجلس النواب، وترتيبات لتحقيق التشاركية في السلطة تحدّد في الدستور الاتحادي. كما تخضع المرحلة التأسيسية للدولة الاتحادية إلى مراجعة مستمرة من قبل «هيئة مراجعة التطبيق» وينصّ الدستور الاتحادي عند تطبيقه الكامل على تأسيس هيئة دستورية تراجع الترتيبات الاتحادية وكيفية عمل الدولة الاتحادية دورياً. وفيما يتوقع أن تصاغ في ضوء هذه المسودة سائر قرارات الحوار الوطني المتعلقة ببناء الدولة والنظام السياسي والجيش والعدالة الانتقالية، ويتوقع أن تحال على فريق القضية الجنوبية لإقرارها جزءا من الوثائق التي سيصوت عليها في الجلسة الختامية للمؤتمر , يبقى الأهم بشكل أساسي، من الحوار الوطني بشكل عام هو العمل من أجل الشعب، من خلال تقديم الخدمات الأساسية التي تمس الحاجة إليها، والعمل في الوقت نفسه على إنجاز العملية الدستورية .