يقول المحلل السياسي الايراني "روح الله اسلامي" اننا لو نظرنا نظرة اجمالية الى نوايا ومواقف اميركا لاستنتجنا ان اميركا لا تريد التفاوض مع ايران، بل هدفها من اقتراح المحادثات والاتصال الهاتفي والمفاوضات المباشرة هو تمهيد الظروف للعبة تخرج منها رابحة في جميع الاحوال. طهران (فارس) ويتابع الكاتب ان اوباما وخلافا لمنافسه المحافظ اصر على مباديء الدبلوماسية والتفاوض المباشر مع ايران، ووعد بتسوية الخلافات مع ايران في حال وصوله للسلطة؛ وذلك لانه كان يعرف جيدا بان مفتاح حل مشاكل الشرق الاوسط هو بيد ايران. وعلى هذا الاساس وبمجرد اختياره رئيسا، اقترح اوباما منصبي وزارة الخارجية والدفاع الى اشخاص يحظون بنظرة معتدلة حيال المفاوضات واقامة العلاقة مع ايران. وكانت ايران قد استملت عدة رسائل من الجانب الاميركي تدعو الى عقد محادثات مباشرة دون شروط مسبقة. ومن البديهي ان الراي العام يميل الى التفاوض وتحسين العلاقات والخيار الدبلوماسي بدلا من اثارة التوترات والتوجه السلبي، لان اي لاعب سياسي وحتى خلال فترة الحرب والعداء يجب ان تكون له صلات دبلوماسية مع الجانب الاخر. وعلى اي حال فان اقتراح التفاوض وتسوية الخلافات عبر الاليات الدبلوماسية والمفاوضات المباشرة امر مقبول ولا يعارضه احد، لكن هذا هو الظاهر فقط. هناك قاعدة عامة يمكن من خلالها التكهن بسلوكيات اي لاعب سياسي واحتمالاتها والنتائج التي ستتمخض عنها. فما سيحدث في المستقبل هو مجموع نوايا اللاعب السياسي الى جانب اجراءاته العملية ومواقفه الاقليمية والدولية. يعني لو اردنا تحليل مقترح المفاوضات الاميركية مع ايران من الناحية العملية تاسيسا على فرضيات العلوم السياسية ونتكهن بما سيحدث في المستقبل، علينا القيام بعملين. اولا دراسة نوايا واهداف الادارة الاميركية وبعد ذلك مواقفها الراهنة على صعيد السياسات الداخلية والاقليمية، لنتوصلالى الهدف الذي تستهدف اميركا تحقيقه من خلال اقتراح هذه المفاوضات. **معرفة النوايا والدوافع وفي هذا الاسلوب يجري التركيز اولا على نوايا ودوافع المقترح الاميركي. فالعقلية التي تهيمن على الادارة السياسية الاميركية هي انه لا يوجد عالم حقيقي وان ما يرغم الانسان على ابداء رد فعل حيال اي ظاهرة هي الهيكلية الاجتماعية التي تشتمل على مختلف اشكال المعرفة. وبناء على هذا المبدا فان اجراء المفاوضات ليس مهما بقدر التظاهر بالتفاوض وبلورة صورة دبلوماسية للراي العام الداخلي والخارجي. فبعد ان غزت اميركا منطقة الشرق الاوسط بناء على الدعاية التي اسست لها، وصل الدور الى الدبلوماسية العامة، في محاولة لتحسين صورتها وتقديم نفسها للعالم على انها من دعاة السلام والدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية تمهيدا لاجراءاتها الامنية والاقتصادية وشرعنة الازمات التي تثيرها. اوباما وفريقه السياسي الجديد يحاولان استغلال موضوع التفاوض مع ايران لبلورة مثل هذه الظاهرة وفرض العزلة على ايران. فالدبلوماسية هي شعار ومسرحية تروج لها وسائل الاعلام الامريكية عبر اجهزتها الرسمية تمهيدا للعبة تخرج منها رابحة في جميع الاحوال. ويتابع المقال: بداية اميركا تتظاهر بانها من دعاة التفاوض وتسوية الخلافات، وان عارضت ايران هذا المقترح او رفضته، ستكون النتيجة ان الراي العام سيرى في الاسلام السياسي وايران الشيعية دولة ايديولوجية متشددة. "ايران فوبيا" و"شيعة فوبيا" هي من الملفات الجديدة المنبثقة بشكل غير مباشر من مسرحية مقترح التفاوض الاميركي. اميركا تسعى الى تقديم صورة سلبية ومتشددة عن ايران الى الراى العام العالمي. لكن هناك توجه آخر في الادارة الاميركية يتم الترويج له من قبل الذين خاضوا حربا مع دول مثل الصين وروسيا وكوبا وجميع الدول الماركسية ابان فترة الحرب الباردة. وهؤلاء يعتقدون بضرورة الاستفادة من الدبلوماسية كاداة مشلة، بمعنى انه يجب استثمار جميع الخيارات ومنها الحظر والحرب الناعمة ودعم التمرد الداخلي وحتى الجماعات الارهابية الى جانب اقتراح المفاوضات. اصحاب التوجه الثاني يدركون جيدا بان ايران سترفض اقتراح المفاوضات بسبب الاجراءات المتطرفة التي قامت بها امريكا والانقلاب الذي قادته ضدها. ويعتقد هؤلاء ان اقتراح التفاوض سيفاجيء ايران ويثير التفرقة بين قادتها لفترة ما ويشتت تركيز الراي العام الايراني وبالتالي حصر ايران في الزاوية الحرجة والقضاء عليها بسهولة. وبناء على ما قيل آنفا، نفهم بوضوح ان هدف اميركا من اقتراح المفاوضات هو تقديم ايران على انها تهديد خطير لا يقبل التفاوض، وتعرض الامن الدولي والاقليمي للخطر. هدف اميركا الرئيس هو حصولها على دعم دولي للقضاء على ايران لان جميع اجراءتها الاحادية ضد طهران باءت بالفشل لحد الان. **تحليل السلوكيات وردود الافعال ان تخطينا حاجز النوايا فاننا نصل الى ردود الافعال ومجموعة السلوكيات النابعة من الهيكلية السياسية والاجتماعية الاميركية. بناء على علم الاجتماع السياسي خاصة الاجراءت والمواقف الاميركية السابقة، يمكن التوصل الى نتيجة مفادها استحالة ترجمة اقتراح المفاوضات من قبل اميركا على ارض الواقع. واسباب هذه الاستحالة كالتالي: الف) التحليل الاجتماعي للعناصر السياسية الاميركية المجتمع الاميركي ومن حيث العناصر السياسية لا زال بعيدا عن المستوى المنشود لتحقيق تطلعاته شأنه شأن غالبية الدول الاخرى. اي ان الهوة بين ما يتطلع اليه الشعب من مفاهيم السلام والحرية والرفاهية والسرور والامن لم تتحقق على المستوى السياسي لحد الان. فالمجتمع الاميركي بما لديه من قدرات وامكانيات وتوجهات يخضع لهيمنة اللوبي الصهيوني. الصناعات العسكرية والنفط والغاز لاسيما وسائل الاعلام تخضع لهيمنة اللوبي الصهيوني الذي يسيطر على صناع القرار الاميركيين. ولا يخفى ان الصهاينة لا يريدون التفاوض ولا تحسين العلاقات بين ايران واميركا، بل هدفهم هو انهيار النظام السياسي وتقسيم ايران، وفي هذا الاطار لن يتورعوا عن القيام باي خطوة متشددة. يشار الى ان غالبية انصار الحرب وفرض الحظر ضد ايران هم من اعضاء اللوبي الصهيوني الذي يتمتع بالاغلبية في الكونغرس الاميركي. ورغم ان مرشح هذه الجماعة لم ينجح في الانتخابات الرئاسية لاول مرة، الا ان اوباما ايضا لا يستطيع القيام باي عمل دون الحصول على موافقة هذه المجموعة؛ الى درجة ان مراسم التعريف بوزيري الخارجية والدفاع تحولت الى جلسة للحصول على اعترافات ما ارغمت هذين الوزيرين على تكذيب تصريحاتهما السابقة والعودة الى الخندق السابق للسياسة الامريكية اي دعم الكيان الصهيوني. وليس سرا ان اميركا لن تضحي بالكيان الصهيوني لصالح ايران، وفي الحقيقة ان الكيان الصهيوني هو العقبة الاساسية امام تحسن العلاقات بين ايران واميركا وافشال مقترح المفاوضات. نفوذ اللوبي الصهيوني في القطاعات الاعلامية والعسكرية والاقتصادية والسياسية يحول دون وصول او رقي اي شخصية في سلم السياسة ما لم يعترف بالكيان الصهيوني ويقدم له فروض الطاعة. لذلك يمكننا القول بان الراي العام الاميركي وفريق اوباما محاصران من قبل الصهاينة. ب ) الاجراءات والمواقف العملية الاميركية في المنطقة في بداية القرن الحادي والعشرين غزت اميركا منطقة الشرق الاوسط بذرائع واهية وخادعة، وعززت تواجدها من خلال انشاء العديد من القواعد العسكرية فيها. وبعد ذلك استغلت العناصر الخاصة بعصر المعلومات لتطرح موضوع الشرق الاوسط الكبير وتركب موجة الصحوة الاسلامية التي طالت منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ولكي تحول عند الضرورة، الربيع العربي الى خريف عربي وربيع سلفي. احتلال العراق وافغانستان وانشاء قواعد عسكرية في تركيا واذربيجان وتفعيل دور الناتو في اسيا، جميعها مؤشرات على التوجهات الامنية الاميركية التي تتعارض مع المنطق الدبلوماسي. فاميركا باتت اكثر عداءا في القرن الحادي والعشرين، وهي تحاول من خلال استغلال الافلام والمسلسلات والكتب والعلوم والثقافة ووسائل الاعالم التستر على نزعتها الارهابية في ضوء امكاناتها المعلوماتية المشفوعة بالدبلوماسية العامة. ومن هنا يمكننا القول ان السياسة الخارجية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط والعالم لا تشتمل على مؤشرات تنمعن السلام وترجيح الدبلوماسة، بل انها مرتكزة بشكل كامل على الصدام والحرب. ج) الاجراءات والمواقف العملية الاميركية حيال ايران ويشير المحلل السياسي الايراني "اسلامي" الى ان اميركا تقترح التفاوض مع ايران في حين انها تتخذ مواقف معارضة لايران في جميع الاحداث الاقليمية والدولية، ولا تألو جهدا عن القيام باي خطوة سلبية ضدها. شطب اسم زمرة المنافقين من قائمة المنظمات الارهابية، الدعم المادي والاعلامي للتنظيمات الانفصالية والتنظيمات التي تستهدف اسقاط النظام وتدريب الجماعات الارهابية في دول الجوار بهدف القيام باعمال تخريبية والعدوان على الاراضي الايرانية. هذا فضلا عن انها لم تتوقف عن التجس على ايران وهددت دول المنطقة التي تعارض الحظر على ايران وتسمح بتصدير الغاز والنفط والبضائع الايرانية عبر اراضيها اضافة الى اقامة علاقات اقتصادية وتجارية معها. وينوه المقال الى ان اميركا لم تكتف بهذا القدر بل وسعت نطاق الحظر خلال الاعوام الثلاثة الماضية ليشمل ايضا القطاع المصرفي والملاحي وحتى القطاع العلمي والصناعي، وذلك بهدف تشديد الحظر والضغوط الاقتصادية على ايران. جميع هذه الاجراءات والمواقف لاسيما تهديد ومعاقبة الدول التي تتعاون مع ايران في المنظمات الدولية هي من الحقائق التي لا يمكن انكارها. الاستنتاج ان وضعنا جميع هذه النوايا والمواقف الاميركية جنبا الى جنب لتوصلنا الى نتيجة ان اميركا لا تنوي التفاوض مع ايران وان هدفها من اقتراح التفاوض والاتصال الهاتفي والمفاوضات المباشرة وغيرها هو تمهيد الارضية لظروف تخرج منها رابحة في جميع الاحوال. لان استمرار الوضع الراهن يصب في مصلحة اميركا. فكيف كان يمكن لاميركا ان تنشيء قاعدة عسكرية في تركيا لو لم تتوفر الظروف الراهنة؟ ان تركيا لم تسمح لاميركا باستخدام اجوائها خلال غزوها للعراق؛ لكنها اليوم سمحت لها بان تنشر منظومتها الصاروخية على اراضيها. وفي حين ان زعماء الدول الاسلامية وبدلا من توحيد العالم الاسلامي ومعرفة العدو الحقيقي، يخوضون صراعا فيما بينهم ويتابعون مخطط تبديل الصحوة الاسلامية الى الربيع العربي، فان اميركا لا تسعى ولا تنوي التفاوض مع ايران ابدا. اميركا لديها قواعد عسكرية وتحتل دولا اسلامية وتدعم الكيان الصهيوني بشكل اعمى ومن منطلق عقائدي، ونظرا الى امكانياتها الاعلامية وقدراتها الاقتصادية وساستها الذين يخضعون للوبي الصهيوني، فانها يمكن ان تثير كوارث اخطر من كوارث القرن العشرين. ويختم اسلامي مقاله بالقول ان ايران هي احدى الدول التي تنظر الى العالم نظرة مختلفة بناء على حضارتها العريقة وتراثها المثالي. فالانتقاد الذي توجهه ايران للعالم، ليس له اي جذر مادية، ويختلف بشكل كبير عن مطالب اميركا من الصين وروسيا والاخرين. ايران لديها الهيات سياسية وثقافة قومية لم تتاثر كثيرا بالعصر المعلوماتي ومستلزماته. فان كانت اميركا تريد التفاوض مع ايران، عليها اتخاذ بعض الخطوات لاثبات حسن نواياها وتصحيح سلوكياتها السابقة، وتثمر عن نتائج تختلف عن ما هو ظاهر للعيان، والايرانيون يدركون هذه الهواجس بشكل جيد.