بقلم : سالم فرج مفلح (باحث – مؤرخ – لا يهدف هذا المقال الى الاساءة لاحد ، كما انه يتجنب ذكر الاسماء ، و هو ليس اكثر من محاولة لرصد و تحليل الموقف الاكاديمي الحضرمي من القضية الوطنية الجنوبية ،من خلال محطات معروفة و مشهورة و مشهودة ، تمثل الظاهرين فيها و لا سواهم . هذه المواقف و تلك المحطات ليست ملكا لاحد بعينه ، و لكنها ملكا للشعب صاحب القضية ،و من حقه ان يعرف كل ما يدور حوله في قضيته المحورية التي تحدد مصيره و مستقبل اجياله . 1 - البرنامج السياسي للمجلس الوطني الاعلى :ديسمبر2008م: يعتبر البرمامج السياسي للمجلس الوطني الاعلى للنضال السلمي و تحرير الجنوب و استعادة الدولة الجنوبية الذي تم نشرة في 22 ديسمبر 2008م – و بكل المقاييس – قفزة نوعية و ناضجة في الوعي النضالي الجنوبي بحقيقة القضية الوطنية الجنوبية باعتبار قضية تحرر وطني من الاحتلال الاجنبي ، كما احتوى ذلك البرنامج تحليلا موضوعيا لازمة الدولة و الهوية في مرحلة ما بعد الاستقلال و حتى كارثة الاحتلال. كان المناضل حسن احمد باعوم هو رأس الحربة و العمود الفقري في ظهور المجلس و رؤيته السياسية ، و هذا لا يلغي الدور المحوري الذي قامت به الجماعة المؤسسة للمجلس في اتمام ذلك الجهد العظيم ، و لا شك انه كان بين اولئك المؤسسين من ينتمون الى النخبة الاكاديمية في محافظة حضرموت ، الا ان حضورهم لم يكن لافتا 2 - وثيقة بيان المكلا : يوليو2007م: و على مستوى حضرموت ، يعتبر البرنامج السياسي للمجلس الوطني تجاوزا لوثيقة ( بيان المكلا ) الصادرة في 7 يوليو 2007م ، و التي طالبت بالفدرالية كحد ادنى ، تلك الوثيقة التي وقع عليها المناضل باعوم نفسه ، اضافة الى شخصيات اخرى . الا ان ما يميز قائمة الموقعين على تلك الوثيقة هو خلوها تماما من الاكاديميين الحضارمة ، هذه الملاحظة الاخيرة –على سلبيتها – سوف تتبلورلتكون اكثر وضوحا من خلال المحطات و المواقف القادمة . و مع هذا ، فقد طرحت وثيقة ( بيان المكلا ) قضايا جنوبية اساسية و جوهرية ، يمكن اعتبارها ارهاصا و مقدمة للبرنامج السياسي للمجلس الوطني ، منها : 1 - ضرورة اصلاح مسار الوحدة ، و معالجة الاختلالات التي لحقت بالوحدة نتيجة حرب 94م و ارجاع الحق الى نصابه ضرورة اعتماد وثيقة العهد و الاتفاق مدخلا لتصحيح ذلك المسار و ضع حد للنهب المنظم و الجشع للجنوب ارضا و انسانا . 4 - وضع حدا للتلوث البيئي الدي تقوم به الشركات النفطية العاملة في حضرموت 5 - الغاء الاحتفال بيوم 7يوليو باعتباره يوما اسودا في تاريخ البلاد. 6- التأكيد على حق الجنوبيين المتقاعدين في تشكيل منظماتهم المدنية للمطالبة بحقوقهم المنهوبة. 7- اعتبر البيان ان حرب 94م اغتيالا للوحدة الطوعية . من مجمل تلك القضايا التي تضمنتها وثيقة بيان المكلا ، نجد انها تنظر الى الجنوب باعتباره محتلا و ان لم تصرح بذلك ، اضافة الى كونه منهوبا و مقموعا و ملوثا ........، كما انه من المهم هنا التذكير ان صدور بيان المكلا كان في مجد و قوة و غرور نظام الاحتلال ، بالاضافة الى كونه صادرا عن شخصيات اجتماعية يمثلون اشخاصهم و ذواتهم ، و لهذا لابد من النظر الى ذلك البيان باعتباره تحديا و صرخة في وجه الاحتلال و رموزه ، ذلك التحدي و تلك الصرخة التي ظهرا مدويين في البرنامج السياسيي للمجلس الوطني و ما مثله من حراك شعبي جنوبي زلزل اركان الاحتلال و ارغمه على الركوع المهين . 3 - وثيقة حضرموت الرؤية و المسار :يونيو 2011م: علينا الانتظار حتى يونيو 2011م ، أي بعد حوالي اربعة اعوام كاملة من النضال الوطني الجنوبي الذي شمل الجنوب كله من باب المندب حتى اقاصي المهرة ، و اصبح خلالها نظام الاحتلال في صنعاء يترنح كالصرصار المحتضر ، و تدخل المجتمع الدولي بقوة في تدارك الانفجار العظيم لمنظومة الحكم الشائخة المدججة بالسلاح و التخلف معا ، من خلال مبادرته الخليجية ، و اصبح صالح على مشارف الابعاد من سدة الحكم ، و اصبحت خلالها القضية الجنوبية على مرآي و مسمع المجتمعين الاقليمي و الدولي ، و فوق كل هذا و ذاك اصبحت الحركة الوطنية الجنوبية السلمية تمتلك وعي الشارع الجنوبي و نشاطه اليومي الدؤوب بامتياز، و بلا منازع يستحق الذكر... بعد اربع سنوات كاملة حافلة بالتطورات الجوهرية و المهمة في نضال الشعب الجنوبي و معاناته للقمع و الاضطهاد و التنكيل ، و في ذلك اليوم من عام 2011م ، اجتمعت نخبة من مختلف المشارب و الاتجاهات في حلقة نقاش دعا إليها مجلس حضرموت الأهلي بعنوان (حضرموت: الرؤية والمسار)، انعقدت بمدينة المكلا يومي الأحد والاثنين: 10-11 / رجب / 1432ه الموافق 12-13/يونيو/2011م ، تحت شعار: (من أجل توحيد الكلمة والاتفاق على رؤية مشتركة).و تحت مضمون اساسي هو ( حضرموت اولا ) . حضر تلك الحلقة رموز الاحتلال من ابناء حضرموت من مسؤلي المحافظة و وزراء و اعضاء في مجلس النواب سابقين ممثلين عن الاحتلال و احزابه الاساسية . و فوق كل ذلك ، و الاهم بالنسبة لموضوعنا هذا ، هو ان تلك الحلقة كانت تحت ادارة نخبة اكاديمية حضرمية ، كما كان الحضور الاكاديمي فيها لافتا ، و هذا الحضور الاكاديمي الافت و الذي افتقرت الية وثيقة بيان المكلا ، يعتبر تطورا في مساهمة النخبة الحضرمية في تشكيل الوعي الوطني الجنوبي في حضرموت ، بعد تلك السنوات الاربع من النضال الوطني المشهود . فكيف كانت ( تلك الرؤية و ذلك المسار) الذي صاغته تلك النخبة في تلك الحلقة النقاشية .؟. يمكن اختصار( حضرموت الرؤية و المسار) التي تمخضت عنه تلك الحلقة النقاشية كما وردت في الوثيقة الصادرة عنها بما يلي : كحد ادنى ان تكون حضرموت اقليما يتمتع بكل حقوق الدولة المستقلة ، الا انه لا يتمتع بعاصمة سيادية ، و سيان ان تكون تلك العاصمة هي عدن او صنعاء ، في ظل دولة الجنوب او في ظل الوضع السائد اليوم ، فليس في الامر فرق ...... تلك المحصلة الاجمالية التي سيطرت على الرؤية و المسار ، كان طبيعيا ان تتسم بما يلي: 1- لم تر في الوضع الراهن في الجنوب احتلالا ،و هذا يعني انها لا تكن ودا للحركة الوطنية السلمية العارمة في عموم الجنوب و بين ظهرانيهم في حضرموت. 2- لم تحمل او ترصد في طياتها هما حضرميا واحدا من هموم و معاناة اهل حضرموت الذين يسحقهم الاحتلال برحاه من طلوع الشمس الى طلوعها القادم ، أي ان تلك الرؤية كانت تمثلا اغترابا فجا عن الانسان و المكان . و اذا كانت تلك الهموم ( الحضرمية ) لا تعني في شىء اولئك القوم ، فانه طبيعيا ان لا تعنيهم هموم الجنوب......، بل و غابت لفظة ( الجنوب ) تماما عن تلك الوثيقة.. و كأنها لم تسمع به قط في هدير مظاهرات الحراك الوطني في كل زقاق و شارع في الجنوب... و لم تكن جزء منه على مدى عقود خلت على الأقل ..... - 3 ان تلك الرؤية و ذلك المسار ، و هي تطالب ب ( حضرموت اقليما ) لم تنبس ببنت شفة حول ( معيار الاقليمية ) المقصودة ، و هل هو معيار مناخي او بشري او تاريخي حضاري ، وبغياب تلك المعيارية كانت طبيعيا ان تغيب حدود ذلك الاقليم و ملامحه .... كل ذلك يجعل حديث ( الاقليمية ) لغوا و ثرثرة على مقام (حضرموت التاريخ و الاصالة 4 - 4 و حتى لا يتم خدش وجه الاحتلال ، فان الوثيقة المذكورة خلت تماما من ذكر لفظة ( الهوية ) في أي مسار كان ، و هو الامر الذي يشير الى ( ازمة الهوية ) التي تعكسها صياغة تلك الوثيقة ، و هو الامر الذي وقف حائلا دون النظر الى الوضع القائم في الجنوب عامة باعتباره احتلالا، و هذا يفسر الحضور القوي لرموز الاحتلال و احزابه في فعاليات تلك الحلقة النقاشية و ما تمخض عنها ........ 5- عند مقارنتها بوثيقة بيان المكلا في عام 2007م ، فان وثيقة حضرموت الرؤية و المسار في عام 2011م ، تعتبر ردة و نكوصا في الوعي الوطني في حضرموت ، ان لم تكن ارتماءا نزقا في احضان الاحتلال مع سبق الترصد و الاصرار ..... 6- من المؤكد اليقيني و القطعي منطقيا ، ان ما ورد في تلك الوثيقة ، و في تلك اللحظة الحاسمة من انتصارات الحراك الشعبي الجنوبي ، من خلال طرح شعار ( حضرموت اولا ) انما يصب في مجرى تمزيق و اضعاف ذلك الحراك و اضعاف مقصود للقضية الجنوبية ، لصالح قوى الاحتلال ، و هذا يكفي وحده لتفسير الحضور القوي لنظام الاحتلال و رموزه في كل المسارات المؤدية لتلك الرؤية البائسة....... - -4 بيان قائمة ال 19 في القاهرة نوفمبر 2011م: بعد خمسة اشهر فقط من وثيقة ( حضرموت الرؤية و المسار ) البائسة ، و في نوفمبر من نفس العام ، ينعقد في القاهرة المؤتمر الجنوبي الاول بدعوة من الرئسين حيدر العطاس و علي ناصر محمد ، يهدف هذا المؤتمر الى تبني رؤية جنوبية متكاملة لحل القضية الجنوبية ،و كان من ضمن الحضور قائمة ال 19 التي تنتمي الى محافظة حضرموت التي اعلنت انسحابها من المؤتمر تحت المبررات التالية كما وردت في بيان الانسحاب ،علما بان تلك القائمة تضم سبعة من حملة الدكتوراة و مهندسا واحدا ، و هذا هو سبب عنايتنا ببيانهم ، باعتبارهم نموذجا للوعي السياسي للنخبة الحضرمية الاكاديمية الفاعلة :- 1 - ان المجتمعين في ذلك المؤتمر لا يمثلون كل الطيف السياسي الجنوبي ، و من زاوية الحرص على توحيد الصف الجنوبي و عدم انقسام الشارع الجنوبي و من ثم اضعاف القضية الجنوبية ، رأت تلك القائمة الانسحاب حتى تكون على مسافة واحدة من جميع الاطراف . هكذا و بكل وقاحة و صلافة و كأن وثيقتهم الرؤية و المسار تصب في وحدة الصف الجنوبي و القضية الجنوبية ..و ليس تمزيقا مقصودا يستهدف القضية الجنوبية و حاملها الحراك السلمي الجنوبي. 2 - جاء في بيان الانسحاب لتلك القائمة العبارة التالية كما أن حضرموت التي توافقت مكوناتها على مشروع وثيقة الرؤية والمسار، لن تعيد إنتاج اللحظة التي خرجت فيها من الحقبة الاستعمارية) مما يعني ان حضور تلك القائمة في ذلك المؤتمر كان حضورا عبثيا ، و انهم غير معنيين بالقضية الجنوبية ، اذ لازلون قائمين على ما في اعناقهم من بيعة لحضرموت الرؤية و المسار.. التي تنكرت للجنوب و قضيته بوجه كالح و وقح . اضافة الى وقاحة تلك القائمة في مصادرة حضرموت الارض و الانسان في رؤيتها كما تتضح في العبارة اعلاه ، في الوقت الذي تتهم مؤتمر القاهرة بالمصادرة و الالغاء للاخر الجنوبي... 3 - و من خلال تبني تلك القائمة لاتجاهين متناقضين تماما ، هما و ثيقة حضرموت الرؤية و المسار و الادعاء بالحرص على وحدة الصف الجنوبي من اجل تماسك القضية الجنوبية ، تكون تلك القائمة قد طورت من لغوها و ثرثرتها على مقام حضرموت التاريخ و الحضارة ، لتنقله الى مستوى القضية الجنوبية و وحدة الصف الجنوبي....... و اذا كانت الخلافات و الانقسامات و الاستقالات قد عصفت بنخبة ( الرؤية و المسار) ، و كان من نتيجة ذلك الموت المحقق المبكر لمجلس حضرموت الاهلي و رؤيته و مساره ، و معه تلك النخبة الاكاديمية القائمة عليه ، فان حال قائمة ال 19 ليس افضل حالا، فقد تمزقوا ايدي سبأ ، و ترحلوا في بادية السياسة و مواقفها المتناقضة ،تسوقهم اللامبدئية التي رافقت مسارهم و مواقفهم منذ النشأة ، و تفوق وعي الشارع الجنوبي عامة على وعيهم و قوته و انتشاره ، و التزامه بقضيته الوطنية .فمنهم من اعتصب للعصبة الحضرمية و اعلن ولاءه للحكم في صنعاء ، و هناك من التزم لحوار صنعاء و رأى في ذلك تحقيقا لحضرميته ، و منهم من التزم الترحال بين العواصم و وسائل الاعلام و المنصات، و هو يحمل في عنقه بيعة الرؤية المسار، و داعيا لوحدة الصف الجنوبي ، بحثا عن الشهرة و الظهور.... على حساب قضية شعبه و وطنه...... حضرموت -- 8 اكتوبر 2013م