ودعت قرية أبو عروة في شهر شعبان الماضي ، الشاعر سعيّد بن سلطان الحسيني الشريف عن عمر ناهز التسعين عاما بعد حياة حافلة من نشاطه الذهني والشعري والورائي حيث تجلت مواهبه في أكثر من فن فقد جمع بين الرواية والمحاورة إلى جانب نظم الحداية ، ففي حدود عام 1345 ه تقريبا ولد شاعرنا بوادي فاطمة وترعرع على أطراف تلك الروابي الشاعرة، حيث تعتبر بيئة حاضنة لكل مفاهيم الإبداع الشعري وتعج بالشعراء الكبار أمثال الجبرتي وبركات بن سعيد ومزبن العطياني وغيرهم من الشعراء، فمن الطبعي أن يكتسب تلك الموهبة.أماالرواية فقد أتقن ملامحها من خلال تلقيه لمجموعة نادرة من الحكايات الروائية التي كان والده سلطان بن وصل يرويها ومن هنا اكتسب لغة روائية جميلة وسلسة هيئت له قبولا في المؤانسة وأحاديث السمر التي كان يعدها أرباب الأدب قديما من أرقى فنونه. دخل ساحة المحاورة في تجربة قاسية جدا مع الشاعر بركات بن سعيد في منتصف السبعينات الهجرية ضمن حفلة زواج فبركات كان يمتلك موهبة هائلة جدا وخبرة فائقة في صراع المحاورة الدائر يومها ما بينه وبين الجبرتي فكان دخول سعيد بن سلطان مغامرة شديدة الخطورة ولكنها كانت ناجحة جدا في تقديري على الأقل كونه خرج بأقل الخسائر الممكنة رغم حداثته ولكنها مكنته من كسر حاجز الخوف في مواجهة الجبرتي مستقبلا وسليم الصاعدي وبعض شعراء مدركة وهم من المتمرسين بطبيعة الحال . ولاشك أن منبع شعر المحاورة كان من بادية الحجازالشمالية بدليل أنه إلى عام 1360ه لم تكن هناك محاورات تطرق في أي جهة من جهات الجزيرة العربية سوى بادية الحجاز وهو ما يفسر لنا ظهور جهابذة كبار أمثال الومني ومزبن العطياني والجبرتي وبركات بن سعيد وسعيد بن سلطان . فقد المحاورة الاولى في مناسبة زواج وكانت المحاورة على أشدها بين سليم الصاعدي وبركات بن سعيد ، واستطاع شاعرنا كسر حاجز الخوف بعدها ونازل الجبرتي في أكثر من موقعة رغم أن بن سلطان كان يصغره كثيرا جدا ، وعلمت أنه كان يتحاشى الدخول مع الجبرتي في معاني خطيرة كما أخبرني يرحمه الله كان يغريه بها وأظنه كان قادرا على الرد ولكن خشي أن تتحول الأمور لمسارات غير إبداعية وهو ما لا يريده بن سلطان. نعود لنصوص تجربته الأولى مع بركات حيث يقول سعيد بن سلطان متوجها صوب بركات: سلام الله بقاف يطرد الطارد عن المطرود سلام الشاعر اللي ياخذ الزينة ويعطيها وقصد بذلك فك الإشتباك ما بين الشاعرين ..فرد بركات بن سعيد: هلا بك يالمسلم بعد جبت الجود والماجود يغني بالطروق اللي على كيفه يغنيها أي ليس لديك ما تقدمه سوى ما ذكرته فقط وليس لديك ما تقدمه ، وتكملة الرد لم يخبرني بها يرحمه الله ولكنها كانت شديدة القسوة بلاشك وتقبلها بن سلطان ونافح عن موقفه حيث يقول لبركات: عينت العملة اللي زيفوها في الليالي السود غدت ما بين شاهدها وقاضيها ومفتيها أنا ماشي مع السكة واثر درب الطرد مقعود أثر صبيان بقعا غنت المدفاع ترميها ثم كانت تجربته الشعرية مع الشاعر عطية بن عطيان وكانت ودية وإخوانية أكثر منها منازلة شعرية فقد ربطتهما صداقة قوية ولم تكن تخلو من مفاكهات لطيفة يغلب عليها الود والصداقة. وتتجلى براعة بن سلطان في نظم الحدايا حيث ظل يمتلك نموذجا لغويا فريدا في تكوينه الفني وقدرته القوية في سحب المفردات وتركيبها داخل بنية الحداية وقد صاغ النمطين المروبع والمثومن . وظل مداوما على نظمها حتى آخر عمره ولكنه مال لتسهيلها بعد أن كان يضع المعاني الذكية الغامضة وكان الشعراء يحسبون لها حسابات خاصة نظرا لدقة المعاني الذكية التي كان يضمنها، وقد حصل له موقف في إحدى المناسبات كما أخبرني عندما لم يتمكن أهل المناسبة من الرد وحيوبهم مباشرة دون رد ولم يكن هذا سائرا أبدا بل تظل الحداية في منشأتها حتى يستوفي أهل المناسبة الرد وأعجبني في عذره . أما الرواية فقد كان حريا بها ورائدها الأول بلا منازع ساعده في ذلك ذاكرة قوية ومتوهجة امسك من خلالها بقدر واسع من الأخبار الأدبية والشعرية حتى أصبح سماع روايته لايمل أبدا ويتمنى المستمع ألا يصمت أبدا وهو يروي الأخباروبعض مغامرات الشعراء. وقد رافق إحدى البعثات الأثرية في عام 1404ه بوادي فاطمة باعتباره موظفا بإمارة الجموم وكان دليلا ماهرا جدا واستفادت البعثة منه كثير في تواريخ الأمكنة ومواقعها .. رحم الله شاعرنا وأسكنه فسيح جناته. رؤية : بدر اللحياني