في خطاٍب تطرق خلاله لقضايا عدة.. هنية: كلما اقتربنا من المصالحة يفتتح الأمريكان مشاريع سياسية جديدة حذّر رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية، من تسارع خطوات الاحتلال ضد القدس والمسجد الأقصى والأرض الفلسطينية، مستغلاً المفاوضات، ومستفيداً من حالة التنسيق الأمني، ومن واقع الانقسام المؤلم، وانشغال الأمة بهمومها وجراحها المحلية، وحالة الاستقطاب الحاد. غزة (فارس) وقال هنية في خطابٍ سياسي ألقاه اليوم السبت بمركز رشاد الشوا الثقافي في غزة، بحضور شخصيات رسمية وقيادات القوى والفصائل، والنخب الاجتماعية وحشد من المثقفين والأكاديميين: إننا "نخاطبكم في هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ شعبنا وأمتنا وما نعيشه من أحداث جسام ألقت بآثارها الكبيرة والإستراتيجية على القضية الفلسطينية، وعلى قضايا أمتنا العربية ومستقبلها وفي ظل محاولات البعض استغلال هذه التطورات لإجهاض حلم شعبنا بالحرية والديمقراطية والكرامة، وضرب مقومات الصمود، ونشر ثقافة الهزيمة وشيطنة المقاومة". وأشار إلى متابعتهم باهتمامٍ بالغ وبمشاعر القلق والألم والغضب ما يجرى في القدس والأقصى وما يدور حولهما من كيد وتهويد ومؤامرات ومهادنة ومساومة وتنازلات، موضحاً أن "المسجد المبارك يتعرض لخطة ممنهجة ترمي إلى السيطرة عليه وتغيير معالمه". ولفت هنية إلى أن "القدس اليوم تعاني من التهويد والتهجير والطرد، وتغيير البنية الديموغرافية وهدم المنازل ومنع البناء، وتدنيس واستهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية، واغتصاب آلاف الدونمات لصالح المشروع الصهيوني المعروف باسم "القدس الكبرى"، الذي سينتهي عام 2020 - وبحسب مخططهم- لن يتجاوز عدد المقدسيين عن 20% من سكانها، وما الجدار العازل إلاَّ حلقة من حلقاته". وتحدث عن بدء الاحتلال بإجراءاته العملية لتقسيم الأقصى مكانياً وزمنياً، وذلك من خلال السماح للمستوطنين، والمتطرفين باقتحام المسجد واستباحته، والإساءة إلى رمزيته الدينية والتاريخية، ومحاولة العدو الوصول به إلى مصير مشابه لمصير الحرم الإبراهيمي، تمهيداً لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، منبهًا إلى أن كل ذلك يجري بقرار سياسي احتلالي. وأضاف: "إننا أمام هذه الهجمة الشرسة التي تستهدف القدس والأقصى، نؤكد بأن المسجد المبارك جزءٌ من عقيدة المسلمين، ولن يكون إلا إسلاميًا خالصاً"، مشدداً على أن الأقصى لا يقبل القسمة الزمانية أو المكانية، ولن يستطيع الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع فيه، وإن الجرائم المتصاعدة ضده لن تفلح في طمس هويته، وتغيب معالمه. وتطرق هنية في خطابه إلى المفاوضات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع الكيان الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن العدو يستثمر هذه المفاوضات ويستغلها لتعزيز علاقاته العامة مع المجتمع الدولي لتحسين صورته، واستنزاف مواقف المفاوض الفلسطيني وسقوفه السياسية، وكغطاء لممارساته وإجراءاته العدوانية خاصة التهويد والاستيطان وتدنيس الأقصى والسعي لتقسيمه. وبحسبه فإن "المفاوضات الحالية تجري بقرار سياسي منفرد، وأن غالبية أبناء شعبنا وقواه وفصائله تقف ضدها، إضافةً إلى أنها تشكل خروجاً عن الإجماع الوطني، وهي مفاوضات جرت وتجري تحت الضغط والابتزاز والإكراه الأمريكي، وفي ظل ميزان قوى يميل لصالح العدو، وغياب كامل لعوامل القوة وأوراق الضغط التي تجبر العدو على التسليم بحقوقنا، مما يجعلها مفاوضات عقيمة، بل تشكل خطراً حقيقياً على قضيتنا وحقوق شعبنا، وخاصة القدس والأرض والعودة". وشدد هنية على ضرورة وقف المفاوضات، وتجاوز نهج أوسلو، والبحث مع القوى السياسية في إيجاد إستراتيجية وطنية جديدة تقوم على تكامل الرؤى والوسائل، وتكون أنجع في مواجهة الاحتلال وفي تحقيق الطموحات الوطنية. ودعا رئيس الحكومة في غزة، القوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية إلى الاحتشاد الوطني في مواجهة مخاطر المفاوضات مع العدو، وأي تسويات محتملة معه، وإلى بناء إستراتيجية وطنية فلسطينية، تشمل كافة الخيارات المتاحة وكل الوسائل الممكنة بما فيها المقاومة المسلحة، المقاومة الشعبية، المواجهة السياسية والدبلوماسية والإعلامية والجماهيرية والقانونية والمقاطعة الأكاديمية والدبلوماسية، من خلال مختلف الساحات والمنابر الإقليمية والدولية. كما دعا "الدول العربية رغم انشغالها بملفاتها الداخلية إلى حماية مواقف أمتنا الثابتة في القدس وفلسطين، وتكثيف العمل والتصدي لسياسات الصهاينة". وقال هنية : "من المعلوم بالضرورة أن إنجاز مشروع التحرر الوطني وفق تجارب الشعوب والأمم يستوجب المزاوجة بين المقاومة والعمل السياسي والدبلوماسي"، مشيرًا إلى أن العمل السياسي لم يكن أقل أهمية من العمل العسكري المقاوم فأحدهما يكمل الآخر، مستدركًا: "لكن ذلك مرهون بعدم الوقوع في التناقض بين السياسة والمقاومة أو افتراق العمل السياسي وتفريطه وابتعاده عن ثوابت القضية". وعرج على قضية المصالحة الوطنية الفلسطينية، موضحًا أن استمرار حالة الانقسام، وكيفية الخروج منه نحو فضاء المصالحة، تعد من أكثر القضايا إيلاماً لنا ولشعبنا. ووضع هنية يده على الجرح في هذه القضية، حيث نبّه إلى أن الفيتو الأميركي والتخريب الصهيوني ظل العامل الأكثر بروزاً في إفشال المصالحة، وحرمان الكل الفلسطيني من اختيار برنامجه الوطني والسياسي بشكل حرّ. وقال:" كلما اقتربنا من الحل افتتح الأمريكان مشاريع سياسية جديدة لثني الأخوة في حركة فتح عن مواصلة تطبيق المصالحة، وكان آخر هذه المشاريع المفاوضات التي دعا لها (وزير الخارجية الأميركي جون) كيري واشترط لها وقف إجراءات المصالحة". ولا ينكر هنية وجود اختلافات داخل الساحة الفلسطينية إزاء قضية المصالحة، مستدركًا بالقول: "وعلى الرغم من ذلك ينبغي أن لا نغير من نظرتنا التوافقية في أن نستمر بالانقسام أو دفع الأمور نحو المجهول خاصة وأن البعض يعتقد أنه قادر على استنساخ سيناريو إقليمي في غزة"، منبهاً في السياق إلى أن أي سيناريو لا علاقة له بالواقع الفلسطيني وخصوصية مساره التحرري سوف يفشل، ولا يمكن أن ينفذ إلى الساحة الفلسطينية المقاومة العصية على الكسر. وجدد التأكيد على موقف حركة حماس والحكومة الفلسطينية في غزة من إنهاء حالة الانقسام "على أساس كل ما تم الاتفاق عليه، بما لا يدع مجالاً للتأويل والتشكيك من أن المصالحة خيارنا وقرارنا من اللحظة الأولى ولا تغيير في مواقفنا، ونحن مع انجازها بأسرع وقت ممكن، ومع أي خطوات ومبادرات عملية تقود إلى مصالحة حقيقية تنهي الانقسام، وتوحد المؤسسات السياسية لتكون لنا حكومة واحدة ومجلس تشريعي واحد ورئاسة واحدة"، كما قال. كما جدد هنية التأكيد على إيمانه ب"الشراكة وعدم سعيهم للسيطرة"، مشيرًا إلى اقتراحه ب"مشاركة الجميع في إدارة غزة في كافة المجالات إلى حين إنجاز المصالحة كدلالة على صدقية التوجه نحو شراكة فعلية". ودعا حركة فتح إلى "أخذ زمام المبادرة من دون إبطاء لتأمين عبور آمن وسلس إلى المرحلة القادمة، ووضع لبنات حقيقية في جدار الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال الاستناد على الاتفاقيات التي وقعناها معاً، والتي اشتملت على الملفات الخمسة الرئيسة وهي: الحكومة – المنظمة – الانتخابات – الحريات العامة ومعالجة الملف الأمني – المصالحة المجتمعية". وشدد هنية على ضرورة "تجاوز الواقع الراهن، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الوطنية"، داعيًا في السياق إلى التركيز على ثلاثة أمور وانجازها عبر هذا الحوار الذي يجب أن يكون بسقف زمني محدد. ونوه إلى أن الأمر الأول يتمثل في "البحث العملي في آليات تطبيق اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام مع التركيز على الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتوفير الأجواء الداخلية والحريات العامة اللازمة لإجرائها"، داعيًا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى سرعة تشكيل الحكومة بناءً على ذلك. كما دعا إلى "تفعيل لقاءات الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية للمنظمة". وأكد هنية أن الأمر الثالث يتمثل ب"التفاهم والتوافق على البرنامج الوطني، وإدارة القرار السياسي الفلسطيني، والبرنامج النضالي لمواجهة الاحتلال، ومقاومته والتصدي لممارساته العدوانية ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، بكل الوسائل والأشكال المتاحة". يتبع...