يعتبر رأس المال البشري أحد مكونات رأس المال الفكري، والذي يتصف بخاصية هامة؛ وهي أن المنظمة تحصل على مساهماته في العمل بدون أن تتملكه بشكلٍ مباشر، ممّا يضيف درجة من عدم التأكد بنسبة لاستخدامه. ويقصد برأس المال البشري المعرفة والمهارات، بالإضافة إلى القدرات الذاتية لتحديد وإيجاد مصادر المعرفة والمهارات التي لا يمتلكها الأفراد حاليًّا، وهو ما يطلق عليه المديرون أحيانًا المبادأة أو الابتكار أو قدرات المنظمة. وعلى ذلك يظهر الاختلاف بين رأس المال البشري ورأس المال الهيكلي، فالمعرفة والمهارات في عقول الأفراد تمثل رأس المال البشري، وتتحول إلى رأس مال هيكلي فقط إذا تم نقلها وتحويلها وتكويدها في مستندات متنوعة بالمنظمة. ولقد شهد عصر ما بعد الثورة الصناعية ظهور أهمية وقوة رأس المال المادي، وقد امتدت سيطرة رأس المال المادي على المفهوم السائد لرأس المال خلال الفترة من بعد الثورة الصناعية وحتى منتصف القرن الماضي تقريبًا. وقد أكد عدد من الباحثين في هذا المجال على أن نظرية وأسس رأس المال البشري قد تطور في عقد الستينيات والتي تقوم على أن الأفراد في الشركة هم مصدر تعظيم ثروتها (Wealth Maximizes) وبذلك فإن هذه النظرية وجّهت الأنظار بشكلٍ مكثف نحو العاملين من ذوي الخبرة العالية والمهارة، كونهم يمثلون رأس المال البشري في الشركة الذي يلعب دوراً في تحقيق النتائج الإيجابية لها لا يقل عن دور رأس المال المادي، وأن الإنفاق على تعليمهم وتدريبهم إنما هو استثمار له مردود، وليس نفقة غامضة لا مردود لها. وهناك جهود كبيرة تُبذل من أجل تطوير مقاييس ومؤشرات يمكن الركون إليها لقياس وتقييم رأس المال الفكري على مستوى الشركات، ورغم التقدم الملموس الذي حصل في هذا المجال إلاّ أنه لازالت هناك مساحة عدم اتفاق بين المختصين فيما يتعلق بهذه المقاييس، بما يؤشر استمرار الحاجة لمزيد من التطوير والتحسين لهذه المقاييس. هذا.. وقد أظهرت المملكة أداءً جيدًا في التصنيف العالمي الجديد لرأس المال البشري الذي طوّرته وكالة "ميرسر" بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي كوسيلة لتحديد الدول التي تحتل أفضل المراتب للمساهمة في التنمية الفاعلة للقوى العاملة؛ وإمكانات النمو والنجاح الاقتصادي. وجاءت المملكة في المرتبة 39 من بين 122 بلدًا يعيش فيها أكثر من 90% من سكان العالم، ولتحتل بذلك مكانًا متقدمًا على الكثير من الدول الكبرى، مثل الصين وروسيا، كما أنها تقدمت على كل من تايلند وبولندا وإندونيسيا. وأخيرًا.. فإنه يجب علينا لتنمية الاقتصاد الوطني الانتقال به إلى اقتصاد قائم على المعرفة، ممّا يتطلب بالضرورة نشوء قاعدة محليّة من المواهب والكوادر البشريّة القادرة على تلبية متطلبات المؤسسات والشركات المحليّة. والله الموفق. [email protected]