عندما تمعن النظر، وتُعمل فكرك، وتتأمل أوضاع أسواقنا وأنشطتنا التجارية، فإنك ستجد العجب العجاب؛ وذلك لأسباب عديدة، تجعل عقلك في حيرة، وفكرك يعيش مرحلة من التشتت؛ في أيها يفكر، وفي أيها يبدأ. فالأسباب التي تجعله يتشتت كثيرة ومهمة وخطيرة؛ لعل من أهمها ما يجعلك تتذكر قول ذلك الوافد حين سئل عن التجارة في السعودية فقال: "الفلوس في السعودية طائرة فوق الرؤوس، لا يراها إلا الوافدون ". ومن هنا تتضح لنا سيطرة الوافدين على أسواقنا، وهذه - للأسف - حقيقة ثابتة وواقع لا ينكره إلا جاهل أو مكابر، لا يريد رؤية الحقيقة والاعتراف بالواقع؛ فلو تأملت جميع الأنشطة التجارية لوجدت الوافدين قد سيطروا عليها، و"السعودي" ليس له إلا اسمه المعلق على اللوحة، أو بالأحرى اسم أمه أو زوجته؛ لأنه موظف، ولا يحق له ممارسة التجارة..!!! مع أن وزارتنا الموقرة تعلم تمام العلم بالحقيقة المرة التي جعلت بعض الشعب ما بين "كاذب" و"غشاش"، والسبب أنظمة وزارة التجارة التي تمنع الموظف من ممارسة التجارة، مع أن الوزارة تعلم أن النشاط التجاري للرجل وليس لأمه أو زوجته، ولكنهم يحبون مَنْ "يكذب" عليهم..!!! وهم بذلك يُعلّمون الناس الكذب.. والغش.. والتزوير.. والخداع.. والنصب..!!!! والمصيبة الأعظم والأدهى والأمرّ أنهم يعلمون أن النشاط التجاري للوافد، والسعودي له الاسم ومبلغ "زهيد" من الريالات، يصرفها له "عمه الوافد" نهاية كل شهر مقابل وضعه غطاءً قانونياً كاذباً على نشاط هذا الوافد الذي سيستعيد هذا المبلغ وأضعافه من جلد المستهلك المسكين..!!! لأن سيادة الوافد الموقر قد دفع ثمن الاسم وثمن "الفيزة" التي اشتراها بمبلغ وقدره.. وهذا سبب آخر يجعل العاقل في حيرة من أمره؛ ويجعل ذهنه يقف حائراً متسائلاً: لماذا تسكت وزارة التجارة والجهات الأخرى، وتغض الطرف عن تجارة "الفيز"؟!! مع أنهم يعلمون تمام العلم أنها مسيطرة على البلد، وأغرقت البلد بالعمالة السائبة التي يصدق عليها اسم "قنابل موقوتة"، لا نعلم في أي لحظة تنفجر.. فتدمر.. ثم.. تدمر.. وتدمر.. ومع الحملة الوطنية التي هدفت لتصحيح أوضاع هذه العمالة السائبة نأمل أن تكون هذه المعضلة قد حُلَّت ونُزِع فتيل "القنابل الموقوتة". ولكن تبقى قضية نشاط الوافد تحت غطاء السعودي هي المشكلة التي يجب أن تُحل، ويُقضى على جميع أسبابها وأوضاعها. ومَن يتأمل في هذه الأوضاع يجدها قد انتشرت لأسباب عديدة، أهمها تلك العراقيل والعوائق التي تضعها الوزارة في طريق المستثمر "الصغير"؛ لتمهد الطريق لسيطرة "الهوامير" على السوق، وتلك "البيروقراطية" التي تمارسها وزاراتنا في تعاملاتها وفي أنظمتها التي تفرضها على المستثمرين. وهذا يؤدي إلى مستقبل خطير، بدأنا نتلمس بوادره في واقعنا اليوم.. ألا وهو سيطرة "الهوامير" على السوق، ودخول غيرهم في دوامة كبيرة؛ وهذا يدخلنا في نفق "الطبقية"؛ إذ يصبح المجتمع طبقتين: أثرياء وفقراء. وإن حدث هذا فإنه خلل كبير، يقوض دعائم أي مجتمع ينتشر فيه. حمى الله البلاد والعباد من كل سوء ومن كل شر، وأدام علينا نعمة الإسلام.