تجيب كاري روسيفسكي ويكهام في كتابها «الإخوان المسلمون: تطور حركة إسلامية» الصادر في يونيو الماضي عن جامعة برينستون على جملة أسئلة مهمة يأتي على رأسها السؤال: كيف تحول الإخوان المسلمون إلى قوة سياسية كبرى، بعد أن كانوا قوة يعتريها الضعف؟ ما هو مستقبل الحركة وتأثيرها على مستقبل مصر في ضوء التطورات الأخيرة؟ إلى أي مدى كشفت تلك التطورات عن حقيقة هذه الحركة ودوافعها وأهدافها؟ كتسب الكتاب أهمية خاصة لعدة أسباب منها أن المؤلفة تعتبر أبرز باحثة (غربية) في موضوع الجماعات الإسلامية في مصر، إلى جانب ما اتسم به الكتاب من موضوعية وشمولية وتحليل عميق جعله من وجهة نظر النقاد أحد أهم الكتب الصادرة باللغة الإنجليزية حول نشأة وتطور حركة الإخوان المسلمين في مصر. كما أنه الكتاب الوحيد الصادر بالإنجليزية الذي يتناول تاريخ حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها عام 1928 على يد حسن البنا حتى العام 2012. وبالرغم من صدوره قبيل الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، إلاّ أنه لم يفقد أهميته، بسبب تحليله التاريخي الدقيق الغني بالمعلومات ومصادره الأصيلة، حيث تذكر المؤلفة بهذا الصدد إن من بين المصادر التي استعانت بها في تأليف الكتاب كتبا وتقارير بحثية ومقالات ب(العربية) لم يسبق لأحد من الباحثين الغربيين الرجوع إليها أو الاستعانة بها. وقد وصف مارك لينش أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة ويليامز المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الكتاب بأنه دراسة (معيارية) و»سيظل مرجعًا أساسيًا ومهما للباحثين في مجال الحركات الإسلامية لعقود». وتجدر الملاحظة أن ويكهام أمضت في تأليفه عشرين عامًا من البحث والدراسة، وجمعت بين دفتية مئة مقابلة مع العديد من القيادات الإسلامية، من بينها د. محمد مرسي الرئيس السابق لمصر. ويمكن الاستدلال على مدى الجهد الذي بذلته الباحثة في تأليف هذا الكتاب من خلال ما ذكرته في المقدمة بأنها أجرت بين العامين 2004 و2011 ما مجموعه 124 مقابلة مع إسلاميين وعلمانيين وأكاديميين وصحفيين وناشطين سياسيين في مصر والأردن والكويت والمغرب، استغرقت كل مقابلة منها من نصف ساعة إلى بضع ساعات. جماعة مثيرة للجدل تقول ويكهام أنه رغم ما حققه الإخوان من مستوى تأثير جماهيري كبير بعد اندلاع ثورات الربيع العربي «لم يكن يتصوره أحد»، حيث فازوا في الانتخابات البرلمانية عامي 2011 و2012 ، لينتخب أحد قادتهم بعد ذلك بستة أشهر رئيسًا لمصر، إلاّ أن الإخوان فشلوا بعد تسلمهم السلطة في إظهار مقدرتهم على تحديث وإصلاح الاقتصاد المصري المتدهور، وتشكيل حكومة ديمقراطية تحقق السلم الأهلي والأمن الوطني، وهي تطرح بهذا الصدد سؤالًا مهمًّا: ما تأثير الإخوان المسلمين في مستقبل مصر في ضوء التطورات الأخيرة؟ تسجل ويكهام انطباعاتها عن الإخوان في ضوء المقابلات العديدة التي أجرتها معهم خلال 20 عامًا، بأنها لاحظت أنهم ظلوا كما هم، لكنهم تغيروا بشكل أو بآخر، وهي تصفهم بأنهم أشخاص معقدين تتقاذفهم دوافع متضاربة ما بين القيم (العقدية) والأولويات (البرجماتية). السؤال الرئيس الذي تطرحه ويكهام وتحاول الإجابة عنه في كتابها: كيف أصبح الإخوان قوة سياسية كبرى في مصر بعد أن كانوا جماعة يعتريها الضعف؟ هي تذكر أن الدافع من وراء تأليفها هذا الكتاب، ما لاحظته منذ بداية التسعينيات من تغيير بعض قادة الإخوان لآرائهم وأفكارهم التي أعطت الانطباع بأنهم ابتعدوا قليلًا عن أفكار الإخوان المسلمين التقليدية وحاولوا الظهور بمظهر التفاعل مع المجموعات الأخرى، وهو ما جعلها تتساءل: هل غير الإخوان المسلمين أيديولجيتهم مع مرور الزمن؟ حول الأفكار التقليدية للإخوان تقول الكاتبة إنها انحصرت في البداية في التركيز على الدعوة فقط، وإنهم كانوا يناصبون الصهيونية والاستعمار الغربي العداء، وهي تتساءل بهذا الصدد: هل ظل الإخوان يتمسكون بهذه الأفكار والمبادئ، أم أن ثمة تغيرًا طرأ عليها؟ قول ويكهام في الإجابة على هذا السؤال إن الإخوان لم يلبثوا أن كشفوا عن هدفهم في إقامة دولة إسلامية، وأنهم نجحوا إلى حد بعيد في بناء سمعة قامت على أساس التاريخ الطويل لاضطهادهم منذ عهد الرئيس عبدالناصر، وبسبب الخدمات الاجتماعية التي اشتهروا بها، ما جعل الناس يتعاطفون معهم، ويقتربون منهم بشكل أكبر. وتضيف بأن ذلك كان جزءًا فقط من حقيقة الإخوان، يخفي وراءه العديد من الحقائق التي ما زال بعضها غامضًا مثل: كيف ينجحون في تجنيد الشباب؟ وما هو شكل البروفايل الاجتماعي في عضويتهم؟ وكيف يحافظون على وحدة التنظيم؟ وما هي مصادر تمويلهم؟ وما هي أجندتهم الحقيقية؟ وما هي علاقتهم الحقيقية مع السلفيين والجماعات العلمانية؟ هذا إلى جانب العديد من التساؤلات التي طرحت مع تسلم مرسي للحكم مثل: هل يفي بوعوده الانتخابية بأنه سيكون رئيسًا لكل المصريين؟ وهل ستعكس قراراته رأيه الشخصي أم رأي المرشد العام.. أم رأي توافقي للجماعة؟ أم لا شىء البتة من ذلك؟ ولذا ترى ويكهام انه ينبغي الاقتراب أكثر من الجماعة وسبر أغوارها للحصول على معلومات أدق حول تنظيمهم «شبه السري»، وكيفية اتخاذهم القرارات. ففي ضوء الغموض الذي يحيط بهذه الجماعة المثيرة للجدل «يبدو كل ما نذكره عنهم بأنه ليس صحيحًا بدرجة كافية، بحيث إننا لا نستطيع أن نحكم عليه بأنه صحيحًا 100%». الانغلاق على الذات سؤال آخر تطرحه ويكهام في كتابها في محاولتها التوصل إلى معرفة أشمل وأدق لتلك الجماعة: هل بإمكان جماعة الإخوان المسلمين التأقلم أو التعايش مع التركيبة الديمقراطية لمصر الجديدة؟ هل بإمكانهم التعايش مع القوى العلمانية؟ هي ترى في الإجابة عن هذا السؤال استحالة ذلك، بل ترى أن عودة الجيش للسيطرة على زمام الأمور في مصر تجعل عودتهم للحياة السياسية أكثر صعوبة. وفي رأيها، فإن الفجوة الكبيرة بين الجماعة والعلمانيين في مصر، وانعدام الثقة بينهما، يزيد من صعوبة الوضع في مصر، مؤكدة على أن أي نظام يقوم على فكر تنظيم واحد -كما فعل مبارك من قبل، والإخوان من بعده- مآله الفشل، وأنه ينبغي على الجميع التحاور والتعايش وتقبل الآخر. الكاتبة: كاري روسيفسكي ويكهام أستاذ مساعد العلوم السياسية في جامعة إميري في أتلانتا بولاية جورجيا، وهي مؤلفة عدة كتب، خريجة جامعة هارفارد وجامعة برينستون. وهي صاحبة العديد من المؤلفات من أبرزها كتاب «تعبئة الإسلام: الدين، النشاط، والتغيير السياسي في مصر» الصادر عن جامعة كولومبيا عام 2002. وتنشر ويكهام مقالاتها في صحيفة نيويورك تايمز ومجلة فورين أفيرز، وميدل إيست بوليسي. و يقع الكتاب في 384 صفحة ويضم 9 فصول وقائمة بالمقابلات وببلوغرافيا مختارة. والفصول التسعة هي على التوالي: تغير مفهوم الحركة الإسلامية - الغزوة الاخوانية للسياسات الانتخابية - سنوات الإخوان المسلمين الأولى - مبادرة حزب الوسط واستجابة الإخوان - تأرجح الإخوان بين إثبات الذات وضبط النفس - القمع والتقشف - الإخوان والثورة المصرية - الحركة الإسلامية المصرية: وجهة نظر مقارنة - الإخوان المسلمين في المرحلة الانتقالية.