11-08-2013 02:18 الجنوب الحر - متابعات مشكلة الاتحاد الأوروبي 28 دولة و23 لغة جوهان هيردر (1744- 1803) هو الفيلسوف الألماني الذي ارتبط اسمه ومن بعده الفيلسوف جوهان فخته (1762- 1814) بتأصيل عنصر اللغة بوصفه أقوى عناصر الانتماء القومي التي تنهض على أساسه وحدة الجماعة البشرية. وبديهي أن هذا التكريس لعنصر اللغة بوصفه أساساً لكيان الأمة الواحدة، هو الذي اهتم به وتبناه مفكرنا العربي الراحل أبو خلدون ساطع الحصري (1880- 1968) في أبحاثه ودعوته بشأن كيان القومية العربية وطموح العرب إلى أمة عربية موحدة بصورة من الصور وفي مرحلة قد تقرب أو تبعد من مراحل التاريخ. الوحدة السياسية في ضوء هذا كله.. بات السؤال الجوهري مطروحاً بإلحاح شديد وهو: هل يمكن تحقيق الوحدة السياسية بغير وجود لغة مشتركة؟ هذا السؤال طرحته مؤخراً مجلة "الإيكونومست" البريطانية وأجاب عنه محرروها على النحو التالي: نعم يمكن ذلك بطبيعة الحال. ثم جاء التفسير كما يلي: .. هناك أقطار في أنحاء شتى من الكرة الأرضية حققت الوحدة السياسية فيما لاتزال تستخدم لغات متعددة. ومن أمثلتها سويسرا"(في أوروبا) التي تستخدم 4 لغات. والهند (في آسيا) التي تستخدم رسمياً 22 لغة. وجنوب إفريقيا (في إفريقيا) التي تستخدم 11 لغة. مع هذا كله.. فالوجه الآخر لهذه العملة المنطقية لايزال يشهد بأصالة ومتانة الأواصر العميقة التي تربط الدول الشعوب التي تتكلم لغة واحدة، حيث قامت دول ونشأت نظم على أساس وحدة اللغة بكل ما ينبني على هذه الظاهرة من وحدة أو تجانس الإنتاج الفكري والإبداع الفني والتحصيل الثقافي- المعرفي.. إلخ. مشكلة الترجمة مع هذا كله.. يأتى "الاتحاد الأوروبي"، على نحو ما تذهب إليه "الإيكونومست"، شاهداً على ما تواجهه وحدة من نوع ما من مشكلات في ظل تنوع وتعدد اللغات المستخدمة على صعيد الكيان الموحد. "الاتحاد الأوروبي" يضم 28 دولة فيما يعتمد أيضاً 23 لغة رسمية (أحدثها بالمناسبة- هي اللغة الكرواتية)، ومن ثم تقضي أعراف "الاتحاد الأوروبي" بترجمة كل وثيقة إلى جميع هذه اللغات بكل ما ينطوي عليه ذلك من مشاكل وتكاليف وإن كانوا يستخدمون الإنجليزية والفرنسية والألمانية بوصفها لغات عمل (Working Languages) غير رسمية وبالمناسبة .. فالأمر ليس باليسير عندما نعلم أن من لغات الاتحاد الثلاث والعشرين ما ينتمي إلى أصول لغوية تعود إلى ألْسنيات لها جذورها المتباينة عبر التاريخ ومنها الأصول اللاتينية (تسمى أحياناً بالرومانسية) إضافة إلى الأصول الجرمانية والسلافية والبلطيقية والسلتية (أيرلندا وأصقاع الشمال الأوروبي) بل واللغات السامية (المالطية يعّدونها لهجة ذات أصل عربي). والحاصل أن هذا التنوع ينعكس ببلاغة خاصة على صفحة عملة الخمسة يورو حيث الكتابة مسجلة بالحروف اللاتينية واليونانية ثم السيريلية (المنسوبة إلى لغات صربيا روسيا.. السلافية). مشكلة الهوية مع هذا كله.. يظل المراقبون السياسيون في حال من التسليم كما تذكر "الإيكونومست" بأن "اللغة مازالت سبباً هائلاً يبرر صعوبة خلق هوية أوروبية موحدة..". هذا ما لوحظ مثلاً في أحدث مؤتمر عقدته أطراف الاتحاد الأوروبي في أوائل سبتمبر الماضي في "كرينكا" البولندية المتاخمة لحدود "سلوفاكيا".. حيث توزع الحاضرون بين استخدام اللغتين البولندية والروسية. في حين كانت الإنجليزية هى الغالبة. ورغم أن كان من أعضاء المؤتمر من حاول جاهداً إشاعة استخدامها لكن الكثيرين كانوا يفتقرون إلى مهارات هذا الاستخدام وهو ما دفع محرري "الإيكونومست" إلى معاودة التأكيد على ضرورة إضفاء قدر معقول من التوحيد على ما وصفوه بأنه "برج بابل" الأوروبي إشارة إلى تعدد اللغات التي تحول دون اكتمال حلم الوحدة الأوروبية المأمول. سياسة التعدد صحيح أن الإنجليزية باتت ذائعة الاستخدام ويمكن أن تحل المشاكل في نطاق الاتحاد الأوروبي ولكن تعميم استخدامها بات يضايق أطراف الاتحاد الأخرى.. من هنا تخلص "الإيكونومست" إلى ضرورة الأخذ بسياسة تعدد اللغات.. وبمعنى أن تفرض نظم التعليم على أطفال الاتحاد أن يتعلموا، ومن ثم يجيدوا، لغة أخرى إلى جانب لغتهم القومية.. قد تكون الإنجليزية أو قد تكون غيرها.. على أن يتم ذلك ابتداء من المراحل الاستهلالية من التعليم الأساسي. أفلا يشكر الناطقون باللغة العربية بركات السماء وعطايا التاريخ التي وهبتهم وحدة اللسان ومن ثم وحدة الفكر والوجدان؟ [/b]