فنّ آلكتابةُ و آلخطابَةُ – ألجزء ألثّاني ح1 ألفصلُ آلأوّل – ألقسم ألأوّل؛ ألمفاهيم و آلكليّات بسم آلله آلرحمن آلرّحيم [إقرأ بإسم ربّكَ آلذّي خلقْ, خلقَ آلأنسانَ من علق, إقرأ و ربّكَ آلأكرمُ, ألّذي علّمَ بآلقلمِ, علّمَ آلأنسانَ ما لمْ يعلم](1). [ألرّحمن, علّمَ آلقرآن, خَلَقَ آلأنسانَ, علّمهُ آلبيان](2). فنُّ: معنى فنّ كما ورد في آلمُنجد؛ [فنّ و فنّاً؛ آلشيئ زيّنهُ, و آلشيئ بآلشيئ خلطهُ, تفنّنَ آلشّيئ؛ تنّوعتْ فنونهُ, و تعني؛ أخذ في فنونٍ و أساليب حسنة من آلكلام و كذلك توسّعَ و تصرّفَ في آلكلام, و إستفنَّ فرسهُ؛ أيّ حملهُ على فنونٍ من آلمشيّ](3). ألفنّ و أفنان و فنون, و تطبيق آلفنان معارفه على ما يتناولهُ من صور آلطبيعة فيرتفع به إلى مثلٍ أعلى تحقيقاً لفكرةٍ أو عاطفةٍ يقصد بها آلتعبير عن آلجّمال و غيرها من آلموضوعات آلحياتيّه. ألفنّ؛ هو آلتعبير عن آلجّمال؛ عن آلفكر؛ عن آلمعنى؛ عن آلمادّة, عن آلأكل تلذيذاً للعقل و آلقلب و آلجّوارح. فنون آلشعر؛ أنواعه, كآلفنون ألجّميلة, هي ما كان مرضعها تمثيل ألجّمال, كآلموسيقى و آلتّصوير و آلشّعر و آلبلاغة و آلنّحت و آلزّخرفة و فنّ ألبناء و آلرّقص. ألفنون ألّلذيذة؛ هي تلك التي يشعر مُزاولها بلذّةٍ عند مزاولته إيّاها؛ كآلرقص و آلموسيقى و آلغناء و ركوب الخيل, و آلتمثيل و جميع الفنون ألحرّة. بتعبيرٍ أسمى؛ ألفنّ هو ما كان فيها عمل ألفكر أكثر من عمل أليد؛ كآلشِعر و آلمُحاضرة و آلخِطابَة و آلفنون أليدويّة و آلأعمال ألسّحريّة و آلأعمال ألحرفيّة كآلحراثة و آلنقوش ألفنيّة. و هو بتعبيرٍ أدقّ؛ أساليب و أجناس آلكلام و طرقهُ, حيث يُقال؛ فنُّ علمٍ؛ أيّ حسَنُ آلقيام به, و كلّ فنّان هو صاحب فنّ من آلفنون, بما فيها آلخطابَة كوسيلةٍ حيويّةٍ لأيصال ألأفكار ألتي هي أسمى شيئ في آلأنسان إلى آلأنسان. ألخطابة: خَطابَة, على وزن فعالة, و مصدرهُ خَطَبَ خُطْبةً, و خطْباً و خطابة؛ وعظ, أيّ قرأ آلخطبة على آلحاضرين, يُقال: و في آلمُنجد؛ ["خطب آلقوم و في آلقوم" خطب خطابهُ و صار خطيباً, خاطب خطاباً و مخاطبة, و يقال؛ "خاطبهُ في فلان", أيّ "راجعهُ في شأنه, تخاطباً .. تكالماً". إختطب على المنبر؛ خطب آلخطاب؛ ما يُكلم الرجل به صاحبهُ, و نقيضهُ آلجواب. أما فصل آلخطاب؛ هو أن يقول آلخطيب بعد حمد آلله: "أمّا بعد ...". "الفصاحة"؛ هي آلخطبة, و آلخطابَة؛ ألخطاب؛ ألخطيب, و جمعهُ خُطباء. و آلخطيب؛ هو منْ يقرأ آلخطبة, يُقال عنهُ رجلٌ خطيبٌ, أيّ "حَسنُ آلخطبة"](4). هذا ما يخصّ آلمفهوم أللغوي ألأدبيّ, أما آلمفهوم ألأصطلاحيّ, فيستخدمُ مصطلح "ألخطابة" للّذي يقومُ بأداء آلخُطب و آلمحاضرات من منبر دينيّ أو أعلاميّ أو صحفيّ أو سياسيّ أو فنيّ أو علميّ أو إقتصاديّ أكاديميّ. أهميّةُ ألخطابَةُ: يُشير لذلك آلقرآن ألكريم بقوله: [... و شدَدْنا مُلكَهُ و آتيناهُ آلحكمةَ و فصل آلخطاب](5). و موضوع آلخطابة يدخل ضمن موضوع ألدّعوة و آلتّبليغ في سبيل آلله تعالى و هو أهمّ أصل في آلبرنامج ألوظيفيّ للأنبياء و آلمُرسلين عليهم ألسّلام, حيث أشار تعالى لذلك بكلّ صراحة و وضوح بقوله تعالى؛ [إنّأ أرسلناك بآلحقّ ببشيراً و نذيراً و إن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذير](6). و كذلكَ قولهُ تعالى: [و ما أرسلناك إلّا كافةً للنّاس بشيراً و نذيراً](7). فآلله تعالى يُعرّف آلأنبياء و آلمُرسلين بأنّهم مُبلّغون للرّسالة ألألهيّة و يحصر عملهم في هذا آلمجال بقولهِ؛ [و ما أرسلناكَ إلّا مبشراً و نذيراً ...](8). و آلتبليغ في آلفكر ألأسلاميّ يهدفُ إلى بناء ألأنسان ألفكريّ و آلعقائديّ و آلرّوحي و آلنّفسي و آلأخلاقيّ ليكون سويّاً, لأعدادهِ إلى عمليّة ألبناء و آلأنتاج و آلأبداع بإخلاصٍ لتحقيقِ سعادة ألمُجتمع, بحسبِ تأكيداتِ ألقرآن ألكريم حيث يقول: [أ وَ منْ كان ميّتاً فأحييناهُ و جعلنا لهُ نوراً يمشي به في آلنّاس كمنْ مثلهُ في آلظلمات ليس بخارجٍ منها كذلك زُيّنَ للكافرين ما كانوا يعملون](9). و هكذا يتبيّن بأنّ رسالات جميع ألأنبياء و آلفلاسفة كانتْ لهداية ألنّاس, و آلفرق بينهم هي أنّ آلأنبياء خاطبوا عقول آلناس و قلوبهم بآلدّرجة ألأولى, أمّأ آلفلاسفة فأنّهم خاطبوا و ركّزوا كثيراً على عقل آلأنسان من خلال فلسفة آلأمور و آلأحداث, و لهذا إستمرّتْ فاعليّة رسالات آلأنبياء بين آلناس حتّى يومنا هذا لتماسها مباشرةً مع قلوبهم و وجدانهم و لذلك يتقدّم الأنبياء على الفلاسفة بدرجة كبيرة, و لعلّ هذا الفرق هو آلسبب في خلود و ديمومة رسالاتهم بين الناس بآلقياس مع نظريات و رسالات الفلاسفة و المفكرين, و مسألة الهداية في طريق ألخير هي إحياء للأنسان بإخراجهم من آلحالة ألبشريّة ألمحدودة بآلمادّة إلى فضاآت أوسع؛ [و من أحياها فكأنّما أحيا آلنّاس جميعاً](10)! ففي آلسؤآل الألهي تشخيص واضح لمكانة و أهمّية ألتبليغ ألهادف, و يوضح "ألطبرسي" في تفسيره لهذه الآية؛ [صورتهُ صورة آلأستفهام و آلمراد به ألنفيّ تقديره: (و ليس أحدٌ أحسنُ قولاً ممّن دعا إلى طاعة آلله, من خلال الأعمال الصالحة, و قال إنني من المسلمين)](11) أي يقول مع ذلك أنني من المستسلمين لأمر آلله ألمنقادين إلى طاعته و قيل: معناهُ؛ أنني من جملة آلمسلمين كما قال إبراهيم و أنا أول المسلمين, و هذا آلداعي هو رسول الله(ص) عن الحسن و إبن زيد و آلسّديّ و قيل هو و جميع آلأئمة ألهداة إلى آلحقّ. و من هنا فأنّ آلقرآن كما بيّنا يعتبر موضوع ألتّبليغ في قمّة ألأعمال ألصّالحة بشرطها و شروطها؛ [و من أحسنُ قولاً ممّن دعا إلى آلله و عملَ صالحاً](12) حيث قرنَ آلتبليغ بآلعمل آلصالح, و لذلك تحمّل آلرّسول(ص) في سبيل هداية ألنّاس كلّ آلأذى و آلجّوع و آلتّشريد و آلمقاومة و لم يتنازل عن موقفه رغم كلّ آلمغريات ألّتي قدّمها آلمُشركون لهُ في بداية ألرّسالة. كما أرسل آلنّبي(ص) ألمُبلّغين و آلرّسل إلى جميع آلأمصار و آلدّول لدعوة ألنّاس إلى آلحقّ و آلعمل ألصّالح, و من أبرز هذه آلأعمال؛ إرسال مصعب بن عُمير إلى يثرب(المدينة ألمنورة) في سنة 12 للهجرة لتمهيد آلأجواء لتأسيس الدولة الأسلامية من هناك, كما بلّغ آلرّسول في موسم الحجّ عند قدوم آلقبائل ألعربية إلى مكة, و من خلال أسفاره إلى أطراف مكة و إلى آلقرى و آلمدن ألمجاورة كآلطائف, كل ذلك دلالة على أهميّة هذا آلأمر, حتى مدح آلله تعالى المبلغين بقوله: [الذين يُبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلا الله و كفى بآلله حسيبا](13). و للتبليغ شرائط و آليات يجب ملاحظتها, حتّى إنّ آلرّسول كانَ يُوصي ألمُسلمين عند غزواتهم بضرورة ألدّعوة عمليّاً و سلوكياً بموازاة ألطّرح ألنّظريّ لكسب ودّ آلناس و هدايتهم, و كانََ أحبُّ إليه أنْ يَراهُم مُسلمونَ مُهتدونََ بَدَل آلقتلِ و آلسّبيّ و آلحرب(14). و هكذا كانت حياة آلأئمة(ع) كلّها عبارة عن مناهج حيّة و عمليّة في آلتبليغ و آلهداية على آلمستوى ألعمليّ و آلنّظريّ, و علينا آلأقتداء بهم: [و لقد كانَ لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كانَ يرجو آلله و آليوم آلآخر و ذكر آلله كثيراً](15). و سار على هذا آلمنهج جميع ألمُصلحين ألمُخلصين, و كان آلأمام الخميني(قدس) على رأسهم و هو ألمثل آلأعلى في هذا آلمضمار حيث تحمّل آلسّجن و آلتبعيد و آلحصار و آلغربة لأكثر من ستين عاماً و لم تأخذه في الله لومة لائم حتّى أيّدهُ آلله بآلنّصر ألمُؤزّر, ليؤسس على أثر ذلك ألدّولة آلأسلاميّة آلمُباركة عام 1979م! و آلخطيب ألنّاجح هو ذلك آلّذي يُواظب على بناء شخصيته و سلوكه بآلأعتماد على آلقُرآن و آلأحاديث و آلرّياضة ألرّوحيّة و آلتّحلّي بآلصّبر و آلأخلاق و على رأسها آلتّواضع و آلمحبة و آلأيثار فلها أثرٌ كبير في فاعليّة آلتّبليغ و إعداد آلأنسان ألهادف, و للأسف ألشّديد نرى أنّ كلّ آلمُبلغيين إلّا إستثناآت منهم منفتح آلوجه؛ هشٌ بشٌ؛ منشرح ألصّدر و آلسّريرة؛ مُتواضعٌ؛ مُحبٌّ للنّاس, إلّا أنّنا نرى آلجّميع و للأسف ألشّديد مُكفهريّ آلوجه يبخلون حتّى بآلبسمة و آلحميميّة مع آلنّاس! إنّ أهمّ أعمدة نجاح آلعمل ألخطابيّ بعد ذلك هو دراسة علم ألنّفس و معرفة آلأنسان و علم آلأجتماع و آلتّأريخ فهي آلدّعامات آلأساسيّة لبث ألمفاهيم و آلمُثل و آلقيم ألأنسانيّة في آلأنسان مُباشرةً و بفاعليّة, و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ آلعظيم. عزيز ألخزرجيّ (1) سورة ألعلق / 1 و 2 و 3 و 4 و 5. (2) سورة آلرحمن / 1 و 2 و 3 و 4 . (3) ألمُنجد في آلأعلام و آللغة. دار آلمشرق – بيروت, ص596, ط26. (4) ألمنجد في آلأعلام و اللغة. دار آلمشرق – بيروت, ص186, ط26. (5) سورة ص / 20. (6) سورة فاطر / 24. (7) سورة سبأ / 28. (8) سورة ألأسراء / 105. (9) سورة ألأنعام / 122. (10) سورة ألمائدة / 32. (11) تفسير ألطبرسي / سورة فصّلت. (12) سورة فصّلت / 33. (13) سورة ألأحزاب / 39. (14) ألهنديّ, (ألمُتّقي1984م), مطبعة دار آلأنوار - بيروت, ج4 ص468, ط1. (15) سورة آلأحزاب / 21.