هجرة بعض الكفاءات الوطنية - في رأيي - أصبحت واقعاً لا أرى جدوى إنكاره، فقد بدأت هذه القضية منذ عدة سنوات، وتنامت ليصبح التفكير في الهجرة أمراً مطروحاً لدى كثير منهم، بل إن بعضهم بدأ بالفعل باتخاذ خطوات عملية لترتيب أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، لتسهيل هجرتهم إلى بعض الدول التي ابتعثوا إليها، أو إلى بعض المجتمعات الخليجية التي تتمتع بمميّزات معيشية أفضل، وتستقطب كوادر صحية بمغريات مادية ومعنوية كبيرة. ومن أسباب استحسان فكرة الهجرة، تأخُّر تفعيل بعض الأنظمة التي تحفظ مقدّرات الكفاءات الوطنية، وتدهور بعض الأوضاع الإدارية في كثير من المؤسسات، نتيجة انتشار الواسطة والمحسوبية، والمركزية والبيروقراطية، وقصور البيئة العلمية والبحثية المناسبة للمساعدة على تطوير البنية الأساسية في التخصصات الدقيقة للكوادر الوطنية، فضلاً عن قلة الحوافز المادية وخفض الرواتب أو تجميدها، وتعقيدات إدارية مستفزّة ، في سبيل حصولهم على بدلاتهم المستحقة نظاماً وتأخرها، إضافة إلى عدم احتسابها ضمن رواتب التقاعد، في وقت تتوفر وظائف برواتب مغرية وإمكانيات أفضل في بعض دول الجوار، أو في بلاد المهجر. لكن بعض الكفاءات السعودية، تهاجر داخل مجتمعها، نتيجة شدة إحباطاتهم، وخيبة آمالهم، وصدمتهم الحضارية، فقد لجأ كثيرون إلى عملِ أقلّ القليل، والتخلّي عن مشروعاتهم وأفكارهم التطويرية وحماسهم للإبداع، فودّعوا الإنتاج المتميّز، وهجروا البحوث العلمية، والتفتوا إلى توفير وسائل عيش ٍكريم، بعد تقييدهم بأنظمة عقيمة، ومركزية عتيدة، وتهميشٍ إداري، وتكبيلهم بقروض بنكية ومصاريف شهرية، في مواجهة غلاء الأراضي والمساكن والمعيشة، فخسر بذلك الوطن كفاءات يعيشون فيه، وهم في الحقيقة .. ميّتون !!. أما الهجرة من القطاعات الحكومية إلى الخاصة، فهي نتيجة إحباطات إدارية متوالية، ورغبة كثير من الكفاءات الوطنية الحكومية في تغيير نمط عملهم المشوب بالملل وسوء التقدير، وفتْح آفاق أكبر للكسب المادي والإنتاج العملي، لكن كثيراً منهم مازالوا مترددين في ذلك رهبة من التغيير، وخوفاً من مغامرة مِهْنية غير معروفة العواقب، وخشية استغلال بعض أرباب القطاع الخاص لمقدّراتهم وإمكانياتهم، دون عائد معنوي أو مادي مجزٍ. أرى أن مسؤولية كبرى تقع على عاتق مؤسسات الدولة والمجتمع، بمواجهتها هذه القضية بشفافية، ودراسة أسبابها بموضوعية، وعلاجها بتشجيع الكفاءات على البقاء والإنتاج والإبداع بوسائل معنوية ومادية، في بيئة علمية واقتصادية مُتجددة، تحكمها قوانين وأنظمة عادلة، تكرّس تكافؤ الفرص، وتُحكّم القوة والأمانة في تولية المناصب الإدارية، والتخصصات الوظيفية. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (92) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain