الحقيقة التي تكبر كل يوم في الجامعات اليمنية أن الكثير من أعضاء هيئة التدريس، وبخاصة العناصر المؤهلة والنشطة التي أعدت للتنمية تتسرب خارج الوطن، وكلهم يبحثون عن فرص لإثبات الذات، والمحزن حقاً أن العقول النيرة والمبدعة من مختلف التخصصات هي التي تغادر الوطن، وكثير منهم ممن لا يزالون في الوطن يبحثون عن فرص قريبة للهجرة حتى المتخرجين الجدد، لم تعد لديهم تلك الفرحة بالعودة للوطن، كلهم يفكرون في الهجرة، ويتحينون الفرص والأسباب لمغادرة جامعاتهم ، وحينما يسألون يجيبون بأنهم ذاهبون لفترة قصيرة وعائدون..... والمؤسف حقاً أن الوطن تكبد تكاليف باهظة لتأهيلهم على أمل أن يتولوا إدارة عجلة التنمية في بلدهم، لكن ذلك لم يحدث؛ فبمجرد أن يتولوا مهامهم التي أعدوا من أجلها حتى يبدأوا البحث عن العمل خارج اليمن ..ومع أهمية تلاقح الخبرات بين البلدان العربية ومع افتخارنا بما يحققه اليمنيون من نجاح في الخارج، إلا أننا لسنا في وضع يسمح بتصدير الخبرات والكفاءات، فالبلد بحاجة إلى هذه الخبرات التي تم تأهيلها لبناء الوطن، وبخاصة أن هجرة الكفاءات غالباً ما تطول وتترك فراغاً تنموياً كبيراً، يتم شغله إما بقدرات أجنبية توازي تكاليفها أكثر مما تعطيه للتنمية في اليمن، أو يتم ترقيع أماكنهم ببدائل محلية أقل قدرة من المغادرين، وهو ما ينعكس على مستوى جودة الأداء الجامعي في المجال الذي يشغلونه... كل نظريات التنمية تؤكد أن البشر هم الثروة الحقيقية للبلد، فكيف إذا كان هؤلاء البشر من المفكرين العباقرة والعلماء العارفين والباحثين المتميزين؟!! أليس من الأولى أن يتم استثمارهم في بناء وطنهم الذي تأهلوا من أجله وتربوا في كنفه وارتبطوا بتربته وهوائه وعاشوا على حبه والتغني به؟!! أليس من أبجديات التنمية أن تستقطب خطط التنمية القدرات اليمنية المؤهلة قبل اللجوء إلى الخبرات الأجنبية؟!! لماذا تهاجر الكفاءات اليمنية وبخاصة أساتذة الجامعة ؟!! يجب أن نعترف أن هناك عوامل كثيرة طاردة للمفكرين والمبدعين والباحثين اليمنيين؛ ومن أهمها الشعور بالإحباط الذي تعاني منه الكوادر اليمنية المؤهلة؛ فهم يعودون إلى اليمن بعد تأهيلهم في الخارج وكلهم طموح، ولديهم رغبة قوية في الإبداع وتطبيق ما تعلموه في خدمة وطنهم، ويأتون وعندهم أمل كبير في أن يكون لهم شأن في وطنهم ثم يصطدمون بواقع فوضوي ، عشوائي ،غير قابل لتطبيق التفكير العلمي، ولا يعينهم على تحقيق ذلك الطموح ؛لا من حيث الإمكانات، ولا من حيث الإدارة، ولا من حيث بيئة العمل، ولذلك يشعرون بأن بقاءهم في ذلك الوضع معناه تحطيم لقدراتهم، وضياع لأوقاتهم التي يصرفونها في كل شيء إلا العمل العلمي والإبداعي، فيفكرون في كيفية الخلاص من الشعور بهذا الإحباط، ويخططون لوقف بداية النهاية، وليس أمامهم إلا الهجرة حلاً مناسباً لتوفير بيئة مناسبة للتفكير والإبداع والعمل، فضلاً عن تحقيق الذات وتوفير متطلباتهم المادية، وربما يسرع في هجرتهم شعورهم بالخوف من تسرب العمر في الانشغال بأمور ليست هي التي تأهلوا من أجلها كالانشغال بمتطلبات العيش اليومية، والقات، والمناسبات الاجتماعية، والهموم الأسرية، ومشكلات العمل..لكنهم وهم مهاجرون يعانون من الغربة، ومهما كان العيش رغداً خارج الوطن فهو بالنسبة لهم ممزوج بغصة فراق الوطن... فإلى متى ستظل هجرة العقول اليمنية مستمرة؟!! هل هناك أمل في عودة العقول المهاجرة للمشاركة في التنمية؟ وهل سيجد أستاذ الجامعة في وطنه ما يجده في غربته من إمكانات ؟! نحن بحاجة إلى استراتيجية وطنية مبنية على تجارب الدول المتقدمة لاستقطاب العلماء والباحثين المتميزين، ومهما كلف هذا الاستقطاب من أموال فهو استثمار في محله، ومضمونة نتائجه، وسيعود على الوطن بملايين الدولارات.. اليمنيون مشهود لهم بالتميز في كل مكان يجدون فيه الإمكانات خارج اليمن، وعندهم من الهمة والمثابرة ما يعجز عنه كثير من البشر، فكيف إذا اجتمع العلم والمهارة والتميز والهمة والإمكانات في بلدهم؟! لا شك سيكون التميز أعلى لأنهم سيشعرون أنهم يبنون حضارة هم أهلها، وبلداً هم من أبنائه.. ٭ كلية التربية - جامعة صنعاء [email protected]