سامي غالب أن تقرأ قيادة الحزب الاشتراكي الانتقادات الموجهة لها على أنها تصدر عن "رهاب اسمه الاشتراكي" فهذا يعبر عن الهوة التي تفصل هذه القيادة عن الواقع حتى أن الشعور بالنقص والعجز حيال القوى المهيمنة في العاصمة استحال جنون عظمة يتجلى في افتتاحية "الثوري" الناطقة بلسان الحزب أمس. يرد الحزب على ناقديه بلغة متشنجة وعصبوية أبعد ما تكون عن قيم اليسار. ففي إحدى فقرات هذه الافتتاحية الجاهلية ينزلق الكاتب إلى تعيير أجد الناقدين بجيناته وقبيلته وجده الذي كان "رجلا يعيش حياة إنسان الغابة الأول وأرفع توقير يحظى به أن يكون فرداً في سرية للإغارة والسلب"، متباهيا كأي يميني متعصب بأجداده "الاشتراكيين" الصناديد! [ هذا ما أسميه الشمولي البيولوجي أو اليساري البيولوجي! هل قدم مناضلو الحزب والجبهة القومية، واغلبهم ريفيون بسطاء وطيبون، من كوكب المريخ؟] هذا "حزب اشتراكي من طراز أجد" غير ذلك الذي تأسس نهاية السبعينات. وهذه المفردات العنصرية المثيرة للتقزز والاشمئزاز كاشفة وتحذيرية في آن: تكشف عن محركات قروية ومناطقية وراء بعض المبشرين اليساريين بالفدرالية حتى أن الاشتراكي هنا لا يختلف كثيرا عن اي يميني انعزالي في لبنان السبعينات؛ وتحذيرية لأنها تضمر عنفا قادما قد لا يكون الاشتراكيين أداته جراء كوابخ عديدة تتعلق بتاريخ الحزب نفسه [ليس الاشتراكي ما يخيف ناقديه، وما من رهاب هنا]. يعرف كاتب الافتتاحية أن محور انكشاف الحزب [ انكشاف جبهته هو الذي يواصل حروب الاجداد ضد ناقديه] هو موقفه الفضائحي من النقاط ال20. لذلك يعرج على النقاط ال20 كمن يتسلل بعيدا عن انظار حامل الراية الى مرمى الخصم. فالافتتاحية تلمح إلى أن الاشتراكي تخلى عن التهيئة بسبب الحملة التي كانت ضدها قبل عام (الفقرات الاخيرة من الافتتاحية)، كما تشير إلى ان الغرض من النقاط ال12 ثم ال20 هو جذب الجنوبيين إلى الحوار. ليس صحيحا أن النقاط ال20 ووجهت بحملة مضادة. فقد كانت محل اجماع في اللجنة الفنية وهي خظيت باكبر تأييد شعبي في الشمال والجنوب. ووضعت أبطال حرب 94 في الزاوية لكن الحزب نفسه من اختار الوقوف في صف هؤلاء الابطال ضد العضوين المستقلين والمستقيلين من اللجنة الفنية للتحضير للحوار الوطني رضية المتوكل وماجد المذحجي [ يتوجب دائما التذكير بالمواقف النبيلة والجسورة التي تنتصر للحق]. ويمكن عزو هذا الانحباس الشامل للحوار الوطني إلى جملة تواطؤات كانت قيادة الاشتراكي منخرطة فيها وما تزال. إن ما يقوله الحزب في هذه الافتتاحية هو إنه تنازل عن الحقوق كي لا يقال إنه يعطل الحوار. والدرس المستفاد هنا إن التنازل عن الحقوق لا يمكن أن ينجح حوارا. والنقاط ال20 لم تكن فقط محاولة لجذب الجنوبيين بل التزام قانوني وسياسي واخلاقي على كل شخص يزعم أنه يحمل رؤية وطنية أو يلتزم لحزب وطني كالاشتراكي. وهي أيضا تهيئة للحوار (تهيئة يا قادة الحزب) الذي يحتضر الآن جراء المساومات التي لا تنتهي على حقوق الناس ومصالحهم. الاشتراكي ليس حزبا فاشيا ليضيق من النقد فيواجه ناقديه بروحية يمينية انعزالية تذكر بأقبح ما في السياسة وبأعتم ما في مسيرة الحزب الاشتراكي عندما كان يحكم في الجنوب. ما من رهاب هنا سوى رهاب الحقيقة. وقيادة الحزب الاشتراكي ترفع صوتها وتضج بطنان الألفاظ ورنان الكلمات وتشحن اعضائها بالغضب والثورة للتعمية على خطيئتها التي بدات في اللجنة الفنية ثم كبرت في الجلسة العامة الاول للحوار [عريضة المطالبين بالتهيئة التي ضمت 400 توقيعا] وتكاد تعضف بالحوار الوطني الآن. وما تفعله افتتاحية الثوري هنا هو محاولة صرف الانظار عن الخطيئة بتخوين الناقدين والتعيير بظروفهم وأصولهم والجينات التي يحملونها من أجدادهم. ليبارك الله قيادة الجزب وجمعتكم مباركة.