حسن أبو طالب في ضوء التطورات المتسارعة في الملفات الكبري كالنووي الايراني والملف السوري والانسحاب الامريكي النسبي من قضايا الاقليم والتغلغل الروسي المتدرج في الشرق الاوسط. وكان حتميا طرح التساؤل حول العلاقة المصرية التركية في ضوء التوتر المتزايد بين البلدين بعد انتهاء حكم جماعة الاخوان وتأثيرها علي التحالفات الاقليمية المحتملة في المدي القصير, خاصة أن تركيا تحولت في السنوات الثلاث الماضية من بلد صاحب اقوي العلاقات مع دول الشرق الاوسط إلي بلد شبه معزول اقليميا, فعلاقاتها مع إسرائيل تحولت إلي علاقة نبذ وكراهية, والأمر نفسه ينطبق علي العلاقة مع سوريا الاسد, واخيرا علاقات متوترة مع مصر, ويصاحب ذلك عزوف سعودي وإماراتي وكويتي عن تطوير علاقاتهم مع تركيا, والاكتفاء بعلاقات سياسية باردة وأخري اقتصادية عادية. ولا شك أن العزلة التركية بعد فترة صعود وانفتاح مع دول الاقليم من شأنها أن تجعل التصرفات التركية فاقدة للرشد وبعيدة عن أي نضج سياسي. وردا علي التساؤل جاءت الإجابة علي لسان مصدر مهم ممزوجة بقدر من الحزن, وملخصها أن مصر حاولت التواصل بصورة مباشرة وغير مباشرة مع الجانب التركي, وكانت تأتي لنا ردود ايجابية تعبر عن رغبة في المرور من عنق الزجاجة الراهن, وكان مطلبنا بسيطا وهو ان تتوقف التصريحات المسيئة. ومع استمرار الاتصالات تبين لنا أن هناك انقساما في انقرة بشأن مصر, فالحكومة التركية خاصة دوائرها الاقتصادية والصناعية حريصة علي استمرار العلاقة الجيدة معنا واحتواء المشكلة التي تفاقمت بعد منتصف أغسطس الماضي, كما أن القطاع الخاص التركي اكد لنا مرارا بأنه راغب في الاستمرار بمصر, بل أن بعض رجال الاعمال الاتراك اصحاب استثمارات مهمة اكدوا نيتهم التوسع في السوق المصرية. وبناء علي ذلك فكرنا مرتين علي الاقل في إعادة السفير المصري إلي انقرة, وكنا نطلب منهم ان يصمتوا وأن لا يؤججوا الامور بتصريحات نارية غير مقبولة, وبدا أولا أنهم متفهمون الامر وعلي استعداد لتنفيذه. وكلما اقتربنا من قرار إعادة السفير المصري, إذا بالسيد أردوغان يخرج علينا بتصريحات ومواقف لا تتوافق مع الأعراف الدبلوماسية وتتضمن تجريحا شديدا بإرادة الشعب المصري وتنسف أي تفاهم ضمني. ومن ثم تراجعنا عن إعادة السفير, وتكرار الأمر علي هذا النحو أكد لنا أن أردوغان شخصيا هو الذي يقود الجناح الرافض تهدئة التوتر مع المصريين, وأنه يري في هذا التوتر إضافة له أمام الرأي العام التركي ويمنحه فرصة ذهبية في الحصول علي فوز مريح في الانتخابات البرلمانية التركية المقبلة. حديث المصدر المصري علي النحو السابق يكشف عن ثلاثة دلالات مهمة يمكنها أن تساعدنا في تفهم المسار الذي تنزلق إليه العلاقات المصرية التركية في المدي المتوسط. أول هذه الدلالات أن أردوغان يتلاعب بالمصالح العليا التركية لحسابات شخصية بحتة إلي الحد الذي يجعله يضحي بالعلاقة مع بلد كبير ومهم كمصر من أجل الاستعداد للانتخابات, انطلاقا من قناعة محددة أن بيئة التوتر السياسي تجعله الزعيم المحبوب لدي الأتراك والقادر علي حصد أصواتهم في الانتخابات بسهولة. وثاني هذه الدلالات يفصح عن ارتباط اردوغان العاطفي والسياسي الشديد بجماعة الاخوان الذين نسجوا علاقات قوية معه شخصيا ومع حزبه العدالة والتنمية خلال السنوات العشر الماضية, وقاموا خلالها بدعاية مجانية هائلة لما اصطلح علي تسميته بالنموذج التركي في الديمقراطية الاسلامية, وقاموا أيضا بالترويج بأن جماعة الاخوان المسلمين هي القوة الوحيدة القادرة علي استنساخ النموذج التركي بمواصفات مصرية, وبما يشكل خطوة في استعادة تراث الخلافة الاسلامية العثمانية بجهود مشتركة مصرية تركية وتحت قيادة أردوغان شخصيا. أما الدلالة الثالثة فهي أن تركيا الدولة والحكومة والمجتمع المدني ورجال الأعمال ليست موحدة وراء رؤية أردوغان تجاه مصر وثورة شعبها, لكنها لا تستطيع الفكاك من تصرفاته ونتائجها الكارثية, لسبب بسيط وهو انه استطاع ان يوجد دولته العميقة القائمة علي السيطرة العضوية لجماعة فتح الله جولن علي مفاصل تركيا سياسيا واقتصاديا ودعائيا, وهي الجماعة التي تعد بمثابة النسخة التركية للاخوان. وهكذا فالبعد الشخصي المتمثل في الزعامة التي ضاعت لدي اردوغان تجعلنا نتوقع المزيد من التصريحات السخيفة والأفعال الشنيعة التي تضر بأمن مصر وشعبها. فالرجل يري نفسه الزعيم الذي استطاع ان يحتوي الجيش التركي ويضعه في جيبه ويحول بينه وبين القيام بأي سطو علي السلطة, وكثيرا ما نصح الرئيس المعزول في ان يعتقل بعض قيادات الجيش المصري او إبعادهم عن مناصبهم العليا, وهو الوحيد المؤهل لقيادة الشرق الاوسط بأسره تحت مظلة دينية سنية, تلعب فيها مصر دورا محوريا لقبول الفكرة ونشرها والانصياع إليها أيضا. لقد كان حلم اردوغان كبيرا وهائلا, ولكن ثورة المصريين الشجاعة أنهت هذا الوهم الكبير, وبالتالي جاء الانتقام في صورة قوامها لن يهنأ المصريون الذين تسببوا في ضياع هذه الاحلام العثمانية. وبناء علي ذلك فإن تصدير الازمات والمشكلات لمصر ونظامها الجديد سيكون بمثابة السياسة الوحيدة التي ستسلكها تركيا في المرحلة المقبلة, علي أمل الاستزداة في تشويه ثورة المصريين وتجريح الجيش المصري ووقف أي تحسن في الوضع الاقتصادي المصري, واظهار الحكم الجديد بالعجز, والتمهيد لاحقا كما يظن لثورة جديدة تعيد الاخوان إلي سدة الحكم والسلطة, في الذكري الثالثة لانتفاضة المصريين في25 يناير.2014 أحلام أردوغان الضائعة تقوده إلي تصرفات خطيرة, تدور في مجملها بالإضرار بالأمن المصري والاقتصاد المصري وشن حرب دعائية ضروس ضد مصر وشعبها حتي لا تقوم لها قائمة ويمكنها أن تنافس تركيا بعد حين. تجلت هذه التصرفات في مشاركة رئيس المخابرات التركي في أحد اجتماعات التنظيم الدولي للاخوان, الذي تقرر فيه توفير تمويل بقيمة25 مليون دولار لتمويل الانشطة التخريبية والارهابية في مصر, وبما يجعل تركيا شريكا مباشرا في الارهاب الذي يصول ويجول في مصر بواسطة اعضاء الاخوان وحلفائهم. فهل بعد ذلك ننكر علي مصر أن طردت سفير اردوغان واغلقت أحدي قنوات التمويل لارهاب الاخوان؟.