اعتبر المحلل السابق في السي آي إيه والخبير في شؤون الشرق الأوسط والشؤون العسكرية كينت بولاك في مقال تحليلي نشرته مجلة فورين أفيرز أن الاتفاق الذي أمكن إبرامه مؤخرًا بين مجموعة الست وإيران يعتبر خطوة أولى في مشوار طويل، وأن اتفاقية نهائية بشأن برنامج إيران النووي قد تستغرق ثلاث سنوات، وأن الأمر يتوقف على النوايا الحسنة التي يتعين على طهران إثباتها. ويرى بولاك في انتقاده للاتفاق أنه لم يقل لنا شيئًا عما سيحدث بعد فترة الستة أشهر التي سيستغرقها. ووصف الاتفاق بأنه في العموم جيد لأن إيران لم تعد الآن على وشك إنتاج القنبلة، كما كان الوضع قبل الاتفاق، وإنه لم يكن يخطر على بال أحد أن يتم بهذه السرعة بعد عقد كامل من المفاوضات غير المجدية. حقائق وأرقام يرى بولاك في مقاله أن مبلغ السبعة مليارات دولار الذي ستحصل عليه إيران خلال الستة أشهر المقبلة يعتبر مبلغا ضئيلا، إذا ما قورن بمبلغ الثلاثين مليار دولار الذي كان في مقدور إيران الحصول عليها خلال نفس الفترة الزمنية من عائداتها النفطية في حالة الرفع الكامل للعقوبات المفروضة عليها. والصفقة ليست إلا خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح، فبموجبها ستتضاءل القدرات النووية الإيرانية على تحقيق اختراق في نهاية المطاف، ولكن من الصعب أن نذهب أبعد من ذلك بكثير، فهناك طرق عديدة يمكن لإيران من خلالها الحصول على المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي .كما أنه يبدو من الصعب التكهن إلى أي مدى يمكن أن تؤثر فترة الستة أشهر التي سيستغرقها الاتفاق على تعطيل البرنامج النووي الإيراني، فقد يتراوح ذلك بين أسبوع، أو شهر، أو سنة، ومن المستحيل معرفة ذلك على وجه التحديد. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الاتفاق المؤقت سينتهي بعد 6 أشهر دون أن يقول لنا شيئًا بعد انتهاء تلك الفترة. والأمل هو أن الجانبين سوف يستغلان الوقت في العمل على التوصل إلى اتفاق أشمل. لكن اذا انقضت ثلاث سنوات دون توصل الجانبين الى اتفاق نهائي، فإن التاريخ سيحكم على أن هذا الاتفاق كان فاشلاً. لذا يمكن القول إن هذا الاتفاق المؤقت يبدو مهمًا بقدر ما يمكن أن يقدمه من دفع في اتجاه التوصل إلى اتفاق نهائي يسدل الستار نهائيًا على هذا الملف. ويمكن النظر إلى القيمة الحقيقية للاتفاق (الصفقة) من خلال القول بإنه في حقيقة الأمر إجراء لبناء الثقة، وهو الاختبار الذي سيتعين على إيران النجاح فيه. الصعوبات التاريخية يرى بولاك أن المشكلة بين إيران والغرب ظلت تتمحور -ببساطة- حول غياب عنصر الثقة بين الجانبين، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال تصرفاتهما خلال السنوات الأربع والثلاثين الماضية، أي منذ اندلاع الثورة الإسلامية، ثم تعمقت بشكل أكبر منذ ذلك الوقت. وهو ما شكل السبب الرئيس في الحيلولة دون إجراء مفاوضات جادة. لذا فإن الأهمية الحقيقية لهذه الصفقة تكمن في تمكنها من القضاء على انعدام الثقة المتبادلة، وهو شرط ضروري للسير قدمًا نحو التوصل إلى اتفاق نهائي. وما يبعث على التفاؤل ما أبداه الجانبان من استعداد لتقديم تنازلات، وهو شرط آخر لتحقيق اتفاق نهائي ناجح في نهاية المطاف. إن أكثر ما يلفت النظر في الصفقة الحالية ما أظهرته من قدرة الجانبين على تبديد حالة انعدام الثقة بينهما، بعد أن شعرا بحاجة كل منهما للآخر، وضرورة توصلهما إلى اتفاق: إيران تريد من الغرب إنهاء العقوبات، والغرب يريد من إيران اتخاذ خطوات ذات معنى لوقف مساعيها الرامية إلى امتلاك القنبلة النووية. وهذا هو بالضبط ما فعلته هذه الصفقة. فقد وافق الإيرانيون على وقف تقدمهم نحو القدرة على تحقيق اختراق نووي لمدة ستة أشهر، إضافة إلى الموافقة على تخفيف تركيز مخزونهم من اليورانيوم المخصب بنسبة 19.75 % (أي تخفيض تلك النسبة إلى نسبة أقل) مع إظهار استعدادهم لتقليص برنامجهم النووي والتحرك بعيدا عن التوصل إلى قدرة الاختراق - والعنصر الأكثر أهمية في التوصل إلى اتفاق شامل. وبالمثل، أظهر الغرب لإيران انه مستعد لمنحها بعض الأموال وتعليق بعض العقوبات، بما يشكل متطلبات الحد الأدنى لإيران في التطلع نحو تحقيق اتفاق شامل. لكن ينبغي التأكيد في هذا السياق أنه من الصحيح أن العقوبات تم تعليقها، لكنها لم تلغَ. الآن يمكن لكلا الجانبين أن يقول لشعبه: إن الطرف الآخر أظهر استعداده لتقديم هذا النوع من التنازلات المؤلمة التي لابد منها للتوصل إلى اتفاق نهائي، وأنه ينبغي منح كل منهما بعض الثقة للآخر بأنه من الممكن التوصل إلى اتفاق أكثر شمولية، من شأنه أن ينهي في نهاية المطاف التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني الحالي . لذا فإن هذا الاتفاق المؤقت يعتبر مؤشرًا على جانب كبير من الأهمية، وإن كان بعموميته رمزيًا، كونه خطوة نحو صفقة لم يكن حتى مجرد التصور بإمكانية حدوثها. لابد من الحذر بالرغم من كل هذه المؤشرات التي تدعو إلى التفاؤل، إلا أن الأمر يتطلب قدرًا كبيرًا من الحذر، فهناك العديد من العقبات لابد من تذليلها لضمان نجاح الاتفاق، يأتي على رأسها ضرورة موافقة الكونجرس الأمريكي على إجراء تخفيض ذي مغزى على العقوبات المفروضة على إيران، كما يتعين إقناع المتشددين الإيرانيين بضرورة التنازل عن حق تخصيب اليورانيوم وإزالة العقوبات دفعة واحدة، والنزول بهذه المطالب إلى تحقيق انتعاش للاقتصاد الإيراني من خلال الرفع الجزئي للعقوبات ودرجة تخصيب محدودة لليورانيوم. وعلى المتشددين الإيرانيين النزول عند رغبة الشعب الإيراني الذي عانى كثيرًا من جراء العقوبات. يمكن القول في المحصلة إن رحلة الألف ميل تبدأ -كما يقول المثل الصيني- بخطوة واحدة، وقد تم اتخاذ هذه الخطوة، التي لا ينبغي تجاهل أهميتها بعد البدايات الخاطئة، ولكن الطريق ما يزال طويلاً.