شهدت رواندا في العام 1994 أحداثاً سيتذكرها سكانها لعقود مقبلة وسيبقى أثرها في الناس سنوات طويلة، هذا البلد الصغير شهد إبادة جماعية وصل عدد ضحاياها إلى ما يقرب المليون نسمة، ولا زالت وسائل الإعلام تذكر بهذه الأحداث بين حين وآخر بظهور تفاصيل جديدة، أو بإصدار برامج وثائقية. لا شك أن أثر الحرب والعنف على الناس عميق وأحياناً خطير، فأحداث رواندا ليست الوحيدة في التسعينات من القرن الماضي، هناك مذابح وحروب أهلية وتطهير عرقي مارسه أناس ضد أناس في بلدان مختلفة وبأحجام مختلفة، وحتى بعض البلدان المستقرة نسبياً كالهند شهدت مثل هذه الأحداث. مثل هذه المذابح والتطهير العرقي الذي تظهر أخباره وصوره بين حين وآخر دفع بأناس مختلفين لدراستها وفهم أسبابها وأنماطها، وتبين أن هناك نمطاً متكرراً يمكن ملاحظته لأي مذابح أياً كان سببها، فمثلاً الأمر يبدأ بشيء بسيط وهو أن يمارس الناس التفرقة بينهم وبين مجموعة من الناس بنعتهم بكلمة «هم»، فيقسم الناس أنفسهم إلى مجموعتين، نحن وهم. هذه البداية البسيطة تجعل الناس يقسمون الآخرين إلى مجموعتين أو أكثر، التقسيم قد يكون عرقياً أو دينياً أو بحسب الأيديولوجيا، فيشعر البعض بحاجة إلى أن يضع حداً فاصلاً بينه وبين الآخر، فالآخر ليس مثله وإن كان يعيش معه على الأرض نفسها، بل الآخر مختلف جداً عنه حتى لو كان يشترك معه في اللغة والثقافة والتاريخ، ويبدأ البعض في بث رسائل التفريق بين الناس وآخرين ينقلون هذه الرسائل إلى الأبناء. قد يستمر هذا التفريق وقتاً طويلاً لكنه قد يتحول لمرحلة أخرى وهي إلغاء إنسانية الآخر بسبب اختلافات في الأفكار قد ترى أغلبية بأن أقلية ما تهددها، أو ربما تريد أكثرية ما أن تؤكد هويتها بأن تجعل الأقلية أو الأقليات هي جزء من «هم» فتصبح هوية «نحن» أكثر وضوحاً وتمايزاً، لكن قبل كثير من الحروب الأهلية، أو قبل مذابح التطهير العرقي يمارس فريقان أو أكثر تبادل الاتهامات، وربما السخرية والشتائم ووصف الآخر بأوصاف مختلفة تلغي إنسانيته. هكذا، بالتدريج يصبح لبعض الأفراد مبرر لممارسة العنف اللفظي والجسدي ضد الآخر، لأن هذا الآخر لم يعد إنساناً في نظرهم، فهو فيه كذا وكذا من الصفات والعيوب، وهو مصدر لخطر عظيم، ولا يهم إن كان هذا خطراً فعلياً أم مجرد خيالات صنعتها عقول الناس. بعد ذلك يتحول العنف اللفظي إلى عنف جسدي منظم، في بعض الدول تبدأ وحدات عسكرية بالظهور بهدف ممارسة التطهير العرقي ضد الآخر الذي غالباً ما يكون أقلية مميزة بعرق أو دين أو تيار سياسي؛ ففي القرن الماضي، حتى في هذا القرن، مذابح كثيرة في بلدان مختلفة وأكثرها يتبع هذا النمط. الأمر يبدأ بالكلمة وما أبسطها من كلمة: «هم» تصبح بداية التفريق، فهم مختلفون عنا، وهم فيهم كذا وكذا من الصفات السلبية، وهم يشكلون خطراً على هويتنا أو أمننا، وبظهور كلمة هم ستظهر كلمة نحن، فنحن فريق واحد في مواجهة فريقهم، ونحن لنا شعاراتنا وأفكارنا التي توحدنا، ثم تبدأ مرحلة إلغاء إنسانية الآخر بإرسال الاتهامات والشتائم والسخرية من هذا الآخر. الكراهية تصنع، ليست شيئاً يحدث هكذا دون مقدمات، هناك أناس لديهم الدافع والاستعداد لصناعة الكراهية، ومؤسف أن البعض يظن أن المتعصبين وحدهم قادرون على صنع الكراهية، لأن الحقيقة هي أن هناك أناساً لطفاء قد يشاركون في صناعة الكراهية بدافع الحفاظ على النفس أو الهوية، أو للانضمام إلى مجموعة ضد أخرى، وحتى العقلاء قد يشاركون في الأمر إذا ما شعروا بتهديد. لكن كما تصنع الكراهية يمكن صناعة التآلف كذلك، وهذا أمر يدعو للتفاؤل. [email protected] The post هكذا تصنع الكراهية appeared first on صحيفة الرؤية.